لم تعد آمنة... انتهاكات تتعرض لها النساء والفتيات في وسائل النقل
تتعرض النساء والفتيات لعدد كبير من الممارسات التي تنال من حقوقهن في وسائل المواصلات العامة والخاصة وهو الأمر الذي بات مهدداً لأرواحهن بعد إقدام عدد منهن على إنهاء حياتهن هرباً من المجهول الذي ينتظرهن حال مواصلة سيرهن بنفس وسيلة النقل.
أسماء فتحي
القاهرة ـ لا يمكن الفصل بين حالات الانتحار الأخيرة التي تصدرها فتيات تعرضن لانتهاكات في وسائل النقل الخاص وبين نظرة المجتمع الذكورية للمرأة وفرضه لأحكام عليها ووصمهم لها بناء على مظهرها أو موعد انتقالاتها أو حتى أسلوب حياتها إن كان مختلفا عن سياقاته وما اعتاده.
تعد واقعة حبيبة الشماع واحدة من أشهر تلك الجرائم والتي قررت القفز من سيارة أوبر لعدم ارتياحها لممارسات السائق وتلاها عدد من الجرائم الأخرى كان آخرها قفز فتاة أخرى من توك توك "وسيلة انتقال داخلية" وتعرضها لعدد من الإصابات بعد محاولات سائقه التحرش بها وملاحقتها بالعبارات ذات الطابع الجنسي بحسب ما نشر حتى الآن في ملابسات الواقعة التي مازالت قيد التحقيق.
تلك الجرائم وغيرها تعبر عن واقع غير آمن لتنقل النساء وانعكاس مخيف لمعاناة حقيقية كون النساء والفتيات هربن من وسائل النقل العام بسبب ما يتعرضن له من انتهاكات لأخرى شبه خاصة أملات في إيجاد مساحة آمنة دون جدوى لكونهن ما زلن معرضات للخطر والذي أودى بأرواح بعضهن.
حوادث متكررة وانتهاكات وصلت لحد الانتحار
قالت الباحثة والمدربة على قضايا النوع الاجتماعي نسمة الخطيب، أن المجتمع المحلي مليء بالانتهاكات اليومية والتي يعد التحرش واحد منها خاصة في ظل حالات تعنيف النساء والفتيات التي انتشرت في الآونة الأخيرة.
وأوضحت أن النساء خلال الفترة الأخيرة وتحديداً بعد ما حدث مع حبيبة الشماع حينما شعرت بعدم ارتياح وقفزت من سيارة "أوبر"، ودخولها في غيبوبة ومفارقتها للحياة وهو أمر تكرر كثيراً في الآونة الأخيرة نتيجة الخوف من المجهول الذي قد ينتظرهن إثر خطفهن أو الاعتداء عليهن.
وأكدت أن الأزمة تفاقمت خاصة أن وسيلة النقل الآمنة للفتيات والنساء لم تعد كذلك، وهو الأمر الذي يحتاج لتدخل جماعي من أجل وقف الانتهاكات التي يغلب عليها طابع الاستغلال الجنسي.
انتهاكات بالجملة للنساء في وسائل النقل العام
وأكدت أن وسائل النقل العامة تسببت بصدمات للفتيات والنساء لكثرة ما يحدث معهن من انتهاكات واعتداءات على مختلف الأشكال سواء كانت بدنية أو لفظية "الشارع غير آمن وبالتالي النساء يتعرضن للكثير من الأزمات فوسائل النقل غير آمنة على الإطلاق ولكونها مزدحمة للغاية فعادة ما يتم التلامس وهي فرصة لكل من يرغب في التعدي على امرأة".
وأوضحت أن وسائل المواصلات غير آمنة للنساء والكثيرات تعرضن فيها لتعدي جعلهن غير راغبات على الاطلاق في استخدامها وربما بعضهن حينما يرونها ترتد إليهن مشاعر سلبية تتسبب في ضغطهن وتعطلهن عن مسارهم وربما المكوث في المنزل وعدم الرغبة في الخروج على الاطلاق.
تجربة خاصة في وسائل النقل العامة
وبينت نسمة الخطيب، أنها تعرضت لتحرش في أحد وسائل المواصلات العامة "كنت ارتدي شال فوق ملابسي في الشتاء وشعرت بثقل على كتفي وفوجئت بشاب يضع يده من خلف الكرسي وهنا غضبت ولم أشعر بنفسي إلا والركاب يحاولون تخليصه من يدي"، ولكونها محامية قررت اتخاذ الإجراءات القانونية، إلا أن الحضور من المواطنين رفضوا ذلك وقرروا معاقبته بأنفسهم دون السماح لها بالذهاب لقسم الشرطة.
وأكدت أن تلك الحادثة غيرت من نظرتها لوسائل النقل العامة وباتت دائماً مصدر تخوف لها وهو الأمر الذي جعلها تعزف عنها وتتجه لوسائل النقل الخاصة حتى لا تتعرض لما حدث لها في السابق من تحرش واعتداء.
الإجراءات القانونية وتأثيرها على الانتهاكات
وقالت أن هناك فرق كبير بين العقوبات المنصوص عليها في القانون وتطبيقاتها المستند لقدرة النساء على إثباتها لأن النساء المتعرضات لانتهاكات وخاصة التحرش منها يعانون في دائرة الإجراءات وتوصيف ملتقي البلاغ للمشهد.
وأوضحت أن واحد من أهم الإشكاليات التي تواجه النساء الراغبات في الحصول على حقوقهن من خلال المسار القانوني يتمثل في وقوع عبء الإثبات عليهن وهو ما يتسبب في حفظ الكثير من المحاضر المحررة وكأن الأمر لم يكن "حتى القضايا التي تمكنا من إثبات حدوثها بشهادة الشهود انتهت بالحكم على الجاني فيها بغرامة قدرت بنحو 100 جنيه فقط بعد العناء الذي تكبدناه للحصول على حق الضحية وهي نتيجة محبطة للغاية"، لافتة إلى أن تغليظ العقوبة لا يستخدم في كثير من الأحيان من قبل القضاة أثناء النظر في قضايا التحرش.
الثقافة المجتمعية وأثرها الضاغط على النساء
وبينت أنها التقت بالكثير من الفتيات تعرضن لأشكال مختلفة من الانتهاكات وتحديداً الجنسي منها وقررنا الصمت لإدراكهن أن المجتمع لن يكون داعم لهن على الإطلاق وأنهن سيصبحون في موضع اتهام ووصم من المحيطين بهم.
ولفتت إلى أن عدد من الفتيات قررن ترك الحياة ورحلوا عن هذا العالم فيما بقيت الكثيرات محملات بالآلام لكونهن لم تستطعن الحصول على حقوقهن ممن اعتدوا عليهن وتسببوا لهن في كل هذه الأزمات التي لا تغادر أرواحهن وتجعلهن فاقدات للشغف والقدرة على العودة لغمار الحياة العامة.
وأوضحت أن مبادرة سند استقبلت العديد من شكاوى التعرض لتحرش واعتداء في وسائل مواصلات عامة وتم اتخاذ اللازم في تقديم أوجه الدعم الممكن لهن وهناك عدد من المحاضر تم تحريرها بالفعل لكن بسبب وقوع عبء الإثبات على الضحية يتم حفظ الكثير منها.
الحلول المقترحة
أكدت على أن الشق المتعلق بجهات الإبلاغ له أهمية كبيرة في التعامل مع انتهاكات وسائل النقل، مشددة على ضرورة وجود مختصين لاستقبال ضحايا تلك الانتهاكات في أقسام الشرطة على دراية بطرق التعامل مع الناجيات من العنف، وعلى أهمية التدخل ورفع عبء الإثبات عن الضحية لأن ذلك يجعل الكثيرات تعزفن عن الابلاغ موضحة أن الأمر يمكن تحقيقه من خلال تحريات المباحث.
وأضافت أن إنشاء دوائر للعنف تصبح مختصة بهذا النوع من القضايا من شأنه أن يعالج الكثير من الخلل، لافتة إلى أهمية تدخل المجتمع المدني والتعاون مع الحكومة لبحث ذلك الأمر والوقوف المشترك على علاج لهذا الخلل الذي يمنع الكثيرات من حقهن في التواجد الآمن في المجال العام والخاص.