"عمالة الأطفال" أجسادٌ صغيرة تحملُ أعباءً كبيرة
يكبُر الصغار في شمال وشرق سوريا من دون أن يعيشوا طفولتهم، إذ تنتشر ظاهرة عمالة الأطفال بشكل كبير
سيلين محمد
قامشلو ـ ، ولا سيما في صفوف المهجرين من منازلهم أو الذين فقدوا معيلهم.
حملوا على عاتقهم أعباء الحياة وهم لا يزالون صغاراً في السن، فتسربوا من مقاعد الدراسة، وتوجهوا إلى العمل من أجل تأمين لقمة العيش، واقعٌ يعيشهُ أطفال شمال وشرق سوريا بنسبٍ كبيرةٍ، في ظل أوضاعٍ اقتصادية مُتردية فرضتها ظروف الصّراع وارتفاع الأسعار، والعقوبات الاقتصادية، وانتشار فايروس كورونا، فكانت فئة الأطفال هي الأكثر تضرراً.
حملوا المسؤولية في سن مبكرة
تحدث لوكالتنا يزن أحمد رحال (14) عاماً، النَّازح من مدينة الرقة ويعمل في مجال الصناعة، عن الظَّروف التي أجبرته على العمل في سن مبكرة، بعد أن ترك المدرسة "احتجتُ لكسب المال، لذا بدأت العمل منذ ثلاث سنوات في موازنة المُعدات التي نصلحها".
ولديه شقيقان يَدرس أحدهما والآخر يعمل سائقاً، ويقول "أحب عملي بشكل كبير، فهو يساعدني على إعالة أسرتي".
يوسف السلطان (14) عاماً، من مدينة رأس العين/سري كانيه، يعمل منذ عام كميكانيكي، بعد أن وصل إلى الصف السابع ولم يتابع دراسته، "أحب عملي رغم مشقته، لأنه يساعدني لأعيل أسرتي".
أما نواف علي كران (15) عاماً، من أهالي منطقة علايا التابعة لمدينة قامشلو، فيعمل في محل تصليح السيارات، ويقول عن انخراطها في العمل بدل الدراسة "وصلت إلى الصَّف الرابع في المدرسة، ولم أكمل بسبب تدني المستوى الاقتصادي لأسرتي، لذا توجهت للعمل من أجل إعالتهم".
ويعمل منذ ما يقارب العامين، ويصف صعوبات عمله "أعاني من آلام في الظَّهر واليدين والقدمين، لأنني أحمل الأشياء الثقيلة، ولكنني مُجبر على هذا العمل".
"أكثر من مئة طفل بينهم فتيات دون سن الـ 15 يعملون في مهن لا تتناسب مع أعمارهم"
للحديث عن عمالة الأطفال تقول الإدارية في منظمة حقوق الإنسان أفين جمعة أنها مفهوم ينتشر عالمياً، تُخرق فيه حقوق الطَّفل "لا يحصل على حقه بحياة حرة كريمة حتى بلوغه سن الرشد الذي يختلف من دولة لأخرى، على الرغم من إقرار الأمم المتحدة بأن السن الذي يبلغ فيه الطفل هو الثامنة عشرة".
وعن حقوق الطفل تبين "يجب تأمين المأكل والملبس، والتعليم، والرعاية الصَّحية، وحرية اللعب، إلا أن عدم توفيرها يرجع إلى قلة الإمكانيات المادية، مما يدفع الطَّفل للقيام بعمل يفوق طاقته ولا يتناسب مع سنه، ويؤدي إلى جعله غير متزن ويعاني من صعوبة في التواصل".
وتضيف "جميع الأطفال العاملين مجبرون، بسبب سوء الظروف الاقتصادية للأسرة نتيجة النَّزوح والسَّكن في المخيمات، أو فقدان أحد أفراد العائلة، ومنهم يريدون كسب مهنة معينة، وهذا غير مقبول كونهُ يُحرم الطفل من مرحلة التَّعليم الأساسي، إذ نرى أطفالاً يعملون في سن السَّت أو سبع سنوات، مما ينعكس سلباً على نفسيتهم".
وتنتشر عمالة الأطفال في دول العالم عامةً، والحديث لأفين جمعة إلا أنها تحقق نسب عالية في الشَّرق الأوسط "تميل مجتمعاتنا إلى العمل الحرفي، وتهملُ ضرورة التَّعليم، ولا سيما مع انتشار الحروب والكوارث المُتتابعة، وفي سوريا ازدادت نسب العمالة منذ عشر سنوات".
وللأسرة دور كبير في القضاء على هذه الظاهرة "يجب أن يكون هنالك وعي بضرورة التَّعليم، وإذا أجبر على العمل يكون مناسباً لسنه، فلا يحمل فيه أشياء ثقيلة أو يتعرض للخطر كأعمال البناء، وتجنب تعرضه للحوادث أثناء العمل في الشوارع، والأسرة بحاجة لمساعدة منظمات المجتمع المدني لتحقيق ذلك".
وحول دورهم كمنظمة لحقوق الإنسان تبين "أجرينا أكثر من إحصائية لعدد الأطفال العاملين، ولا سيما في منطقة الصناعة بمدينة قامشلو وبعض المعامل، ووجدنا أن أكثر من مئة طفل بينهم فتيات دون سن الخامسة عشر يعملون في مهن مختلفة لا تتناسب مع أعمارهم وقدراتهم".
وتكمل "في عام 2018 أحصينا أكثر من 400 طفل عامل في مدينة كوباني، أغلبهم من النازحون أو ممن فقدوا معيلهم، وبناء على ذلك فكرنا في كيفية الحد من هذه الظاهرة".
وحول الحلول للقضاء على هذه الظاهرة تكمل بأنه "يجب تأمين فرصة عمل لأحد أفراد الأسرة البالغين، وفي حالة الأطفال من دون معيل تأمين عمل يناسب قدراتهم وتأهيلهم نفسياً وجسدياً، وفي بعض الحالات إيجاد أُسر تتبنى هؤلاء الأطفال".
وانتشار هذه الظاهرة ولد الحاجة في شمال وشرق سوريا إلى إيجاد قانون يحدد الحقوق الأساسية للطفل، ويتعامل مع المخاطر التي تهدده كـ التسرب من المدارس، أو انفصال الوالدين، أو تجنيد الأطفال، أو تشغليهم لساعات طويلة وبأجور قليلة، ودراسة حالات ذوي الاحتياجات الخاصة وحمايتهم، وتُفرض عقوبات رادعة لجميع الخروقات، كما تقول أفين جمعة.
وتتابع "اتفاقية حقوق الطفل هي قانون تعتمد عليه الدول لحماية الأطفال، وثمة العديد من المنظمات كاليونسيف التي تهتم بحقوق الطفل، وتقوم بمشاريع لحمايته، ولكنها في مناطقنا قليلة، بسبب العوائق الإدارية وعدم توفر الأمن، مما يقلل فعاليتها، ولا سيما مع وجود أعداد كبيرة من النازحين في المناطق التي احتلتها الدولة التركية، والذين يصل عددهم إلى مليون نازحاً أغلبهم أطفال أجبروا على العمل".
وتطالب أفين جمعة باسم منظمة حقوق الإنسان بتقديم الدعم للمناطق المحرومة من المساعدات الإنسانية، وتفعيل المشاريع الخاصة بالطفل "مع بدء الحجر الصحي، بات خطر إصابة الأطفال العاملين المهددين بالبطالة جلياً، وهنا أصحبت الحاجة ملحة للتدخل العاجل والفوري لوقف هذا الموضوع".
"أطفال فقدوا ذويهم في الحرب يتعرضون للاستغلال بدفعهم للتسول"
والإدارية في لجنة حماية الطفل التابعة لمؤتمر ستار جوليا خلو تقول إنه في الساحة الاجتماعية ينشط عمل ثلاث لجان وهي "لجنة الأطفال، لجنة ذوي الاحتياجات الخاصة، ولجنة المهجرين"، ويقتصر عملها على متابعة كل ما يتعلق بالطفل ومنها قضية عمالة الأطفال.
وتؤكد على أن الأطفال بناة المُستقبل وأساسه المتين، إلا أن تشغيلهم ينعكس سلباً على نفستيهم "هنالك أشخاص ينظرون بدونية إلى الطفل العامل".
وتقوم لجنة حماية الطفل بمشاريع للحد من هذه الظاهرة "ندرس العديد من الأساليب لوقف ظاهرة التسول والتي تعتبر جريمة وجزء من العمالة، لأن هنالك أشخاص يوجهون الأطفال الذين فقدوا ذويهم في الحرب لاستغلالهم وكسب المال".
وتضيف بأنها تعمل أيضاً على إنشاء مجموعات ضمن الكومينات المتواجدة في مدينة قامشلو، وإعطاء محاضرات لتوعية الأطفال، "باسم لجنة حماية الطفل (شلير) ندعو جميع المُنظمات الدَّولية لنقضي على هذه الجريمة بحق الطفولة".