منبج بعد الاحتلال... من مدينة ديمقراطية إلى مدينة "الأشباح"
تشهد مدينة منبج المحتلة حرق المراكز الثقافية وسرقة المرافق الصحية ومخاطر على حياة المدنيين الذين يتعرضون للسرقة والنهب في ظل الاحتلال التركي للمدينة.
سيلفا الإبراهيم
الحسكة ـ "مرتزقة الاحتلال التركي غير قادرة على إدارة المدينة في ظل الفوضى التي خلفتها منذ أول يوم لاحتلالها، نطالب قوات سوريا الديمقراطية بالتدخل وإنهاء حالة الفوضى التي تشهدها المدينة"، بهذه الكلمات عبرت نساء مدينة منبج عن غضبهن إزاء ممارسات المرتزقة ضد الأهالي.
شهدت مقاطعة منبج في إقليم شمال وشرق سوريا ازدهاراً خلال الثماني سنوات الأخيرة، فبعد أن تحررت المقاطعة من قبل مجلس منبج العسكري ووحدات حماية المرأة وقوات سوريا الديمقراطية من داعش تم تسليم إدارة المدينة لبنات وأبناء المنطقة من عرب وكرد وتركمان وشركس الذين ساهموا بدورهم في نفض غبار داعش عن ملامح المدينة وإعادة إعمارها وبناء مؤسساتها على أسس ومبادئ الأمة الديمقراطية التي احتوت كافة مكونات المنطقة وفئات المجتمع دون إقصاء أي فرد في مشروعها الديمقراطي، كما عاشت المدينة حركة ثقافية أعادت من خلالها جميع المكونات هويتها الثقافية واللغوية.
ولكن بعد الهجوم الذي شنه الاحتلال التركي على مدينة منبج انقلب واقعها رأساً على عقب، حيث تشهد المدينة في ظل مرتزقة الاحتلال التركي إقصاء للمكونات فضلاً عن الفلتان الأمني والفوضى في جميع ميادين الحياة سواء الخدمية أو التربوية والتعلمية أو الثقافية والأدبية أو الصحية أو الأمنية، وحسب متابعة وكالتنا عن كثب لواقع منبج الحالي هناك مناشدات من قبل الأهالي بإخراج المرتزقة بعد الفوضى التي سادت المدينة.
أفادت إحدى نساء مدينة منبج التي فضلت عدم الكشف عن اسمها لأسباب أمنية، عبر تسجيلات صوتية لوكالتنا، بأنهن تعشن حالة مأساوية في ظل سيطرة المرتزقة على المدينة التي كانت تتمتع بأفضل الخدمات من مياه وكهرباء وخبز وفرص عمل تحولت في ظل المرتزقة إلى "مدينة أشباح"، فعندما يحل الظلام لا أحد يستطيع الخروج من منزله أو التجول في المدينة نتيجة حالة الفلتان الأمني حتى الأهالي في منازلهم لا يستطيعون النوم بأمان، كما أنه في حالات المخاض لا يسمح للمرأة بالخروج ليلاً ويتم تأجيلها إلى الصباح، ناهيك النقص في مادة الخبز، وقطع المياه والكهرباء، وارتفاع الأسعار في السوق دون رقابة، وكما تم سرقة جميع مشتقات المحروقات كالمازوت وغيرها وباتت تباع على طرقات بأسعار باهظة حيث بلغ سعر اللتر الواحد 23 ألف ل. س.
وأضافت "إن المرتزقة يهاجمون المنازل تحت مسمى المداهمة ويقومون بسرقة الأهالي دون رادع، مطلين سياراتهم بالتراب كي لا يتعرف عليهم أحد وكل من لديه ثأر أو غاية مع شخص آخر يستغل حالة الفلتان الأمني ويهاجم وينتقم من الشخص الآخر، ناهيك عن تلفيق الحجج للأهالي لاعتقالهم"، وكما تحدثت عن بيت جيرانها الذي تم تحطيم بابه وسرقة كل أثاثه قائلة "تعرض منزل جيراننا للسرقة بذريع أنهم كانوا يتعاملون مع جهات أمنية، رغم أنه لا حقيقة لذلك. لم يستطع أحد منعهم لأنهم مسلحين ويقتلون كل من يعترض عمليات السرقة".
ولفتت إلى أنه "من المستحيل فصائل مسلحة تسرق وتنهب الشعب بإمكانها أن تصبح حكومة تدير البلاد، لأن من يسمى الجولاني الذي أطلق مؤخراً على نفسه أحمد الشرع كان سابقاً مع داعش ومؤخراً أصبح مع هيئة تحرير الشام"، متسائلة "كيف لشخص وفصائل مصنفة على قوائم الإرهاب أن تحكم بلاد؟"، مشيرةً إلى أن حتى العاصمة دمشق تشهد هذه الفوضى حسب أقربائها ولكن لا يضاهي الفوضى التي تشهدها منبج حالياً.
وعن النزاع بين الفصائل المرتزقة، قالت "جميع المرتزقة التابعة للاحتلال التركي هي على شكل مجموعات كل مجموعة لها اسم كـ العمشات، حمزات، وسلطان مراد وسليمان شاه، وأحرار الشام، وكل فصيل لا يعترف بالآخر أي لا يوجد لهم قائد يديرهم وكل منهم يسرق وينهب ويقتل على حدى دون أن يحاسبه أحد، واستغلالاً لهذه الفوضى حتى المدنيين باتوا يسرقون".
وحول المكون الكردي الذي يعتبر جزء رئيسي من النسيج الاجتماعي في منبج، أفادت بأن "هناك تخوف لدى المكون الكردي من تكرار مجزرة كوباني في منبج"، وناشدت قوات سوريا الديمقراطية لتحرير المدينة من المرتزقة لتعود المدينة إلى سابق عهدها "نطالب قسد بمحاربة هؤلاء المرتزقة وطردهم من المدينة لأنهم غير قادرين على إدارة المدينة بهذا الشكل".
وتحدثت مصادر أخرى لوكالتنا حول ما تعيشه مقاطعة منبج المحتلة في ظل سيطرة المرتزقة عليها، مؤكدة بأن مدينة منبج تسودها حالة من الرعب والخوف بعد انتشار حالات السرقة والنهب والقتل، مبينة أن منزل عمها الذي نزح قسراً أثناء احتلال المدينة، تعرض للسرقة أمام أعينهم دون أن يستطيعوا فعل شيء، وهم متخوفين من أن يتعرض منزلهم للسرقة والحرق في حال خروجهم منه، لافتةً إلى أن هذه الانتهاكات تستهدف المكون الكردي أكثر من أي مكون آخر في المدينة.
فيما تطرق المصدر من جانب آخر إلى أن المرتزقة أجبروا الأعضاء السابقين للمؤسسات الخدمية كالبلديات وشركة الكهرباء وكذلك المياه العودة إلى رأس عملهم دون مقابل أو اعتماد مادي، كما تشهد المدينة حالة من انعدام فرص العمل في ظل ظروف الاقتصادية الصعبة، على عكس فترة الإدارة الذاتية التي ساهمت في انخراط كافة فئات المجتمع بالعمل كل منه حسب مستواه العلمي والخبرة والتجربة التي يمتلكها.
وقد أعدت وكالتنا تقريراً عن الاقتصاد المجتمع الذي يعتمد على نظام الجمعيات والأسهم عبر مشاريع خدمية، وأما بالنسبة للنساء فتم اقصائهن من كافة مجالات العمل لما تحمل مرتزقة الاحتلال التركي من ذهنية تحجب دور المرأة وتمنعها من ممارسة أي عمل خارج إطار منزلها.
وعلى الصعيد الثقافي والأدبي تشهد مدينة منبج ركود في الحركة الثقافية والفنية في وقت كانت تعرف بمدينة الشعراء، وقد تم تحطيم مكتبة "منلا غزيل" وحرق جميع الكتب التي كانت تحويها، فبحسب الإحصائية التي اعطتها هيئة الثقافة والفن في مقاطعة منبج بأنها تحوي على 20 ألف رواية وقصة وكتب تاريخية وتنمية بشرية وكتب أدبية وغيرها الكثير من الأصناف، والتي كانت تعتبر مقصد لكافة المثقفين والمثقفات الذين كانوا يستعيرونها، ناهيك عن إقامة ندوات ثقافية وأمسيات شعرية فيها، وأما مركز الثقافة والفن الذي كان يعنى برفع المستوى الثقافي والفني في منبج عبر فرق موسيقية وغنائية ودبكات وفرق المسرح، والفن التشكيلي تم سرقة جميع الآلات الموسيقية، وأدوات الرسم وحرق قاعة مركز الثقافة والفن.
وبالنسبة لقطاع التربية والتعليم توقف الجميع عن الدراسة والعمل كما تم إقصاء جميع المعلمين والمعلمات كل ما دون الشهادة الجامعية، في الوقت الذي كانت توفر الإدارة الذاتية فرص العمل لجميع حاصلي الشهادة الثانوية بعد تأهيلهم في معهد إعداد المعلمين، وكانت الإحصائية الأخيرة التي أصدرتها هيئة التربية والتعليم في المدينة قبل احتلالها لعدد المعلمين 5518 معلم ومعلمة للعام الدراسي 2024-2025، بينما بلغ عدد الطلبة لهذا العام 123625طالب وطالبة.
أما على صعيد الصحي، فوفق مصادر معنية كانت تعمل في المجال الصحة سابقاً أكدت بأنه تم سرقة كافة أجهزة مشفى "الفرات" والذي كان يقدم الخدمات الصحية بالمجان، وكذلك مركز الرعاية الصحية تم تحطيم جميع محتوياتها وسرقتها، وقال المصدر ذاته بأن هناك العديد من الأطباء والطبيبات لم يستأنفوا مهامهم في عيادتهم ولا المشافي نتيجة حالة الفلتان الأمني والتخوف من ممارسة الاحتلال التركي ومرتزقته.
وتداولت مواقع التواصل الاجتماعي على وجه الخصوص الصفحات التابعة للمرتزقة منشورات تفيد بأن على جميع من كان يعمل في الإدارة الذاتية الديمقراطية والأحزاب السياسية والحركات النسائية في المقاطعة سابقاً، عليه أن يسلم نفسه للشرطة العسكرية ليتم تحويله إلى كلس في تركيا للتحقيق معه، ويرجح بأن هذه السياسة التي تنتهجها الدولة التركية ومرتزقتها تسعى لتمرير كل من كان يؤيد مشروع الأمة الديمقراطية للتحقيق من قبل الاستخبارات التركية، بينما الذين لم يتم تسليم أنفسهم يتم مداهمة منزله واعتقاله وإخفائه، وقد أعطت وكالتنا منذ أيام خبر خطف عضوة هلال الأحمر الكردي المعنية بتوفير خدمات صحية بالمجان للأهالي رغم أن ليس لها أي صلة بالتوجهات السياسية.
وبعد حالة الفلتان الأمني التي تشهدها منبج يرغب العديد من الأهالي الخروج من المدينة والتوجه إلى الأماكن الأكثر أماناً، بدورها حاولت الإدارة الذاتية بوساطة أمريكية نقل الأهالي العالقين في منبج إلى أماكن آمنة خلال فترة هدنة، إلا أن الاحتلال التركي لم يستجب واشترط إعادة رفاة سليمان شاه إلى محيط جسر قراقوزاق من الجانب الشرقي لضفة نهر الفرات مع أخذ مساحة كيلو متر ووضع أسلحة ثقيلة وتشكيل قاعدة عسكرية فيها الأمر الذي أعاق نجاح الهدنة وإجلاء المدنيين العاقلين في مقاطعة منبج.