مع دخول فصل الربيع نساء محافظة نابل تبدأن بتقطير "ماء الزهر"
يعد "تقطير الزهر" عادة سنوية قديمة توارثتها نساء محافظة نابل عن الأجداد وأصبحت اليوم حرفة ومورد رزق لأكثر من 3000 امرأة.
إخلاص الحمروني
تونس ـ يتزامن دخول فصل الربيع في محافظة نابل مع بدء موسم تقطير "الزهر"، ففي كل حقل يمر به المتجول، يرى النساء والرجال والأطفال يعتلون سلالم ركزت تحت شجرة "النارنج" لقطف حبات الزهر وجمعها في أكداس صغيرة وحملها بكل عناية إلى البيوت من أجل تقطيرها.
تعد عملية التقطير عادة من عادات نساء الجهة وحرفة تعلمنها وورثنها عن أسلافهن حتى إن موسم تقطير الزهر أصبح في السنوات الأخيرة بمثابة عيد تحتفلن به في أجواء من الغناء والزغاريد.
رانيا منصور واحدة من نساء محافظة نابل، تعلمت تقطير الزهر منذ صغرها، تقول "خلال عطلة الأسبوع وعلى امتداد فصل الربيع نجتمع لجمع زهر 'النارنج", نتجند نساء وأطفال منذ الصباح الباكر ونفرش البساط تحت الأشجار ونصعد السلالم لجمع الزهور".
وأوضحت أن "عملية التقطير تتم بواسطة "القطار" (وهو إناء يحتوي على أنبوب يقطر منه ماء الزهر عن طريق البخار) طيلة يوم كامل وتتطلب مجهوداً دقيقاً وشاقاً وأيضاً طقوساً وعادات خاصة"، مبينة أنه "ترافق عملية جمع وتقطير الزهر أهازيج للتبرك واحتفالية خاصة بتحضير ما لذ وطاب من المأكولات والمشروبات"، وتتم عملية التقطير عبر وضع كمية من الماء والزهر في الإناء السفلي ويملأ الغطاء الفخاري الذي يوضع فوقه الماء البارد الذي يجب مراقبته وتغييره فور ارتفاع درجة حرارته، وعند انتهاء التقطير يحفظ ماء الزهر في "فاشكة" (تعني قارورة وهي قوارير منتفخة في أسفلها وتثبت على سلة من البلاستيك أو من السمار وهي مادة طبيعية).
من جانبها قالت ريهام بالشيخ وهي حرفية في تقطير الزهر والعطرشية والورد، إن عملية التقطير بالنسبة لنساء نابل أصبحت عادة وتعلمتها أغلب فتيات الجهة "أحببنا هذه العادة بالفطرة لأننا تعودنا منذ الصغر على رؤية جداتنا تقمن بهذه العملية وهي صنعة ورثناها واكتسبناها بالخبرة"، مبينة أن موسم التقطير بالنسبة لنساء المنطقة يعد بالنسبة لهم كعيد يحتفلون به عندما يحل فصل الربيع حيث تفوح من كل بيت رائحة هذه النباتات العطرة".
وعن تجربتها الشخصية تقول "تعلمت عملية التقطير من والداتي التي علمتني أسرار هذه المهنة من أجل الحصول على منتوج جيد، وفي مرحلة لاحقة طورت من إمكانياتي وحصلت على شهادة ذهبية في تقطير ماء الزهر"، مبينة أن منتوج "ماء الزهر" وغيره من المواد (ماء الورد والعطرشبة) أصبح من العادات الغذائية ويوضع في الأكل والقهوة والحلويات وهو أيضاً يستعمل كدواء للحد من آلام الرأس وارتفاع الحرارة.
وأوضحت أن عملية تقطير الزهر مصدر رزق العديد النساء في نابل خصوصاً وفي تونس عموماً حيث تعمل بعض الحرفيات على تطوير هذا القطاع والابتكار فيه من أجل بيعه وتصديره.
وزهرة "النارنج" هي زهرة ناصعة البياض فائحة الرائحة تزهر في أشجار النارنج (البرتقال المر) وتعتبر هذه الزهرة من أجود أنواع الزهور في منطقة البحر الأبيض المتوسط مما جعلها مقصداً لأهم مصانع العطور الفاخرة خاصة الفرنسية منها.
ويسمى الماء المستخرج من هذه الزهرة "ماء الزهر" تعني باللهجة التونسية "الحظ" وهي ثروة لنساء المنطقة.