محاربات السرطان يلتقطن أنفاسهن من جديد
للوهلة الأولى قد يظن الناظر لتلك النساء أنهن أصحاء لا يعانين من أي أمراض، فابتسامتهن العريضة التي تعلوا وجوههن تدل على مدى راحتهن الصحية والنفسية، لكن ما أن تبدأ بسماع قصصهن تتأكد أنهن محاربات قويات خاضوا عدة جولات مع مرض السرطان لينتصرن عليه في النهاية
رفيف اسليم
غزة ـ .
اهتمت وكالتنا بالوصول إلى تلك النساء لسماع تجاربهن ولتتحدثن عن المراحل التي مررن بها ليستطعن متابعة حياتهن من جديد.
تقول صابرين النجار البالغة من العمر (43) عاماً، أنها أصيبت بالسرطان لأول مرة في عام 1994، وقد تمكن المرض منها حتى عظمة الفخذ، موضحةً أنها في ذلك الوقت كانت لا تزال في الثالثة عشر من عمرها فلم تكن تعرف ما هو السرطان أو كيف سيتم معالجته ليتولى والديها دعمها ومشاركتها في رحلتها العلاجية في مصر لعدم تمكن الأطباء في غزة من تتبع حالتها.
تفتقد صابرين النجار والدها كثيراً بعد موته كما تقول، فقد كان له الأثر الأكبر في حياتها لأنه لم يشعرها يوماً أنها مريضة على عكس بقية أفراد عائلتها، مشيرةً إلى أن معرفتها إصابتها بسرطان الثدي حديثاً كان محض الصدفة، ففي الوقت الذي كانت تجري بعض الفحوصات الروتينية للتأكد من أنها على ما يرام باغتها الطبيب ليطلب منها الانتظار حتى 5 دقائق أخرى قبل مغادرة المشفى.
كانت تلك الدقائق طويلة عليها فقد تأكدت عند تأخر الطبيب أن هناك مشكلة، ربما كان من الصعب عليه أن يخبرها إضافة لمرض الكبد الوبائي الذي يرافقها قبل إصابتها بالسرطان بسنوات، أنها مصابة بسرطان الثدي وبحاجة لاستئصاله من خلال عملية، مشيرةً أنها تداركت الأمر بصدر رحب فلم تحزن بل كان أول ما نطقت به "متى ستبدأ جلسات العلاج"، لتنتصر في النهاية على المرض كما في المرة الأولى.
لم تأخذ صابرين النجار العلاج الكيماوي بسبب حالتها الصحية الخاصة، بل اكتفت بالعلاج الهرموني لكنها عانت حسب حديثها لنا من عدم توافر الأدوية، وتأخر تصريح العلاج للخارج كغيرها من مريضات السرطان في قطاع غزة، مثمنةً دور جمعية "العون والأمل" التي عرفت بوجودها في عام 2018، لتواصلها مع المريضات، وإرسال العلاج لهن للمنزل خاصةً خلال فترة انتشار جائحة كورونا في القطاع.
ويضطر آلاف المرضى الفلسطينيين للتوجه نحو المستشفيات في مصر أو القدس أو الضفة الغربية، عبر معبر بيت حانون (إيريز) أو معبر رفح، بعد حصولهم على تحويلة طبية تصدرها دائرة العلاج بالخارج التابعة لوزارة الصحة الفلسطينية في رام الله، ويجري على أساسها الترتيب بين الجهات المعنية بالأمر.
فيما لم تكن اكتشاف حالة نادية الشاعر (50) عاماً محض الصدفة، فتقول إنها تداركت الأمر بعد ظهور عدد من الأعراض الدالة على وجود سرطان الثدي كتغير لونه وشكله ونزول الدماء، مما أثار قلقها لتتوجه إلى أقرب مشفى، وأشارت إلى أنه بعد أن شاهد الأطباء نتيجة الخزعة نفوا أن تكون مصابة بالسرطان، وأكدوا أنها مجرد التهابات ستزول مع الأدوية وقد تحتاج لعملية جراحية وبالرغم من أنها لم تقتنع إلا أنها اضطرت للانصياع إلى أوامرهم.
وأشارت إلى أن الأدوية والعملية لم يفوا بالغرض بل استمرت حالتها بالتفاقم، مما دفعها لإجراء الفحوصات مرة أخرى وعرضها على الأطباء ليقروا بعد عدة شهور أنها مريضة سرطان في المرحلة الثالثة، ويجب أن تخضع لعملية استئصال فورية، منوهةً إلى أن تلك الأخطاء الطبية سواء بالتشخيص أو بإجراء عملية لا فائدة لها أدخلتها في حالة مزاجية سيئة فلم تتقبل أنها مريضة كما لم تستوعب أن عليها الاستعداد لبدء جلسات الكيماوي.
"جلسات الكيماوي" تقولها نادية الشاعر بحسرة وهي تؤكد أن تلك الجلسات هي أصعب مراحل المرض، لافتةً إلى أنه بعد تلقيها لعدد من الجلسات بدأ شعرها بالسقوط كما بدأت ملامح وجهها تبدو أكبر سناً، مما أدخلها بحالة من العزلة جعلتها غير قادرة على رؤية أبنائها أو الحديث مع أي شخص آخر، مشيرةً إلى أن عزلتها تلك استمرت طويلاً ظناً منها أنها تنتظر الموت، ففضلت أن تستقبله وحدها خاصةً أن والدها قد توفي بالسرطان أيضاً.
إلا أن عائلتها أصرت على إخراجها من الوضع المأساوي الذي فرضته على نفسها، فبقي زوجها وأبنائها السبعة بجانبها حتى اقتنعت بأن تكمل علاجاها بالخارج لعدم قدرة المشافي في قطاع غزة على استيعابها على حد قولها، مضيفةً أن عدم توافر الأدوية وتصاريح العلاج أكثر ما تعاني منه مريضات السرطان بغزة، خاصةً أن وزارة الصحة الفلسطينية لا تستطيع دوماً توفير ما يلزم فتضطر المريضة لشرائها بنفسها.
وكانت وزارة الصحة الفلسطينية أكدت أن نحو 50 ـ 60% من مرضى السرطان يحتاجون للعلاج خارج القطاع، خاصةً لتلقي العلاج الإشعاعي والكيماوي والمسح الذري غير المتوفر في غزة، عدا عن الأدوية الأخرى.
اليوم وبعد أن أنهت علاجها، تقف نادية الشاعر أمام المريضات لتروي قصتها بشجاعة وكيف تخطت أصعب الأمور لتكون العون لغيرها، مشاركةً في معظم الفعاليات التي تقيمها المؤسسات سواءً ضمن شهر أكتوبر الوردي أو غيره من الأيام، موقنةً أن كل ما كانت تظنه حول مرضها مجرد وهم أقنعت نفسها بها وأن الحياة تستحق أن يحارب الإنسان من أجلها ليستمر من جديد مع عائلته وأحبائه.
بينما مروة الخالدي (28) عاماً، لم تتوقع أن تصاب بذلك المرض الذي أفسد فرحتها بمولودها الذي لم يكمل بضعة أشهر، مشيرةً إلى أن بعض الكتل التي بدأت تظهر لديها جعلتها تشك في الأمر لتذهب إلى المشفى وتظهر نتائج الفحص أنها مصابة بسرطان الثدي، لكن كان كل ما يشغل تفكيرها كيف ستخبر عائلتها بالخبر ومن سيعتني بطفلها إلى أن تنتهي فترة علاجها.
وأضافت أن عائلتها التي تقبلت الأمر ودعمتها، قررت أن تتولى مهمة الاعتناء بالطفل خاصةً خالاته اللواتي لم يتركنه للحظة حتى تطمئن وتذهب لتلقي العلاج، ملفتةً أن جلسات الكيماوي كان الأمر الأصعب فعندما تخطتها فرحت كثيراً لأنها تخلصت من حالة الهزل الشديدة التي ترافق المريضة كما استعادت ثقتها بنفسها، وتابعت من جديد الاعتناء بطفلها وعائلتها لتطوي تلك الصفحة من كتاب حياتها.
وبحسب تقرير وزارة الصحة الفلسطينية "إحصائيات مرضى السرطان في قطاع غزة"، فقد بلغت نسبة إصابة النساء بالسرطان في قطاع غزة (54%)، منهن 32.8% مصابات بسرطان الثدي، 11.7% مصابات بسرطان القولون، أما النساء المصابات بسرطان نخاع العظم فبلغت نسبتهن 7.5%، ونسبة المصابات بسرطان الغدة اللمفاوية بلغت 6.8%.