الحكّامة في السودان... وقود الحرب ومفتاح السلام
بالرغم مما يشاع في السودان، أن الحكامة التي تؤلف الشعر وتردده بمفردات بسيطة من اللهجة المحلية لقبائل دارفور وكردفان، وقود الحرب، إلا أن هناك العديد شكلن مفتاح السلام.
ميرفت عبد القادر
السودان ـ أكدت باحثات في التراث الشعبي السوداني، على أن الحكّامة تعتبر شخصية اعتبارية فوق قانون مجتمع القبيلة ويسمح لها بفعل ما تشاء دون قيود، وتلعبن دوراً في إحلال السلام ونبذ العنف من خلال أصواتهن وأشعارهن.
الحكامة أو شاعرة اسم يطلق على المرأة السودانية التي تؤلف الشعر وتغنيه، وعادةً ما تردده بمفردات بسيطة من اللهجة المحلية لقبائل دارفور وكردفان، وما تقوله في غناءها يسري على الجميع بدون اعتراض، حتى أصبحت العديد منهن داعيات للسلام عبر أغانيهن لإيقاف الحروب ونبذ الفتن والعنف، ويرتبط تاريخ ظهورها بدخول العرب إلى السودان وهو تاريخ غير محدد.
ويأتي اسم "الحكامة" من معنى الحكم والقطع في الأمر، ومن الحكمة، وللحكامات ألقاباً فنية تبرز على أنهن يمتلكن القوة والحكم، منها "الشباية ـ السوق الأسود ـ اللغم الفصل الطوف - الشلك البجيب الأخبار - الدانة - المايكرفون - أم رطوط - البان جديد - اليوشن - لبن حليب ـ الحموري - الملاحة" وغيرها الكثير، والحكامة تتعامل بطبيعتها بدون قيود.
وتتميز الحكّامة عن نساء مجتمعها بزيها المختلف عن زي نساء القبيلة الأخريات، خاصةً في المناسبات الاجتماعية سواءً كانت خاصة أم عامة، حيث ترتدي زياً خاصاً من التراث.
واستطاعت الحكامة أن تكون جزءً من منظومة الحكم الأهلي عند قبائل غرب السودان بكلماتها المؤثرة، فهي شخصية اعتبارية بالنظر إلى الأدوار التي تقوم بها، سواءً كفرد أو مؤسسة ضمن المؤسسات الاجتماعية الموجودة في القبيلة، كما لها أدوار سياسية مهمة جداً، لذلك تعتمد الحكومات عليهن في تغيير آراء مجتمعاتهن حول قضية معينة.
ووفقاً لدورها المؤثر في المجتمع، تجد احتراماً من كل أفراد القبيلة، ويتقرب إليها حكّام القبائل وزعمائها لتعكس مفاخرهم وإذاعتها في محيط القبيلة والقبائل المجاورة التي تتناقل عما تقوله الحكامة.
وعلى الرغم من أن المرأة في غرب السودان مسلوبة الحرية تحكم وفقاً لأحكام القبيلة وليس لديها رأي ولا تُسمع لها كلمة، إلا أن الحكامة استطاعت أن تأخذ كامل حريتها ولا تُحكم بقوانين وأحكام القبيلة، وتتعامل مع الجميع دون استثناء، وتخالط الرجال وتجالسهم من دون تحفظ، ولا ينظر إليها الآخرون نظرة استهجان.
وتقول الباحثة في التراث السوداني نادية الدودو "تسافر الحكامة وتنتقل داخل وخارج المنطقة من دون قيود، لذا عملت السلطات الحكومية على توظيفهن لخدمة قضايا المرأة والمجتمع ولمعالجة المشكلات المنتشرة بالمنطقة، كمحاربة أمراض الطفولة والصراعات القبلية، ومحاربة الأمية، والعادات البالية الضارة كختان الإناث والزواج المبكر".
تعيش المرأة في السودان حالة عدم استقرار ونزوح مستمر بسبب الحروب القبلية التي لا تنتهي، فدائماً ما تتعرض للانتهاكات المصاحبة للحروب من استرقاق وخطف وبيع واغتصاب وغيرها، إضافةً إلى أن رجال القبائل الدارفورية يذهبون للرعي لفترات طويلة تاركين النساء لرعاية الأطفال وكبار السن، والقيام بالواجبات المنزلية، وغالباً ما يكون هؤلاء الرجال لهم عداوة وحروب مع قبائل أخرى فيأتون للانتقام منهم بعد سفرهم باغتصاب نسائهم وخطفهن وحرق منازلهن فيقع التشفي على عاتقهن.
وحول ذلك قالت الباحثة في التراث الشعبي سعاد الصادق، أن صوت الحكّامة جاء ليعبر عن مشاكل النساء وكذلك بمثابة نداء استغاثة في حالة هجوم أي قبيلة أو مجموعة على منطقتها بعبارات شعرية معينة بلحن معين يشبه طبيعة المنطقة المحبة للشعر والغناء، وهي تعكس في شعرها ما يمرن به وتوصله عبر صوتها لكبار القبيلة وتناشدهن بحماية النساء والأطفال، "صوت الحكامة مسموع وسط القبائل وزعمائها هناك حيث تستطيع أن تمارس بصوتها نوعاً من الضغط على الرجال حتى يقوموا بدورهم في حماية المرأة وأطفالها وكبار السن".
ولفتت إلى أن للحكّامة دور كبير ومؤثر في النزاع الذي يشهده السودان في الوقت الحاضر، مشيرةً إلى أنه إذا حدث نزاع بين قبيلتين، يقمن بتشجيع أبناء القبيلة كيلا يهزموا لأن هزيمة القبيلة تعني الهزيمة للمرأة، حيث تتعرض النساء في مثل هذه المواقف للكثير من الفظائع والممارسات غير الأخلاقية مثل الاغتصاب الجنسي والقتل والتعذيب، كما أن للحكّامة دور كبير في إحلال السلام، فيمكن للحكّامة أن تكون سبباً في إخماد الحروب وإيقافها بغنائها وكتابتها للسلام والأمن ومناشدتها لكبار قادة الحرب من القبائل بالخضوع للسلام ونبذ العنف.
وهناك الكثير من القضايا والحروب الأهلية غرب السودان كانت الحكّامات سبباً في حلها، من خلال شعرهن وغنائهن، حيث أنهن يعكسن المعاناة التي يعشنها بسبب الحروب في أغانيهن وكلماتهن البسيطة فيرضخ لهن كبار القبيلة وحكامها وتتوقف الحرب، ومن أشهر الحكّامات في المناشدة بالسلام هي الحكّامة "شادن محمد علي"، والتي قضت حياتها تكتب وتغني للسلام إلا أنها فقدت حياتها خلال النزاع الدائر في البلاد.
ودعت الحكّامة الدارفورية مريم معلا لإحلال السلام ووقف النزاع القائم ورفض التدخل الأجنبي لحل مشاكل السودان، حيث دعتهم عبر غنائها للوحدة وعدم الانشقاق أو الالتفات للفتن الخارجية التي تهلك السودان وتدمره.