معاناة النساء النزيلات في طهران
بسبب الظروف الاقتصادية والبيئية وعدم القدرة على توفير مسكن مستقل للإيجار، وارتفاع الرسوم الدراسية، تضطر العديد من الفتيات من المدن الفقيرة في إيران للإقامة في النزل الذي يفتقر لأبسط معايير السكن.
رنا حكيم
طهران ـ انتقدت عدد من الفتيات المهاجرات في طهران الوضع غير المنظم الذي تعشنه في النزل في أجزاء مختلفة من طهران، بسبب الافتقار إلى المرافق المناسبة، والسلوك غير اللائق لموظفيه، والقوانين واللوائح الجافة التي لا أساس لها.
"إعلانات النزل لا تشبه الواقع بتاتاً"
تقول إلهام. ر من خرم آباد شرق كردستان إنه "من أجل تطوير عملي والمشاركة في دورة تدريبية، كان عليّ أن أقضي عدة أشهر في طهران، وخلالها قمت بتغيير ثلاثة نزل على أمل العثور على الأفضل، لكن جميعها تقع على نفس المستوى وتواجه مشاكل مماثلة، حتى أنها لا تحتوي على كاميرات، ويتعرض سكانها للسرقة، وإذا اشتكى شخص من قلة المرافق أو فشلها، يهددونه بالطرد".
من جانبها قالت شادية. ب، موظف من كرمشان إن "معظم النزل التي زرتها مع أصدقائي قديمة ومليئة بالسلالم، ولكن تم تجديدها بطلاء سطحي وسيراميك، ويتقاضون رسوماً باهظة، وهو ما لا يستحق ذلك على الإطلاق مقارنة بموقعه ومرافقه، وما نراه في إعلانات النزل بعيد عن الواقع، والأهم أنهم لا يعيدون مبلغ العربون عند المغادرة لأسباب مختلفة، والأهم من ذلك إذا النزيل وصل بعد الوقت المحدد فعليه أن يبقى في الخارج، حتى المسافرين القادمين من مدنهم إلى النزل لا يحصلون على استثناءات
"العيش في النزل لأكثر من عام يصبح لا يطاق"
نازانين. أ من زاهدان، حصلت على درجة الماجستير في القانون الخاص، تعيش في نزل وسط طهران منذ أربع سنوات، وبعد أن أنهت الجامعة لم تعد إلى مدينتها وبدأت العمل في إحدى شركات الأدوية بعد أن غيرت وظيفتها عدة مرات، وقالت "لا أحد يستطيع أن يتحمل العيش في النزل، وأنا مضطر لذلك لأنه المكان الوحيد الذي أستطيع الإقامة فيه".
وأضافت "لأن امتحان المحاماة صعب يجب أن أقضي فيه سنة واحدة على الأقل، خاصة كوني في العمل حتى الساعة الخامسة، وإذا لم أعمل خلال هذا العام، فلن تتم تغطية نفقات معيشتي، ولا أستطيع العودة إلى مدينتي خلال هذا العام كون حالتي النفسية والعائلية لا تسمح لي بالقيام بذلك، فعائلتي مكونة من ثمانية أفراد وأخواتي إما طالبات أو خريجات وعاطلات عن العمل، وأساعدهن في مصاريفهن وأزورهن كل أربعة إلى خمسة أشهر".
وعن كون خمسة أشهر بعيدة عن عائلتها مدة طويلة قالت "حالياً عملي عبارة عن ورديات، يجب أن أعمل يوماً في الصباح ويوماً في المساء، وأخيراً، يجب أن أتحمل تكلفة التنقل، التي تتجاوز دخلي، وفي هذا الوضع الاقتصادي، لا أستطيع التفكير في التغيير ولا أعرف كم من الوقت يجب أن أبقى هنا، لكن البقاء في مثل هذه البيئة لأكثر من عام أمر لا يطاق".
9 ملايين تومان إيجار سرير في النزل
منذ عام 2005، تعمل طيبة. ك مديرة لنزل للفتيات مكون من خمسة طوابق في طهران، قالت عادة ما يكون لدينا قبولات فصلية وربع سنوية، يحتوي كل طابق على أربع إلى خمس غرف، وتبلغ سعة الغرفة 2، 4، 6، 8، و10 أسرة على التوالي، وتكتمل السعة عادةً خلال العام، وإيجار الغرفة المكونة من سريري نوم سيكون أعلى من إيجار الغرفة المكونة من 10 أسرة، يبلغ إيجار سرير في غرفة مكونة من سريرين أربعة ملايين، وإيجار سرير في غرفة ضيوف 9 ملايين تومان مع وديعة 9 ملايين تومان.
وأضافت أنه يقوم كل شخص بإعداد ورقة العقد، وبناء على المادة 10 من القانون المدني، يقوم بتوقيع عقد مع المستأجر ويدفع الإيجار وتكلفة العقد، أي مبلغ قابل للتفاوض، وهذا يختلف في كل منطقة وشارع، وبناء على هذا الاتفاق المتبادل، بالنظر إلى الربح، يبرمون عقد إيجار.
كما ذكرت أنه من بين هؤلاء المقيمين أشخاص في هذه النزل منذ سبع أو ثماني سنوات منذ بداية إنشاء النزل، لأنهم معتادون على البيئة ومكان عملهم قريب منه، "ساكنيه من جميع أنحاء إيران معظم الموظفين الذين يقيمون هنا يأتون من المناطق والمقاطعات المحرومة".
من 18 سنة إلى 50 سنة!
نجار عبد الله زاده خبيرة في الإدارة العامة للتراث الثقافي والحرف اليدوية والسياحة، قالت إن محافظة طهران أعلنت أن متوسط الإقامة في النزل 80-85% "في فصل الصيف تنخفض هذه النسبة، وفي فصل الخريف تصل نسبة الإقامة في المساكن إلى أكثر من 100%، فإذا قمنا بزيارة وحدات الإقامة هذه بشكل مستمر وبدون خطة مسبقة كل شهر، وإذا لم تمتثل للقواعد واللوائح المحددة مسبقاً، فسيتم إلغاء ترخيصها".
وأضافت أن " النزل وحدة إقامة وليست فندقاً، ولكن يتم تقديم الخدمات الفندقية فيه، وبما أن الناس قد يعيشون فيه لسنوات، ومن حيث تقديم الخدمات مثل الأسرة والمعدات الضرورية والكافية للمعيشة، وكذلك من حيث الخدمات الصحية، فيجب مراقبة هذه الوحدات بشكل كامل"، لافتةً إلى أنه يتراوح متوسط عمر سكان النزل للموظفين/ات والطلاب/ات من 18 إلى 45 عاماً، ولكن في بعضها يقبلون ما يصل إلى 50 عاماً.
كما قالت عالمة الاجتماع والمحاضرة الجامعية كاميليا اسكندري إن نوعية سلوك وخبرة الناشط عند دخوله النزل أو عند مغادرته تختلف من جميع الأبعاد، وخاصة البعد الثقافي، "هناك قاعدة في الهجرة مفادها أنه كلما كان تنافر الأصل أعظم من جاذبية الوجهة، سيكون العمل وقرار الهجرة أكثر عملية، وعادة ما يكون اختيار الحياة الداخلية مع الخلفية الاجتماعية لزيادة مدة التعليم، وتأثر الظروف الاقتصادية غير المستقرة في مدى توفير السكن مدة العزوبة، كما أن الاستقلال جزء من هوية الفرد، وهو ما قد يكون أحد الأسباب المقنعة لبعض الناشطين الاجتماعيين للعيش في نزل".
وأشارت أن "حصة النساء مع اختلاف فئاتهن العمرية واختلاف أحوالهن الاجتماعية لا تخرج عن حكم الإقامة لهذه الأسباب والظروف الاجتماعية، فالأمر المؤكد هو أنه حسب الظروف الفردية لكل شخص أسباب الاختيار مختلفة، وفي الغالب، يحكمها نوع من عقلانية الاختيار".
وتابعت أن "القضية الرئيسية أن أحد الأسباب الإيجابية وبشكل جدي هذا الاختيار العقلاني المقنع لكل فرد، على الرغم من عدم استقرار الأوضاع الهيكلية الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع، وخاصة في مجال العمل، وأن الزواج والسكن، والإقامة في النزل هي فترة انتقالية من عدم اليقين إلى الاستقرار الوظيفي".
وترى كاميليا اسكندري أن عدم الاستقرار هو السمة الرئيسية لظروف المعيشة في النزل "لدى معظم السكان نظرة متفائلة لتغيير الأوضاع المؤقتة وغير المستقرة، كما أن درجة الضعف الاجتماعي لدى الفتيات، سواء كانت مرغوبة أم لا، ليس فقط في المجتمع الإيراني، بل في معظم المجتمعات الأبوية، يرجع ذلك أكثر إلى الجو الثقافي والاجتماعي، وإن الافتقار إلى الرقابة الاجتماعية والسلوكيات الفردية والتردد الشخصي وإتاحة الفرصة لارتكاب الجريمة في هذه الظروف دائما ما تؤدي إلى ضعف الفتيات".
وأضافت أن "السلوك غير المتناغم هو جزء يتأثر بالرفاق الاجتماعيين، أي أنه كلما زاد ارتباط الشخص بالأشخاص ذوي التفكير المماثل أكثر من ارتباطه بالأشخاص غير المرغوب فيهم، قل احتمال انحراف الشخص والعكس صحيح، والشبكة الاجتماعية للأصدقاء في النزل أمر مهم للغاية، ومن ناحية أخرى، فإن تغيير أوضاع المهاجرين يستغرق الكثير من الوقت، وتغيير الأوضاع أمر صعب للغاية، خاصة في الظروف الحالية".
وتابعت أنه "أي فرصة للعيش معاً في ظل التنوع والتعددية يمكن أن توفر إمكانية التعايش الاجتماعي للناشطين، في حين أنها يمكن أن تكون منصة للعديد من الأعمال غير المرغوب فيها مع عواقب أخرى غير مرغوب فيها".
يأس المقيمين من البعد النفسي!
من جانبها قالت نيكي كامكار، عالمة النفس والمستشارة الأسرية إن "حياة النزل إحدى الأوضاع الحياتية الجديدة للناس والتي لقيت ترحيباً مؤخراً وتوافد الكثير من الشباب إلى المدن الكبرى ويدخلون هذه المساكن بهدف العثور على عمل والحصول على حياة أرخص نسبياً، إلا أن الأجواء النفسية لهذا الوضع مجهولة بالنسبة لهم، لذلك لا يتم التدريب أو التوعية قبل الدخول إليها ولا تكون من أولويات النزل، ربما يكون أحد أهداف السفر هو مقابلة أعراق مختلفة، لكنه بالتأكيد ليس في حياة النزل، ويمكن أن تصبح هذه مشكلة، فبعد مناقشة السكن فيه، يجب أن تكون الأولوية للسلام والأمن، وينبغي أن ينظر هل هذه المجهولات والمستجدات مريحة أم لا؟"
وأضافت أنه في النزل "يبذل النزلاء الكثير من الطاقة الجسدية والعقلية للتكيف، فعندما تدخل فتاة أو فتى يبلغ من العمر 22ـ 30 عاماً، لأنه لم يكن لديه خبرة في الحياة المستقلة وينفق الكثير من الطاقة للعثور على العمل أو مواصلة العمل، وكانت هناك بالفعل أحلام، سيواجه فجأة انخفاضاً في الطاقة ويصبح متوتراً، وللتخلص من هذه الضغوطات وتعويض النقص في التدريب قد يستخدم أساليب غير مشروعة.
ولفتت إلى أن عدداً كبيراً من الأشخاص الذين يدخلون النزل يائسون ويدخلون البيئة الحالية غير السارة فقط للتخلص من الوضع السابق الغير مواتي، وإذا كان لديهم القدرة العقلية، يمكنهم التغلب على هذا الوضع، وإلا ستظهر العديد من المشاكل في طريقهم، ومنهم أشخاص أهدافهم واضحة وأولوياتهم واضحة، وقد دخلوا النزل فقط لتجنب هدر المال وخلق حياة طيبة لأنفسهم".
وعن العلاقة بين الاستقلال الفردي وتغيير الوضعية قالت نيكي كامكار "الاستقلال يحدث في طريق تربية الإنسان من الطفولة إلى نهاية العمر، لكن لا يمكن إنكار أن الاستقلال المالي يجلب الاستقلال الفكري، لكن ذلك يعتمد على العمل، ودخل الفرد ليس مجرد وجهة نظر مفادها أنه إذا تغير مكان إقامته، فإن هذا سيحدث، نظراً لوجود صعوبات في التكيف مع الحياة الجديدة، فمن المفيد أن يكون لديك داعمون نفسيون ومن المهم توفر علاقة قوية وفعالة مع الأسرة، والاستعانة بمستشار وأخصائي نفسي للوصول إلى الحلول المناسبة، وتجنب إنشاء علاقات محفوفة بالمخاطر وجريئة مع أشخاص مختلفين".