محرقة الخيام... شهادة على العنف الإسرائيلي ضد النازحين
في مشهد مروّع، تحوّلت خيام النازحين في غزة إلى رماد بفعل القصف الإسرائيلي، مما أدى إلى سقوط ضحايا من النساء والأطفال وسط صمت دولي مخزٍ.
نغم كراجة
غزة ـ في واحدة من أشد الهجمات دموية على المدنيين في غزة، حولت الغارات الإسرائيلية مخيمات النازحين في ساحة مستشفى شهداء الأقصى بغزة إلى ساحة النار والموت، على إثر احتراق 25 خيمة تأوي نساء وأطفال، ليواجه السكان مأساة أخرى تضاف إلى قائمة طويلة من المجازر التي باتت غزة شاهدة عليها.
لم تتوقف النيران عند تدمير الخيام فحسب في ساحة مستشفى شهداء الأقصى، بل امتدت لتحرق كل مظاهر الحياة، بينما وقف العالم متفرجاً على معاناة مستمرة دون أي تدخل يذكر، حيث أوضحت صافيناز اللوح شاهدة على المحرقة، أثناء أدائها لواجبها الصحفي من داخل المستشفى التي تأوي مئات النازحين، سمعت دوياً جراء غارة جوية استهدفت المخيم القريب من المستشفى، كانت في إحدى الخيام أسطوانة غاز انفجرت فور قصف الخيمة مسببةً حريقاً هائلاً امتد بسرعة كبيرة إلى الخيام المجاورة، لتبتلع نيرانها العائلات المكلومة.
وبينت أن الحريق كان شديداً للغاية، لدرجة أن طواقم الدفاع المدني واجهت صعوبات جمة في إخماده، مما أدى إلى احتراق الجثث أمام أعينهم، وهم عاجزون عن إنقاذ المصابين وانتشال الجثث من تحت الأنقاض، "كان مشهداً يصعب تصوره، رأيت أماً وطفلها داخل إحدى الخيام التي اشتعلت، لقد احترقا أمام أعيننا، ولم نستطع فعل شيء سوى مشاهدة هذا المشهد المرعب"، كلمات صافيناز اللوح هذه تلخص الكارثة الإنسانية التي شهدتها، والتي كانت مجرد حلقة في سلسلة من الهجمات الوحشية التي تستهدف المدنيين العزل بشكل ممنهج، أمام صمت دولي مخزٍ.
لم تقتصر مأساة تلك الليلة على المدنيين فقط؛ حيث قالت "تعرضت لإصابات جسدية أثناء تغطيتي للحدث، أصبت بحروق في يدي اليسرى بسبب اقترابي من الحريق الهائل بموجب عملي وسط المستشفى المزدحم بالنازحين، حيث كنت أقدم تغطية فورية للقصف المروع"، ورغم الألم الشديد الذي عانته، فإن تلك الإصابة لم تمنعها من مواصلة عملها، "تحملت الألم من أجل إظهار الصورة الحقيقية للميدان، كان عليّ أن أواصل عملي مهما كانت الصعوبات".
وما زاد الأمر سوءاً أن حذاءها تمزق أثناء محاولة الهرب من الدخان الكثيف والنيران المتزايدة، مما اضطرها للسير حافية القدمين لأكثر من نصف ساعة لتغطية المجزرة، ونتيجة لذلك تعرضت قدمها لحروق إضافية، لكن عزيمتها لم تضعف "كان من الضروري أن أكون هناك، لأن العالم يجب أن يعرف ما يحدث لنا هنا، الألم لا يساوي شيئاً أمام حجم الألم الذي تعانيه العوائل".
خلال تلك التغطية، تعرضت صافيناز اللوح أيضاً لاختناق شديد بسبب كثافة الدخان الناتج عن الحريق، مما أدى إلى إغمائها لفترة وجيزة، وتم إسعافها داخل المستشفى، ورغم كل هذه الصعوبات بقيت تؤدي مهمتها كصحفية تنقل الحقيقة، حتى في أحلك اللحظات وأكثرها ألماً.
كان من بين الضحايا امرأة وطفلها الذين لقوا حتفهم داخل إحدى الخيام التي اشتعلت بالكامل، ووصفت كيف كانت النيران تلتهم الخيام بسرعة هائلة، فيما عجزت طواقم الإنقاذ عن التدخل الفوري بسبب ضراوة الحريق وصعوبة الوصول إلى المكان في ظل استمرار القصف الإسرائيلي.
العديد من الجثث التي انتشلت كانت متفحمة، مما جعل عملية التعرف على الضحايا أمراً شبه مستحيل، مضيفةً "أكثر ما يؤلم في هذه المأساة أن بعض العائلات دُفنت دون حتى أن يتم التعرف على هويات أفرادها، لقد احترقت الأجساد إلى درجة أن ملامحها اختفت تماماً".
المشهد الذي رأته ليس الأول من نوعه، وفي حديثها أكدت أن مثل هذه الهجمات الوحشية قد تكررت مراراً وتكراراً في مناطق عدة، حيث يتم استهداف المخيمات المكتظة بالنازحين دون إنذار مسبق، ما يجعل من الصعب تصديق أن هذا العالم الذي يتشدق بالدفاع عن حقوق الإنسان لكنه يقف متفرجاً على مثل هذه الجرائم.
وتسرد أن هذه المحرقة ليست الأولى من نوعها، مشيرةً إلى أن هذا النوع من الجرائم يحدث باستمرار في غزة منذ ما يزيد عن عام كامل، "نحن هنا، نعيش في جحيم مستمر، القتل والدمار لا يتوقفان، ونحن نصرخ لكن العالم لا يسمع، في كل مرة يحدث فيها شيء كهذا نأمل أن تتحرك الإنسانية، لكن الرد يكون دائماً الصمت".
وتصف صافيناز اللوح الصمت الدولي تجاه ما يحدث في غزة "بالتواطؤ"، وبالنسبة لها هذا الصمت يشبه الجريمة ذاتها، لأن تجاهل المعاناة المستمرة يعزز الشعور بالعزلة والخذلان "العالم يتحدث عن حقوق الإنسان، عن العدل، لكن عندما يتعلق الأمر بفلسطين يبدو أن هذه القيم تتلاشى، نحن نقتل ونحترق، ولا أحد يتحرك، هل هذه هي العدالة؟" .
على الرغم من الدمار الذي عاينته والعذاب الذي يعانيه أهل غزة يومياً، فإنها ما زالت متمسكة بأملٍ ضئيل، وترى أن دورها كصحفية لا يقتصر على نقل الأحداث، بل يشمل توثيق الجرائم التي تُرتكب بحق المدنيين، أملاً في أن يصل الصوت المضطهد إلى كل زاوية في العالم، "قد تكون حياتنا محروقة مثل تلك الخيام، لكننا ما زلنا نقف، هذا الحريق لن يكسر إرادتنا، وسنواصل الكفاح حتى نرى العدالة، ويعود لنا حقنا في العيش بكرامة وسلام".
تعد شهادة صافيناز اللوح صوتاً من بين آلاف الأصوات الفلسطينية التي تحمل الألم والأمل معاً، هذا الصوت الذي يأبى الانكسار رغم القصف والحصار، ويظل شاهداً على وحشية آلة الحرب، وعلى الصمت الدولي المريب تجاه جرائم ترتكب يومياً أمام أعين العالم.