محامية مغربية: التزام الصمت السبب في استفحال ظاهرة العنف في المجتمع
تدافع المحاميات والحقوقيات في المغرب عن النساء المعنفات جسدياً وجنسياً وتكافحن من أجل القضاء على التمييز الممارس بحقهن، وتعملن على توعية المرأة لتكن قادرات على كسر حاجز الخوف والصمت.
حنان حارت
المغرب ـ لا يزال العنف بكافة أشكاله ضد النساء والفتيات مستمراً في المغرب، وهو ما تحاربه المحاميات والحقوقيات اللواتي تؤكدن على أن عرقلة تطبيق معظم القوانين التي تنصف المرأة المعنفة يعود بالمقام الأول للذهنية الذكورية المسؤولة عن تنفيذها، مشددات على أن التزام الصمت هو ما يجعل الظاهرة تستفحل في المجتمع.
باتت المحامية المغربية كريمة سلامة مقصداً للنساء والفتيات ضحايا العنف الجسدي والجنسي، حيث أصبح الدفاع عن هذه الفئة من المجتمع يعتبر من التابوهات.
عن مدى إدراكها لأهمية الدفاع عن حقوق النساء قالت المحامية كريمة سلامة "منذ نعومة أظافري، وأنا أطمح للعمل في مهنة المحاماة فمن وجهة نظري تعد أكثر مهنة ستعطيني الحق الكافي للدفاع عن النساء المعنفات وحقوقهن، وعلى هذا الأساس أخذ مسار دراستي هذا الاتجاه وتخصصت في قسم القانون تحديداً، وتمكنت من ولوج المحاماة على مستوى هيئة الدار البيضاء".
وتعرض عدد من الأشخاص من بينهم نساء في محيطها لاعتداءات جنسية كان السبب في اختيارها الدفاع عن النساء المعنفات وحقوقهن والذي يعتبر من التابوهات في المغرب، وهو الأمر الذي لفت انتباهها إلى ضرورة معرفة المزيد عن القوانين التي تمكنها من الدفاع عن ضحايا الاعتداءات الجنسية وكذلك الجسدية، "للأسف تمكن الجناة في ذلك الوقت الإفلات من العقاب لأن الضحايا لم تتمكن من الوصول إلى المحاكم، بالإضافة لعدم إدراكهن الحقوق والواجبات التي يمكن أن يقدمها لهن القانون من أجل الدفاع عن أنفسهن تجاه أي اعتداء مهما كان شكله أو نوعه".
وحول مدى قدرة وكفاءة النساء للدفاع عن قضاياهن بمفردهن أكدت أن "مدى إيمان المرأة بقضيتها فمهما كان هو الدافع الأول والأقوى، لكن المحامية تتميز بإلمامها بالمساطر القانونية التي تكفل حقوق المرأة المعنفة، بشكل عام وانطلاقا من تجربتي وكجمعية لحماية حقوق الضحايا التي تضم محاميات ومحامون، هناك أيضاً نساء من المجتمع المدني تدافعن عن حقوقهن وحقوق باقي النساء بقوة، لكن يبقى للمحامية قدراتها التقنية التي تمتاز بها كامرأة تدافع عن غيرها بحكم اختصاصها".
وعن انضمامها إلى الجمعية المغربية للدفاع عن حقوق الضحايا التي تأسست عام 2021، وتضم مجموعة من المحاميين/ت والناشطين/ت في المجتمع المدني، تقول "تأسيس إطار قانوني للدفاع عن الضحايا، ولاسيما ضحايا الاعتداءات الجنسية بالمغرب، يهدف بالمقام الأول إلى خلق درع حقوقي مجتمعي لمحاربة هذه الممارسة الإجرامية، وأصبحنا نحقق نتائج أكثر ونناضل بشكل أكبر من أجل دعم حقوق ضحايا الجريمة بكافة أشكالها وفقاً لما أقرته الاتفاقيات الدولية والمرتكزات الدستورية في البلاد، كما تهدف الجمعية إلى الدفاع عن حقوق الأطفال وكل الفئات المهمشة في المجتمع، وتسعى إلى إيصال صوت الضحايا من كلا الجنسين إلى الجهات المعنية ومؤازرتهم ودعمهم قانونياً ونفسياً وصحياً واجتماعياً، ومناهضة الإفلات من العقاب التي كانت نتيجة شبه حتمية لكثير من قضايا النساء المعنفات".
وخلال حديثها تطرقت لعدد من قضايا العنف التي تكفلت الجمعية الدفاع عن ضحاياها مثل قضية الفتاة القاصر التي تعرضت للاغتصاب العام الماضي وكذلك قضايا "الجنس مقابل النقط" التي انتشرت في عدد من الجامعات المغربية في السنوات القليلة الماضية، لافتةً إلى أن توجه الجمعية في الدفاع عن هذا النوع من الضحايا تحديداً لكون المرأة التي تتعرض للاعتداء الجنسي أو الجسدي في مجتمعنا لا تستطيع مواجهته أو وضع حدٍ له أو الإفصاح عنه بسبب الاعتبارات الثقافية وأعراف المجتمع، فالضحية تجد نفسها محاصرة بالاتهامات كما يتم تحميلها المسؤولية الكاملة خلف تعرضها للعنف.
وأكدت كريمة سلامة "المرأة المعنفة جنسياً على وجه الخصوص لا زالت مضطهدة بشكل كبير، إذ ينظر لها المجتمع بنظرة دونية ويفضل وضعها في قفص الاتهام بدلاً من النظر إليها على أنها ضحية جريمة هي بغنى عن سببها أو تبعياتها، في الوقت ذاته المجتمع عينه يمنح الجناة التبريرات الأمر الذي يدفعهم للاستمرار في فعل مثل هذه الجرائم دون خوف".
وأشارت إلى أن الجمعية من خلال تبنيها مختلف قضايا النساء المعنفات والدفاع عنهن في المحاكم، تمكنت من كسر حاجز الصمت والخوف لدى الكثير منهن، وهو الأمر الذي خفض من وتيرة التحرش الجنسي كما حدث في كثير من الجامعات في البلاد".
كما ذكرت أن هناك العديد من العاملات في مجالات مختلفة منها التمريض تعرضن للاعتداءات الجنسية في فضاء العمل، وخوفاً من فقدان عملهن لم يكن بمقدورهن البوح بما تتعرضن له، ولكن اليوم مع النجاح الذي حققته المحاميات في الدفاع عن النساء المعنفات وتحصيل حقوقهن، استطعن تبني قضاياهن وتحقيق نتائج إيجابية وملموسة.
وفي حديثها عن إشكاليات تطبيق قانون مناهضة العنف ضد النساء 13/103 الذي دخل حيز التنفيذ عام 2018 "هذا القانون أُقر من أجل تسليط الضوء على النساء المعنفات وإعطائهن ضمانات قانونية في الوقاية والحماية وعدم إفلات الجاني من العقاب والتكفل الجيد بالضحايا، لكن المشكلة التي تواجه أغلب القوانين في المغرب هي الذهنية المسؤولة عن تطبيق هذه القوانين، فعلا سبيل المثال هناك ملف لطفلة تعرضت للاغتصاب وفضل كل من حولها التستر على هذه الجريمة بحجة الخوف من الفضيحة إلى حين ثبت حملها فاضطر ذويها اللجوء إلى القضاء كون عمليات الإجهاض ممنوعة في البلاد، وقد كانت الأحكام الصادرة ابتدائياً مخففة جداً ولا تعطي الضحايا حقها وكأنها تمنح الجناة البراءة مع العلم أن القانون ينص على أن العقوبة في حالات هتك العرض المقرون بافتضاض البكارة والناتج عنه حمل تصل إلى 30 عاماً، وبالتالي هذا القانون موجود ولكن لا يتم تنفيذه".
وأكدت كريمة سلامة أن "عرقلة تطبيق معظم القوانين التي تنصف المرأة المعنفة يعود بالمقام الأول للذهنية الذكورية المسؤولة عن تنفيذها، فيمكننا القول إن التبريرات التي أطلقت بحق الجناة كانت على حساب طفلة ضاعت طفولتها لتصبح أماً لطفل بدون نسب وبدون هوية وسيكون معنفاً نفسياً، لأنه عندما يكبر بالتأكيد سيدرك أنه كان نتيجة جريمة ارتكبت بحق والدته، هذه الجريمة لم ترتكب بحق الفتاة فقط بل أيضاً بحق طفلها".
وفي ختام حديثها قالت "رسالتي أوجهها إلى النساء في المغرب خصوصاً والعالم عموماً ومنهن المعنفات بكل الأشكال لا ترضخن للصمت بدل المطالبة بحقوقكن، فأنا أؤكد لكن أنكن ستنلنها إذا استخدمتن قوة القانون مع الإصرار، عليكن امتلاك الإرادة الكافية للتوجه إلى الجهات المعنية والمؤسسات المختصة للحصول على الدعم والمساندة، فالسكوت هو ما يجعل الظاهرة تستفحل في مجتمعاتنا".