لبنان... نازحون يفترشون رمال الشاطئ وينامون في العراء
حملت الأيام الأخيرة معاناة إضافية على النازحين الذين افترش الكثير منهم الشواطئ والساحات العامة في بيروت في وقت تعاني فيه البلاد من أزمات متعددة تلقي بأعبائها على كاهل المدنيين.
سوزان أبو سعيد
بيروت ـ يسيطر القلق والهلع على المشهد العام، بينما يحاول النازحون الذين نزح بعضاً منهم مرات عدة ولأماكن مختلفة، المحافظة على رباطة الجأش بعد الصدمات الكارثية التي تعرضوا لها، وتهدئة الأطفال، والنوم في خيم مستحدثة أو في العراء.
أودت الحرب المستمرة بين القوات الإسرائيلية وحزب الله منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، بحياة ما لا يقل عن 2672 في حين ارتفع عدد الإصابات إلى أكثر من 12 ألف، في آخر إحصائية لوزارة الصحة اللبنانية مساء أمس الاثنين 28 تشرين الأول/أكتوبر.
وبلغ عدد النازحين اللبنانيين 191,912 شخصاً يتواجدون في 1094 مركز إيواء معتمد وصل 901 (82%) منها إلى قدرته الاستيعابية القصوى، بينما قدر العدد الإجمالي للنازحين بأنه تجاوز المليون و200 ألف نازحاً، وقد تم توفير مساكن مجانية لبعض العائلات من قبل المجتمعات الحاضنة أو استأجرت عدداً من المنازل والوحدات السكنية، بالمقابل سجل الأمن العام اللبناني ما بين الثالث والعشرين من أيلول/سبتمبر وحتى الواحد والعشرين من تشرين الأول/أكتوبر الجاري عبور حوالي 342,849 مواطن سوري و144,830 مواطن لبناني إلى سوريا وبعضهم نزحوا إلى العراق.
وتستقبل مراكز الإيواء من مدارس وغيرها اللبنانيين فقط، بينما يترك النازحون من الجنسيات الأخرى، ليلاقوا مصيرهم، فيما وجدت بعض الجاليات الأجنبية وخصوصاً العمالة المنزلية مراكز إيواء مؤقتة تابعة لناشطين مستقلين، تمهيداً لإرسالهم لبلادهم بالتعاون مع سفاراتهم والأمن العام ليتم توفير منح من متبرعين وأموال للتذاكر والأوراق الثبوتية لهم.
هذا وانتشر النازحون على طول الشاطئ اللبناني في منطقة الرملة البيضاء وعين المريسة إلى محيط مجمع البيال وصولاً إلى ساحة الشهداء ورياض الصلح وباحات جامع محمد الأمين، ومنطقة الحمراء ورأس النبع وحتى معظم شوارع العاصمة، والحدائق العامة القليلة مثل حديقة قصقص.
ولجأت الكثير من العائلات السورية إلى الشواطئ، خاصة شاطئ الرملة البيضاء المجاني حيث بلغت نسبة السوريين فيه أكثر من 70%، وفقاً لأحد المسؤولين على الشاطئ.
وعما يعانيه النازحون السوريون في لبنان تقول النازحة السورية عالية. ع التي تقطن في مدينة النبطية اللبنانية "صبرنا في الأيام الأولى من الحرب، لكن مع تدهور الأوضاع اضطررنا للنزوح وتوجهنا إلى بيروت، بحثنا هناك عن منازل للإيجار لكن لم نوفق في ذلك، فالشقة المتواضعة إيجارها في الظروف العادية كانت لا تتعدى الـ 150 و200 دولار، أما اليوم يطلب فيها ما بين 900 و1000 دولار، ويجب أن ندفع أجار خمسة أشهر مقدماً"، مشيرةً إلى أن "الوضع لا يتحمل لدفع هذا المبلغ، فضلاً عن أنه من الممكن أن تصبح المنطقة خطيرة ونضطر للنزوح مجدداً، وعندها نكون قد دفعنا مبلغاً كبيراً ولا يعود معنا أية أموال".
وأضافت "ها نحن هنا اليوم على البحر، والأمور تحت السيطرة وننتظر الفرج، لقد تم توفير كل الاحتياجات الأساسية لنا، ولكن تبقى هناك مشكلة دورة المياه، ولا نعرف كيف يمكن أن تُحل، نتمنى أن تنتهي هذه الأزمة ويعود الجميع إلى منازلهم".
من جانبها اضطرت مريم. د وهي من مدينة بعلبك الهرمل في البقاع الشمالي للنزوح عدة مرات جراء تعرض المناطق التي كانت تلجأ إليها للقصف، وتقول "لقد نزحنا بعد يومين من بدء قصف الطيران الإسرائيلي، لقد تعرضت منزلنا في الهرمل للقصف لذا لجأنا إلى بلدة علي النهري، وثم نزحنا إلى مدينة زحلة (البقاع الأوسط)".
ولكن الحال لم يسعفهم للبقاء هناك ليضطروا للنزوح مرة أخرى "عدنا إلى بلدة علي النهري لنحضر أغراضنا وحاجياتنا فوجدنا المنزل قد تهدم جراء القصف، فعدنا أدراجنا إلى زحلة وبقينا يومين في المدرسة، ومن ثم توجهنا إلى الضاحية الجنوبية لبيروت".
وبعد وصولها إلى الضاحية الجنوبية تلقوا إنذاراً بإخلاء المكان ليتوجهوا مرة أخرى وربما ليس الأخيرة، إلى الرملة البيضاء في العاصمة بيروت "لقد بقينا في الشارع ومن ثم جلسنا في الحديقة إلى أن توافد النازحون إلى الرملة البيضاء، فرافقناهم إلى هناك، فلم يكن لدينا أي خيار آخر".
وهو الحال بالنسبة لـ ريما أحمد جنزارة وهي من الضاحية الجنوبية في بيروت "لقد اضطررنا إثر الهجمات للنوم على الشاطئ رغم البرد، نقطن في خيمة صنعناها من بعض الأقمشة، فلا مكان يأوينا".
وأشارت إلى أنها قد ذهبت إلى عدة مراكز إيواء ولكن دون جدوى فلم تتلقى أي تجاوب ولم يقبلوا بدخولهم المركز "قالوا لي أن أذهب إلى سوريا، لماذا سأرحل إلى سوريا وهذا بلدي؟، لدي طفل مريض يعاني من التوحد أتمنى مساعدتي"، مضيفةً أنها لا تزال بثيابها التي لبستها منذ بداية نزوحها وأن أطفالها يحتاجون إلى ملابس فقد خرجوا بما ارتدوه وأنه لا أمل لهم بالعودة.
وقالت مجموعة من النساء اللواتي رفضن تصويرهن في ساحة "الشهداء"، أنهم قد هربوا من الضاحية الجنوبية بملابسهم، وأن بعض الناشطين قد قاموا بتزويدهن بخيم وبعض المفارش والأغطية والملابس، مشيرات إلى أن هناك من يؤمن لهن وجبات غذائية ومياه "لا ندري إلى أين سنذهب، لا نعرف أين تقع مراكز الإيواء، بعضاً منا وصل إلى طرابلس، ليتم إبلاغهم بأن أعداد النازحين في مراكز الإيواء اكتملت ليعودوا إلى هنا، وها نحن هنا منذ شهر تقريباً، والوضع يزداد سوءً مع اقتراب الشتاء، أين سنذهب؟". وذكرت إحداهن بأنها تعرضت لمضايقات عدة وتحرش من قبل بعض الشبان.