من نينوى إلى الخابور... رحلة 83 عاماً

قالت خنا يونان البالغة من العمر 83 عاماً من قرية تل شاميران، وتعيش في منطقة تل تمر، أنها ولدت على هذه الأرض وستموت عليها.

سوركول شيخو

الحسكة ـ تعرض الشعب الآشوري، عبر التاريخ وحتى اليوم، لانتهاكات وحشية من الإبادة الجماعية والعنصرية من قبل القوى المهيمنة وخاصة الاحتلال التركي.

يعد الشعب الآشوري من بين أقدم الشعوب التي عاشت على أرض ميزوبوتاميا طوروا ثقافتهم وتاريخهم وحافظوا على وجودهم. وصل الآشوريون إلى جولميرك وحتى نينوى في العراق وصولاً إلى سوريا، لكن رحلتهم جوبهت بالحرب دائماً. أحياناً بالسيوف وأحياناً بالمشانق والأسلحة الثقيلة. إنهم يتعرضون للهجوم من جميع الجهات ويراد القضاء عليهم وإزالة جذورهم من العالم. تعيش العديد من العائلات الآشورية في منطقة تل تمر التابعة لمقاطعة الحسكة بشمال وشرق سوريا. خنا يونان البالغة من العمر 83 عاماً هي إحدى النساء اللواتي تعشن في المنطقة.

 

كانت عماد البيت منذ الصغر

عن وطفولتها قالت خنا يونان "تعود أصولنا إلى العراق، لكنني ولدت في قرية تل شاميران. انتقلت إلى قرية تل تمر بعد زواجي، لدي أبنة و4 أبناء أحدهم مريض، الآن أنا وهو فقط نبقى في المنزل. لم أحب المدرسة منذ إن كنت طفلة، وعندما كبرت عملت في زراعة وسقاية القطن لأن والدي مات ولم يكن لدينا أي إخوة، قمت بزرع القمح وقيادة الجرار وحرث الأرض. سابقاً لم تكن توجد حصادات، كنا نستخدم المنجل لحصاد القمح. كنت أحمل مجرفتي على كتفي وأقوم بري المحاصيل حتى المساء. أتذكر أنني بدأت الزراعة منذ إن كان عمري 12 عاماً وكان لدينا الكثير من الأراضي. إنني أحب العمل كثيراً، حتى أنني كنت أحلب 7 أبقار يومياً لجيراني لبيع اللبن والحليب".

 

"رحلة حياتنا شهدت على العديد من المجازر"

قالت خنا يونان إنهم بدأوا رحلتهم من تركيا إلى العراق واستقروا في سوريا "هاجم مرتزقة داعش قرانا عام 2015 وقتل العديد من عائلاتنا، واختطفوا العديد منهم ثم أطلقوا سراحهم. دمروا جميع القرى وفي نفس الوقت فجروا كنائسنا، لا نعرف من أين جاء مرتزقة داعش، فقد أصبحوا وباءً علينا. تعرض الآشوريون في تركيا للهجوم، لذلك توجهوا إلى العراق، لكنهم لم يروا الأمن والاستقرار هناك، لذلك توجهوا إلى سوريا. وهنا أيضاً لم يهنئوا بالأمن، تعرضوا للاعتداءات مرة أخرى. حياتنا مليئة بالمجازر".

 

"إلى جانب السباحة كنت صيادة سمك ماهرة"

وعن ذكرياتها التي ما زالت تتذكرها في شيخوختها تقول "لقد زرعت الأشجار وأنشأت البساتين وزرعت القمح وسقيتها وكنت أقود الجرار، لدي ذكريات كثيرة. كان هناك العديد من الأشجار المختلفة على ضفاف نهر الخابور، أتذكر كيف كانت تتدفق المياه ويصبح كل شيء أخضراً. ولكن الآن تحولت إلى تربة حمراء، لقد جف النهر كثيراً ولم يعد الماء يتدفق على الجانبين. أحياناً كثيرة كانت تفيض المياه وتصل إلى المنازل القريبة من النهر. نحن الآن نتحسر على تلك الأيام. في السابق وبعد أن كنا نتناول الطعام كنا نذهب للسباحة في مياه نهر الخابور، كما أنني كنت اصطاد السمك، لقد كنت صيادة ماهرة وكان لدي 7 صنارات للصيد. اعتدنا أن نحمل المياه إلى المنزل في العبوات على ظهورنا. الآن جف الخابور، فقط بقي التراب الأحمر، عندما ينظر إليه شخص من بعيد، فلن يعرف أن هذا هو نهر الخابور، مكان انبعاث الحياة. ذهبت إلى الخابور مرتين، تذكرت الأيام القديمة، تجولت هناك كثيراً ثم رجعت. لا يوجد شيء يمكننا القيام به، فقد جف النهر الآن".

 

"سأبقى هنا"

ولفتت خنا يونان الانتباه إلى الهجرة للخارج وقالت "حتى لو قتلوني هنا فلن أغادر البلاد ولن أغادر سوريا. حتى لو سافرت للخارج لا أعرف اللغة، المجتمع هناك أيضاً غريب. ما الذي سنستفيد منه، على الأقل لدينا علاقات اجتماعية هنا. هناك حتى الأقارب لا يتواصلون أو يلتقون بعضهم البعض. وجودي هنا يكفيني. أنا أعيش هنا، وسأبقى هنا".