مخاوف من استبدال التعنيف الجسدي باللفظي
مع موجة الغضب والاستنكار لتعنيف الطلبة في المدارس وترافق ذلك من عقوبات سريعة لوزارة التربية والجهات المختصة للمخالفات والمخطئين من الكوادر التدريسية تأتي موجه أخرى تحمل مخاوف من استبدال العنف الجسدي باللفظي
غفران الراضي
بغداد ـ .
تقول (ص.م) طالبة جامعية أنها عاشت طفولة صعبة في الدراسة الابتدائية بسبب التنمر والعنف اللفظي من المعلمة "أصعب ماكنت أواجهه هو عدم قدرتي على إثبات ما أعانيه من عنف لفظي كونه لا يترك أثراً على الجسد بل يؤذي الروح".
وتؤكد أن العنف اللفظي متداول وطبيعي في بعض المناطق الشعبية والفقيرة وقد يمارس الاباء هذا العنف بكل سلامة فيصنعوا جيل جديد يستخدم العنف اللفظي والكلام السلبي ضد الآخرين. وتتذكر جانباً من معاناتها وهي تحدثنا عن رهبتها من مادة الرياضيات بسبب كلمة ترددها المعلمة تؤكد بها للطلبة أنه لا أحد يستطيع أن يحل الأسئلة في امتحانات آخر السنة مع وصفهم بالأغبياء فظلت لعدة سنوات تؤجل امتحان آخر السنة لمادة الرياضيات للدورة الثانية من شدة الخوف.
وتجد أن متابعة الأهل مهمة حيث أنها استطاعت التخلص من هذا الكابوس بعد أن شعر والدها أن هناك أمراً غير طبيعي في خوفها من مادة الرياضيات ونقلها إلى مدرسة أخرى استطاعت من خلالها أن تتخلص من شعور الخوف والرهبة لتصبح محبة لدروس الرياضيات وتتابع المراحل الدراسية اللاحقة بيسر شديد.
وتؤكد أن ما حصل من رفض مجتمعي للتعنيف الجسدي للطلبة لا يجب أن يتحول إلى تعنيف لفظي غير محسوس فعلياً لكن يؤدي إلى أذى عميق في نفس الطفل وتفاعله مع المدرسة.
أما (ز.ع) وهي أم لطفلين في مرحلة الدراسة المتوسطة تحدثت لنا عن نفور ابنها الأكبر من الدراسة بسبب التنمر المستمر من المدرس والتلاميذ على مظهره الخارجي بسبب السمنة "حالة نفسية صعبة وانعزال وعدم الرغبة للذهاب للمدرسة كل ذلك أصاب ابني البالغ من العمر ١٣ عاماً بسبب التنمر والإساءة بكلمات غير محببة من قبل الاستاذ مما جعل زملائه يتشجعون لفعل ذلك".
وتضيف عن الطريقة الغير تربوية بالتعامل من قبل المدرس "إذا كان ابني مخطئاً أو مستواه الدراسي سيئ كان الأجدر أن يتم استخدام طريقة تربوية إنسانية في العقاب أو التوبيخ فليس من الإنسانية محاولة التنمر عليه خاصة وهو سن المراهقة".
وتؤكد أن الأذى النفسي له عواقب وخيمة على الطفل والشاب في مرحلة المراهقة لذلك قدمت شكوى للإرشاد التربوي وطلبت محاسبة المدرس وفق الآليات القانونية، وكان للتربويين والمختصين في مجال التربية النفسية دور في مناقشة الظاهرة ورفض الإساءة الشخصية والجماعية الشاملة من قبل المعلم اتجاه التلاميذ.
وفي لقاء لوكالتنا أكدت التربوية والمختصة النفسية زينة حسين أن الأذى النفسي له تأثيرات سلبية على الشخص أكثر من الأذى الجسدي "يتبرمج الإنسان خارجياً مع ما يسمعه من كلام موجه إليه فأي صفة سيئة أو لقب خادش للروح يتعرض له الطفل سواء كان في الروضة أو المرحلة الابتدائية أو عند بلوغه سن المراهقة سيترك لديه أثر سيء عميق يسيطر على رؤيته لمستقبله ونحاجه".
وتؤكد أن القضية لا تتعلق بمهاجمة الكوادر التدريسية والتربوية "لا توجد هجمة مقصودة ضد الكوادر التربوية بل على العكس هناك أساتذة وتربويين ومعلمين لهم بصمة إيجابية في حياة الطلبة، أسسوا لجيل واعي ومؤثر لكن ما يحصل هو رفض للعنف الذي بدأ يحط رحاله في حياة الطلبة وخاصة الأطفال منهم بسبب بعض الكوادر التدريسية".
وتضيف زينة حسين "ما يقلقنا كتربويين وأخصائيين نفسيين هو استبدال العنف الجسدي باللفظي لتصبح الأمور أكثر صعوبة وتأثير على مستقبل الطلبة خاصة بوجود بعض المعلمين الذين يعتبرون دورهم التربوي هو مجرد وظيفة لتقاضي راتب ولا يفكرون بأسلوبهم في التعاطي مع الطلبة".
وباعتبارها تربوية تحدثنا زينة حسين عن حالات شاهدت بها طلبة يتعرضون للظلم بطريقة التعامل ولا يستطيعون أن يردوا الظلم عن أنفسهم مما دفعها للتدخل من أجل أبعاد شبح التأثير النفسي عن الطالب".
من جانب آخر تجد أن طريقة الانتقاد اللاذعة أيضاً لها عواقب سيئة على سلوك الطالب وتواصله مع المجتمع، وتعتقد أن الكوادر التدريسية بحاجة إلى دورات تدريبية وتثقيفية تعزز الجانب النفسي للمعلم وتجعله قادر على التعامل بطريقة إيجابية مع الطلبة وقدرة المعلم على استيعاب الطالب وكسبه لإن وظيفة المعلم الأساسية بحسب قولها هي خلق إنسان سوي وفاعل في المجتمع.
وفي الختام تؤكد زينة حسين أن الأهم هو العمل على بناء الشخصية السوية منذ الطفولة من خلال التحفيز الإيجابي ليأخذ الإنسان فكرة جيدة عن نفسه تدفعه للسلوك السوي مع المحيط، وعلى المعلم معرفة أهمية دوره في بناء الأجيال.