معاناة لا تنتهي وفقدان مستمر تواجهه الفلسطينيات في قطاع غزة

الفقدان، الحصار، وصعوبة التأقلم، أوجاع تتكبدها المرأة الفلسطينية في مشهد يومي جراء الحرب المستمرة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي.

نغم كراجة

غزة ـ في بقعة لا تتجاوز مساحتها 360 كم مربع، حيث تستمر الحرب منذ عشرة أشهر دون رادع للإبادة الجماعية والحصار الشامل، وتعيش الفلسطينيات حياة تتراوح بين الألم والصمود، فقدان الأحبة، الاعتقال، الدمار، والحصار، كلها معاناة يومية يواجهنها وحدهن، وجسدت شاهيناز مناع التي فقدت أحد أبنائها واعتقل الآخر صورة المرأة الفلسطينية التي تضحي بكل ما تملك في الحروب.

 

الصدمة الأولى فقدان الابن في لحظة

تروي شاهيناز مناع بنبرة حزن واستفهام قصتها قائلة "في أحد أيام آذار الماضي طلب مني ابني أن أجلس مكانه في دكانه الصغير كي يذهب لجلب بعض الهدايا ليبيعها في يوم عيد الأم، قمت بالجلوس مكانه وانتظرته ساعات طويلة ولم يعد، شعرت بأن هناك أمراً سيء قد حدث وإحساس الأم لا يخيب أبداً، كانت هذه آخر مرة خاطفة رأيته بها".

مرت الساعات ببطء، وانتظرته بقلق، وبعدما نفد صبرها، بدأت تسأل عنه هنا وهناك، لتكتشف الحقيقة المروعة بعد فوات الأوان "الجميع يعلم أنه مات إلا أنا، قد أخبروني بنبأ مقتله وهم يحملون نعشه المملوء بالدم"، تقول وهي تحاول أن تكتم دموعها، أنها لم تكن تعرف ما جرى في تلك الساعات المصيرية، لكن ما علمته بعد ذلك كان كافياً لتحطيم قلبها وتوليد ذكرى قاسية حتى النفس الأخير لها، ابنها لم يعد إليها، بل عاد محمولاً على الأكتاف، مغلقاً عينيه إلى الأبد بسبب استهدافه بصاروخ غادر حينما توجه باحثاً عن لقمة عيشه التي بات من المستحيل الحصول عليها في هذه الحرب القاسية.

وأوضحت "عاد بعد ذلك محملاً على الأكتاف لا أعرف ما الذي جرى، حتى أنني لم أتمكن من وداعه للمرة الأخيرة، رأيت الجيران يحملون نعشه لدفنه مباشرة دون منحي لحظة الوداع خوفاً من الوضع الأمني المتدهور الذي لم يهمني بعد فقدان ابني".

 

الألم مستمر واعتقال الابن الآخر

لم تقتصر مأساة شاهيناز مناع على فقدان ابنها الأول، بل تضاعف ألمها مع اعتقال ابنها الآخر دون معرفة السبب والمصير "اعتقل ابني الآخر دون معرفة سبب اعتقاله ومحكوميته ومكان تواجده"، الاعتقال لم يكن مجرد حادثة عابرة في حياة هذه الأم، بل كان مصدر ألم مستمر يثقل قلبها وروحها، وبحزن عميق تعبر عن حال النساء بنبرة تفيض بالأسى "الأم الفلسطينية تنجب وتربي طيلة عمرها وفي غضون ثواني تحرم من أبنائها، لا ألم يعلو على ألم الفلسطينيات".

 

ذكريات مؤلمة والآلام لا تنتهي

مع كل لحظة تمر، تعيش حالة يرثى لها، تجتر ذكرياتها وتبكي بحرقة من كثرة المرار والويلات التي ذاقتها "أصبحت أبكي بين دقيقة وأخرى، وبدأت أفقد ذاكرتي التي تعج بأحداث وتفاصيل مؤلمة، لا يمكنني أن أصدق ما حدث، لماذا كان علينا أن نتحمل كل هذا آلم؟، ما الذنب الذي اقترفناه كي نعيش فاقدات ومكلومات؟"، تقول وهي تنظر إلى الماضي بعيون دامعة.

ذكريات فقدان ابنها وألم الاعتقال لم تترك لها مجالاً للراحة، بل باتت تلاحقها في كل لحظة، محطمة روحها ومستنزفة قوتها، لكن رغم كل هذا، بقيت شاهيناز مناع صامدة، تتحدى الألم بصبر وعزيمة نادرة يعجز عن وصفها وينحني لها نساء العالم.

 

حياة في العزلة معاناة بلا نهاية

تقطن شاهيناز مناع في منطقة نائية تفتقر إلى الخدمات الأساسية والإمدادات الضرورية، بعد أن دُمر منزلها في شمال غزة جراء الحرب المستمرة، وجدت نفسها مجبرة على الإقامة في غرفة صغيرة بالكاد تقيها من العوامل الجوية والحشرات هذه الزاوية الضيقة والمتهالكة، أصبحت ملاذها الوحيد بعد فقدان كل ما تملك، وهي تعيش في ظروف لا ترقى للعيش، محاطة بأطلال منزلها السابق الذي كان يوماً ما مأوى آمن لها ولعائلتها.

وفي ظل عدم وجود معيل لها، تعيش وحيدة في مواجهة صعوبات الحياة اليومية، فقدان زوجها وأبنائها تركها بدون دعم أو سند، لم يكن لديها خيار سوى الاعتماد على نفسها لتأمين قوت يومها، ومع استمرار الحرب، تزداد الأمور سوءاً، حيث تتقطع الإمدادات الأساسية وتزداد الحياة قسوة.

وكيلا تمد يدها طلباً للمساعدة، قررت شاهيناز مناع بيع الماء البارد للمارة "لا أريد أن أكون عبئاً على أحد، فأبيع المياه؛ لأستطيع شراء ما أحتاجه، نكافح للبقاء على قيد الحياة في واقع مرير لا يرحم".

 

الحرب المستمرة أثر لا يُمحى على النساء

ولا تقتصر المعاناة على شاهيناز مناع وحدها، بل تتجسد في آلاف القصص المشابهة التي تعيشها الأمهات والزوجات والأخوات في غزة، فالحرب المستمرة منذ عشرة أشهر لم تترك بيتاً إلا وتركت فيه جرحاً، ولم تترك قلباً إلا وملأته بالحزن والخوف.

وتعاني النساء في غزة من فقدان الأحباء، ومن العيش تحت القصف والدمار، ومن تحمل مسؤوليات الأسرة في ظل غياب معيل الأسرة وسوء الأوضاع، سواءً بسبب القتل أو الاعتقال ورغم كل هذا، يبقى صمودهن واستمرارهن في الحياة مصدر إلهام للعالم أجمع.

 

التحدي اليومي النضال المستمر رغم المعاناة

وفي ظل استمرار الحرب على غزة، بقيت الفلسطينيات في الخط الأمامي للنضال والصمود، تحملن على عاتقهن مسؤوليات جسيمة، وتواجهن تحديات يومية لا تعد ولا تحصى من فقدان الأحباء إلى تحمل أعباء الحياة اليومية في ظل الحصار والدمار، ستبقى قصصهن شاهداً حياً على قوة الإرادة والعزيمة التي لا تلين.

المرأة الفلسطينية ليست فقط ضحية للحرب، بل هي أيضاً رمز للنضال والثبات في وجه الهجمات تستمر في العمل والكد لتأمين لقمة العيش لعائلتها وحمايتها بأدنى الإمكانيات المتوفرة، وتتحمل أعباء التربية والرعاية في ظل أصعب الظروف، هذه القوة الروحية والجسدية هي التي تجعل من قصصهن مصدر إلهام لكل من يعرفها، وأكدت أن المرأة الفلسطينية تصنع المعجزات من رحم القلة والعدم "سنعيش ونحارب من أجل أبنائنا، وإيجاد حياة تستحق أن تعاش" بهذه الكلمات تعكس شاهيناز مناع روح الفلسطينيات اللواتي رغم كل ما مررن به، لا تزلن تقاومن وتأملن في غدٍ أفضل.