ما هي أسباب ودوافع تصاعد قتل النساء في السودان؟

في حادثتين مماثلتين خلال الفترة الماضية هزتا المجتمع السوداني، قتلت طبيبتين على يد زوجيهما السابقين الأولى بالمملكة العربية السعودية والثانية بمدينة مروي السودانية، هذه الجرائم تطرح عدد من التساؤلات حول ارتفاع جرائم قتل النساء والأسباب الكامنة وراء ذلك.

آية إبراهيم

السودان ـ وسط مطالبات متزايدة بتشريعات صارمة وإنفاذ العدالة اتجاه جرائم العنف ضد النساء، يشهد السودان تصاعداً مقلقاً في جرائم العنف ضد النساء التي تتراوح بين الاعتداء الجسدي والقتل ما يهدد أمن النساء ويعيق تقدمهن في المجتمع.

في الثامن عشر من آب/أغسطس الماضي، أثارت حادثة مقتل الطبيبة روعة علاء الدين على يد طليقها في مدينة مروي الطبية بالولاية الشمالية بعد أن سدد لها 16 طعنة بآلة حادة، جدل واسع في الأوساط السودانية.

قبل ذلك وفي أقل من شهر ضجت مواقع التواصل الافتراضي بحادثة مقتل طبيبة وشقيقتها على يد طليقها في المملكة العربية السعودية بعد الاعتداء عليهما بآلة حادة أودت بحياتهما في الحال، فيما نقلت والدتهما وشقيقتيهما إلى المشفى بعد أن أعتدى الجاني عليهما كذلك.

 

الاعتداءات المتكررة على النساء

أعربت أزهار إبراهيم، أخصائية علم النفس العاملة بوزارة الصحة في الولاية الشمالية وعضوة جمعية تنظيم الأسرة، عن بالغ أسفها لزيادة جرائم قتل النساء في السودان، مؤكدة أن هذه الحوادث المؤلمة تستدعي وقفة جادة "نطمح إلى سودان جديد يكرس تمكين المرأة ويحمي حقوقها بشكل فعال ومستدام".

وأوضحت أن الضغوط النفسية الناتجة عن النزاعات تُعد من أبرز العوامل التي تدفع لارتكاب الجرائم، إلى جانب الأسباب الاقتصادية والاجتماعية، لافتةً إلى أن النزوح وعدم الانسجام الفكري أسهما في حدوث تغيرات سلوكية ونمطية داخل المجتمع.

وشددت على أهمية تأسيس الحياة الزوجية على أسس من الاحترام والتفاهم، داعية إلى تعزيز الوعي المجتمعي والتعايش الإيجابي مع الواقع، مطالبة الرجال بإيلاء المرأة الاهتمام الذي تستحقه.

وطالبت نساء سودانيات مراراً بضرورة سن قوانين صارمة لمواجهة العنف ضد المرأة، خاصة في ظل تكرار هذه الانتهاكات من حين لآخر، والتي تصل في بعض الحالات إلى القتل بدوافع متعددة، وقد شهد المجتمع السوداني عدداً من الجرائم التي خلفت صدمة واسعة، ما يعكس الحاجة الملحة إلى تدخل قانوني حازم يضمن حماية المرأة ويضع حداً لهذه الممارسات.

أجمعت العديد من النساء على أن جرائم القتل العمد تعد دخيلة على المجتمع السوداني، لا سيما تلك التي ترتكب بأساليب عنيفة، ورغم أن مثل هذه الجرائم كانت تحدث في الماضي، إلا أن ما يثير القلق اليوم هو تحول أدوات الجريمة إلى وسائل أكثر وحشية، مثل استخدام الآلات الحادة، وهو أمر غير مألوف ويعكس تغيراً مقلقاً في نمط العنف داخل المجتمع.

 

عدم التوازن في العلاقة الزوجية

ترى بسمات شريف، رئيسة الاتحاد العام للمرأة السودانية بالولاية الشمالية، أن الاعتداءات المتكررة على النساء في الفترة الأخيرة تعود في جزء كبير منها إلى نجاح المرأة في حياتها المهنية واستقلالها المالي، وهو ما يخلق حالة من عدم التوازن في العلاقة الزوجية، مشيرةً إلى أن غياب التقدير المتبادل والتكافؤ في مختلف الجوانب قد يدفع بعض الرجال إلى الشعور بالبؤس والاكتئاب، ما ينعكس سلباً على سلوكهم ويقودهم في بعض الحالات إلى ارتكاب جرائم عنف ضد المرأة، وتعد هذه الرؤية محاولة لفهم الأسباب النفسية والاجتماعية وراء تجدد هذه الجرائم، وتسليط الضوء على أهمية بناء علاقات قائمة على الاحترام والتكافؤ.

وأعربت عن أمنيتها في أن تُجرى دراسات متخصصة حول جرائم قتل النساء، بهدف فهم أسبابها والحد من تكرارها، مشددة على أهمية تقبّل الرجل لنجاح المرأة واستقلالها، خاصة وأن التاريخ شهد العديد من الحالات التي عكست رفض هذا النجاح.

 

غياب الوعي

ترى ملاذ صلاح الدين، التي تعمل في المشفى الذي وقعت فيه جريمة قتل رجل لطليقته، أن تكرار حوادث قتل النساء يمثل خطراً بالغاً يحمل في طياته أبعاداً اجتماعية ونفسية وثقافية عميقة، مؤكدة أن غياب الوعي الكافي حول هذه القضايا يسهم في تفاقمها، مشيرة إلى إمكانية إيجاد حلول ومعالجات مبكرة تحول دون الوصول إلى مرحلة ارتكاب الجريمة، إذا ما تم التعامل مع المؤشرات بجدية ووعي مجتمعي أكبر.

وشددت على ضرورة إقامة دورات توعوية تبدأ من داخل الأسر، مشيرةً إلى أن الرجل داخل المجتمع لديه السلطة في كل شيء خلافاً عن المرأة، وعزت تجدد هذه الجرائم للنزاع الذي له تأثير كبير وتسبب في ضغوط نفسية واجتماعية.

 

مطالبات بسن تشريعات رادعة

ولفتت آيات فضل، الصحفية المتخصصة في قضايا القتل، إلى أن جرائم قتل النساء على يد أزواجهن السابقين باتت ظاهرة متكررة في السودان، خاصة خلال السنوات الأخيرة، مؤكدة أن هذه الجرائم لا تحدث بشكل عشوائي، بل تنبع من أسباب متعددة، أبرزها ضعف الحماية القانونية للمرأة، إضافة إلى دوافع الغيرة والرغبة في الانتقام.

كما تشير إلى أن النزاعات المتعلقة بحقوق الأطفال، مثل النفقة والميراث، تساهم أيضاً في تأجيج هذه الجرائم، ما يستدعي مراجعة جادة للمنظومة القانونية والاجتماعية لضمان حماية المرأة وتعزيز العدالة الأسرية.

وترى أن بعض الرجال بعد الانفصال، خاصة في حالات الطلاق الناتجة عن الخيانة أو الرفض، يعتبرون الأمر إهانة شخصية، ما يدفعهم إلى استخدام العنف كوسيلة للانتقام، وقد يتطور ذلك في بعض الحالات إلى ارتكاب جريمة قتل.

وللحد من هذه الجرائم، شددت آيات فضل على ضرورة توفير حماية فورية للضحايا، وتطبيق القانون بشكل صارم، إلى جانب تدخلات مجتمعية تهدف إلى تغيير المعايير الثقافية السائدة، وسن تشريعات رادعة تضمن محاسبة مرتكبي هذه الجرائم ومنع تكرارها.