كيف تعيش نساء غزة في صحراء الشمال؟
على الرغم من الأوضاع المأساوية التي تعيشها نساء غزة، إلا أنهنّ تقاومن وتنهضن من جديد وتزرعن الأمل في قلوبهنّ لإعادة الحياة بوسائل مختلفة.

رفيف اسليم
غزة ـ أوضحت نساء في شمال مدينة غزة بأنهن تتدبرن أمورهن من العدم خاصة أن غالبيتهن تقطنّ الخيام والمباني الشبه متهدمة، إلا أنهن لا تفكرن بترك أراضيهنّ أو الهجرة بشكل طوعي خارج مناطقهن.
تعيش النساء في شمال مدينة غزة أوضاع إنسانية صعبة وظروف قاسية خاصة بعد الاجتياح البري الأخير الذي استمر أكثر من شهرين محدثاً دمار هائل لم يبقي أي معالم للمنطقة، منتهياً بتوقيع وقف إطلاق النار بين الجانبين، لتصف النساء المكان هناك بالصحراء حيث لا كهرباء لا مياه، لا بنى تحتية، لا خدمات، تحفز على العيش هناك، لا شيء سوى أطنان الركام.
قالت تهاني أبو وادي، إنها وجميع النساء في منطقة الشمال تعانين من ظروف معيشية قاسية تكاد تودي بهن "للجنون"، فالغالبية العظمى منهن تعانين الفقد سواء بيوتهن أو أحد أفراد عائلاتهن، أو صديقاتهن، مما يضعهن في وضع نفسي صعب وقاسي للغاية، أقل ما يمكنهن وصفه به الانهيار أو الاكتئاب.
وأضافت أن الأزمة تستفحل عندما تكون المرأة صغيرة في السن وتعيل عدة أبناء، ضاربة مثل بامرأة شاهدتها تنحب بصوت مرتفع يفطر القلوب كونها لم تستطيع نصب الخيمة أو ترتيب أمورها، فأشفق عليها الأهالي في المخيم وساعدوها لتتمكن من إتمام أمورها والجلوس بالخيمة مع حلول الليل.
وعن المياه في صحراء الشمال، أكدت تهاني أبو وادي أنه بعد اتصالات حثيثة مع الجهات المسؤولة استمرت لعدة أيام وعدوا نساء المخيم أن المياه ستصل في الساعات القادمة، فبقيت النساء والفتيات متأهبات تنتظرن تحت أشعة الشمس عربة المياه، لتصل في أوقات متأخرة، ومع التدافع الشديد لم تحصل جميعهن على ما يسد حاجتهن من المياه المالحة.
وأوضحت أنهن في الأيام العادية تمشينّ عدة كيلومترات ضمن طرق وعرة لا تخلو من الحجارة والحديد حاملات كالونات المياه البلاستيكية التي يستعملنها منذ عام ونصف، لافتة إلى أن تلك الكالونات قد أصبحت مثقوبة وغير صالحة للاستعمال، بالتالي تصل النساء للخيمة بنصف كمية المياه كون النصف الآخر يكون قد تسرب من الثقب على طول الطريق.
وتلاحظ تهاني أبو وادي، حين تسمح لها الفرصة برفاهية تفقد جسدها الكثير من الكدمات والعلامات الزرقاء التي لا تدري متى أصيبت بها أو كيف، لكنها تدرك أنها قد تكون اصطدم كتفها بطرف شاحنة فأكملت الطريق دون أن تبالي، أو علقت قدمها بين الحجارة، والزجاج، والحديد، فشدتها بعنف لتخلصها متسببة بتلك الكدمات، وقد حدثنها النساء عن ذات الشي يحدث معهن.
أما عن الخدمات أي الاتصالات والانترنت، أوضحت أن النساء نسين تلك الرفاهية وسط الظروف القاسية التي وضعن بها، كما نسين تنظيف وتعقيم الأواني فأي طبق بلاستيكي أو حديدي هو صالح للاستخدامات متعددة حتى إن لم يكن قد نظف بشكل جيد، كون أدوات النظافة غير متوافرة بسبب الفقر المدقع الذي تعشنه.
وأكدت تهاني أبو وادي أن الفقد أثر على النساء، فبعض اللواتي فقدن أولادهن وأزواجهن لا ترجعن للخيام سوى في الليل وتستمررن طوال الليل بالبحث عن أسمائهم بالمشافي، والجمعيات والمؤسسات الدولية، لعلها تأتي بخبر يقين لهم هل زال على قيد الحياة أم لا، مشيرة إلى أن أعداد تلك النساء كبير جداً يتعدى الألف امرأة وبعضهن فقدن أبنائهن في أولى أيام الحرب.
وترى أن تلك النساء هن الأحق بالدعم المادي والنفسي والأهم من ذلك استجابة المؤسسات لهن ومحاولة التأكد من أسماء أبنائهن كأسرى لدى القوات الإسرائيلية أم لا.
بدورها قالت عدن البسيوني إن النساء تعانين من وضع مأساوي لكن يبقى نهوض المرأة الفلسطينية من جديد هو الأمل لإعادة صنع الحياة بوسائل مختلفة، فبعض النساء أعدن نبش آبار المياه الجوفية واستخراج المياه منها في شمال مدينة غزة، مشيرة إلى أن غالبيتهن تسكن الخيام والمباني الشبه متهدمة إلا أنهن لا تفكرن بترك أراضيهن أو الهجرة بشكل طوعي.
وأشارت إلى أن النساء تتدبرن أمورهن من العدم، فتتنقلن كل يوم بين ركام البيوت لتبحثن عن أواني، معالق، سكاكين، أطباق لتستعملنها في حياتهن اليومية خلال إعداد الطعام، مضيفةً أن حتى الملابس تقمن بانتشالها وغسلها لإلباسها لأطفالهن، كي يجنبوهم برد الشتاء القاسي، وكذلك الأمر بالنسبة للفراش الذي يستصلحنه من العدم.
وأوضحت أنها تقود العديد من جلسات التفريغ النفسي للأمهات الفاقدات أبنائهن أو أحد أفراد عائلاتهن، لافتة إلى أن بعض النساء استدلين على فقيدهن من يد مبتورة، أو من خصلة شعر، أو من ملابسه على الرغم من أن الجسد قد يكون متبخر تحت ردم المنزل بعد تواجده تحته لأكثر من مائة يوم في بعض الأحيان.
ولا تنكر عدن البسيوني، أن بعض الأمهات والنساء تفرحن عندما تعلمن أن أبنائهن أسرى لدى القوات الإسرائيلية على الرغم من يقينهن بالعذاب النفسي والجسدي الذي لاقوه، إلا أنهن تتمسكن بأمل واحد وهو رؤيتهم من جديد، خاصة أنهم مدنيين لم يتقرفوا أي ذنب سوى أنهم صمدوا في أرضهم ورفضوا التخلي عنها.