أسماء فتحي

القاهرة ـ شهدت الفترة الأخيرة زيادة في معدل الوافدين من عدة دول إلى مصر، وكل منهم يحمل ثقافته التي قد يكون جانب منها مغاير لما حققته الحركة المدنية من مكتسبات تتعلق بواقع النساء وتأثيرهن في المجال العام والخاص، وهو الأمر الذي تطلب تدخل من مختلف الجهات المعنية للتعامل معه حتى لا ينال من مكتسبات النساء على مدار الأعوام الماضية.

يعتبر التعامل مع هذا الملف واحد من أهم التحديات المطروحة للنقاش خلال الفترة الأخيرة، وذلك بسبب الفروقات الثقافية خاصة تلك المتعلقة بواقع النساء وصورة المرأة في الأذهان، وما يرتبط منها بتأثير المرأة ووجودها في المجال العام والخاص، وأيضاً تواجدها في مراكز صنع القرار السياسي منها والاقتصادي والاجتماعي.

وخلال تقريرنا رصدنا ردة أفعال عدد من النسويات حول ذلك الأمر واتفقوا على ضرورة الاهتمام بذلك الملف لأن هناك الكثير من الأفكار التي تهدد مكتسبات الحركة النسوية على مدار السنوات الماضية، وعلى رأسها ختان الإناث "تشويه الأعضاء التناسلية للنساء"، و"تزويج القاصرات" وغير ذلك من إشكاليات مازال المجتمع المحلي يعمل من أجل الخلاص منها وحماية النساء من ويلاتها وتأثيرها المعرقل لحياتهن ومسارهن المهني والأسري.

 

أفكار مغايرة منها ختان الإناث تحتاج لتصويب أو دمج مع المسار المحلي

قالت المحامية وعضوة حزب الاتحاد عن قضايا وحقوق المرأة هدير أحمد أن هناك العديد من الوافدين يأتون لمصر من عدة دول الإفريقي منها والأوروبي والأسيوي، إلا أن الفترات الأخيرة تزايدت أعدادهم بفعل الحروب والضغوط الخارجية التي مورست على عدد من دول الجوار ودفعت مواطنيها للبحث عن مكان يأمنون فيه على أطفالهم ومستقبلهم وكل منهم أتى حاملاً ثقافته وأفكاره النمطية التي قد يختلف جانب ليس بالقليل منها عن الواقع المحلي.

وأشارت إلى أن هناك فروق واسعة في الثقافات فعلى سبيل المثال قضية تشويه الأعضاء التناسلية للنساء "ختان الإناث" في السودان تعد عقيدة يجب ممارستها وهو الأمر الذي قد يؤثر سلباً على المسارات التي قامت بها الحركة النسوية المصرية من أجل الحد من تلك الظاهرة والتي كان لها صدى تشريعي تمثل في تغليظ العقوبة أكثر من مرة بعد التجريم القانوني الواضح لها.

وأكدت أن الختان ليس الفارق الوحيد في مسألة الأفكار التي تهدد مكتسبات الحراك النسوي المحلي، ولكن أيضاً هناك التزويج المبكر للطفلات ودونية موقع المرأة بالنسبة للأسرة، وهو أمر أيضاً مغاير لما حققته نضالات النساء من أجل الارتقاء بواقع المرأة وجعلها بنفس المرتبة التي يقف عندها الرجل وكسر مختلف الصور النمطية التي قد تعرقل مسيرتها ونجاحها.

وترى هدير أحمد، أن تغيير الأفكار النمطية للوافدين لمصر سيتطلب مجهود أكبر من المجتمع المدني ووضعه في عين الاعتبار من خلال الندوات التثقيفية والتوعوية الموجهة لهم حتى يتم تنفيذ عملية الدمج والتماشي مع الأفكار المحلية لمصر، وأيضاً لتعريفهم بالقوانين والقوالب الفكرية المختلفة بالداخل المحلي.

واعتبرت أن التعامل مع الوافدين أمر ضروري لأن عدد ليس بالقليل منهم يتعرض لانتهاكات على مختلف المستويات والعدد الأكبر منهم لا يعلم سبل الحصول على حقوقه والمسارات القانونية التي يمكنهم من خلالها حماية أنفسهم وذويهم.

 

 

التباين الثقافي سيؤثر على قطار النهوض بواقع المرأة

أكدت الصحفية المتخصصة في قضايا المرأة، فاتن صبحي، أن هناك جنسيات مختلفة وثقافات مغايرة لما تعمل النسويات على تغييره في الواقع المحلي وعدد ليس بالقليل منهم أكثر تنميط وتهميش للمرأة "في بعض الجنسيات الزواج المبكر والختان، والإنجاب بكثرة، وغيرها من الأمور تعد موروثات لا يمكن العدول عنها، فضلاً عن دأب بعض النساء في الجنسيات الأخرى على الأعمال الرعاية والخدمة بكامل معناها للرجل ووضعه في مرتبة أعلى من المرأة"، وجميعها أمور تحتاج لمراجعة.

وأوضحت أن الرجال في مصر بتن يطلبن من النساء التشبه بغيرهن من الجنسيات الأخرى متناسين الظروف التي يحيون بها وأنهم بلا وطن وبعضهن تعرض لممارسات عنيفة نالت من حقوقهن الإنسانية، لافتة إلى أن ثقافة المرأة نفسها تأثرت بدرجة كبيرة بممارسات النساء في الجنسيات الأخرى وبات هناك تقليد وهو الأمر الذي قد ينال من مكتسبات الحراك النسوي المحلي بشكل كبير ويهدد ما تم إنجازه بالفعل.

وأكدت أن واحدة من أكبر الأزمات الآنية تتمثل في تبني بعض الوافدين لفكرة الختان المركب الذي قد يصل لإزالة العضو التناسلي للأنثى وهو أمر يحتاج لعمل فعلي واهتمام حتى لا يتم نقله أو ممارسته في مصر، مبينة أن هناك أفكار لها علاقة بالعفة والطهارة وأخرى تستتر وراء الأديان بعدة مقولات مأثورة وآيات وغير ذلك وجميعها أمور تحتاج لتفنيد ومناقشة.

وأوضحت أن واحدة أيضاً من الإشكاليات تتعلق بنظرة المرأة لنفسها في بعض الجنسيات لكون عدد ليس بالقليل منهن قد لا تدركن أن ما يحدث معهن عنف ويعتبرنه سياق طبيعي وأمر مقبول بما قد يؤثر فعلياً على المجتمع المحيط بهن وذلك نتيجة عيشهن في مجتمعات مختلفة عن الواقع المحلي من جهة أو حتى رأوه في بعض الفئات الاجتماعية المحلية التي لم يصل لها الوعي على النحو المرجو.

 

تصويب الأفكار المغايرة يحتاج لجهد من المجتمع المدني

وأكدت أن الحلول الممكنة لمسألة التباين الثقافي الواضح يأتي في مقدمتها مسؤولية المجالس المعنية بقضايا النساء ومنها "المجلس القومي للمرأة"، وأيضاً المجتمع المدني الذي عليه التعامل مع بقايا التأثر بالعنف والانتهاكات التي تعرض لها الوافدين أثناء فترة ما قبل اللجوء لمصر وما تلى ذلك.

وشددت على أهمية التثقيف والتوعية بمسألة المساواة والحقوق الإنسانية التي لا تقل عن الرجال مع العمل على دمج الوافدين داخل الثقافة المحلية حتى لا يحدث تعدد في الثقافات ويصبح هناك فارق كبير يحدث جدل بين المقيمين في الداخل المحلي.