'جرائم القتل والتحرش تحتاج لعمل جماعي لإحداث تغيير ثقافي جذري'
أكدت نسويات مصريات على أن أخذ شكاوي النساء على محمل الجدية والبحث فيها ومعاقبة الجناة يمكنه أن يقلل من وتيرة الانتهاكات التي تتعرضن لها.
![](https://test.jinhaagency.com/uploads/ar/articles/2025/02/20250204-almadt-jpg525668-image.jpg)
أسماء فتحي
القاهرة ـ ارتفع معدل جرائم قتل النساء في الآونة الأخيرة خاصة على يد الزوج والأسرة رغم وجود عدد من التعديلات التشريعية وكذلك العمل الدؤوب من قبل المجتمع المدني خاصة النسوي على ذلك الملف، وهو ما طرح العديد من التساؤلات على موائد نقاش المعنيين بقضايا المرأة مؤخراً.
تتفق الناشطات النسويات في مصر في ظل الانتهاكات التي تتعرض لها النساء على أن الحاجة لدراسة حقيقية وإقامة أبحاث تقف على أسباب ذلك، وآليات مواجهته أمر مهم، خاصة أن عدد من الجرائم اتخذ منحى وحشي على غير المعتاد مما يعد مؤشر على واقع يحتاج عمل من مختلف المعنيين بقضايا المرأة المصرية بالمجتمع المدني وخاصة النسوي من أجل ضمان مساحات آمنة تتمتع فيها النساء والفتيات بكامل حقوقهن.
للتعرف أكثر على واقع جرائم القتل والانتحار وكذلك التحرش الجنسي في الفترة الأخيرة التقت وكالتنا بعدد من الناشطات النسويات اللواتي أكدن على أن الثقافة المجتمعية السائدة واحدة من مسببات تلك الانتهاكات وكذلك فاعلية القوانين وقدرة السلطات التنفيذية على التفاعل مع بلاغات النساء المختلفة، معتبرات أن الأزمة باتت تتطلب بحث عميق للتعامل معها وحماية النساء بآليات واقعية مؤثرة في الشارع المحلي.
"الموقف الأسري تجاه جرائم قتل وانتحار النساء كارثي"
ذكرت عضوة مؤسسة "براح آمن" شيماء طنطاوي أنهم أصدروا تقريراً بعنوان "الخروج عن النص المجتمعي" يرصد الجرائم التي ارتكبت ما بين عامي (2019 ـ 2022) وقدرت بـ 350 حالة قتل بالإضافة لرصد أعداد أخرى من حالات الانتحار، مؤكدة أن الانتحار الناتج عن العنف الأسري هو بالأساس قتل للفتيات والنساء.
وأشارت إلى أن العامين الماضيين كان بهما جرائم قتل متوحشة ضد النساء، معتبرة أنها جرائم تتعلق بالنوع الاجتماعي وتحتاج لدراسة على جميع المستويات لمعرفة السبب الذي يجعل النساء يُقتلن على هذا النحو، مضيفة أن الجهات التنفيذية يجب أن تأخذ بلاغات النساء على محمل الجد لأن الأمر يتطور وحياة الكثيرات في خطر حقيقي.
وحول الأسباب الكامنة وراء ازدياد حالات قتل النساء تقول إنه هناك وضع اقتصادي متردي وكذلك انتشار للمخدرات كما أن هناك قوانين لا يتم تنفيذها وبعضها يستغل كثغرات خاصة في حوادث القتل داخل الأسرة للرأفة بالجاني.
وعن التحرش الجنسي ترى شيماء طنطاوي أن "هناك جهود كبيرة تبذل في ذلك الملف ولكن النساء والفتيات في حاجة لرسائل مطمئنة"، مشددة على ضرورة العمل على الوصم الاجتماعي الذي تتعرض له النساء والفتيات عند الإبلاغ، مؤكدة أن الفترة الأخيرة شهدت تحرك للجرائم التي تحدث صخب على مواقع التواصل الافتراضي وهو أمر يطرح العديد من التساؤلات حول النساء اللاتي قررن عدم الظهور أو البوح في الفضاء الرقمي.
وأوضحت أن النساء في حاجة لتغيير جذري ومنها إنارة الشوارع ووضع الكاميرات، بالإضافة إلى اتباع سياسات تحميهن عند الإبلاغ وتحافظ على سرية بياناتهن، فضلاً عن كونهن يحتجن لعمل على جميع المستويات وكذلك قانون موحد لمناهضة العنف ضدهن.
الثقافة العامة والاستهتار الأمني يزيدان من العنف
وأوضحت الباحثة في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية أميمة عماد، أنه لا توجد قوانين تحمي النساء تحديداً من العنف الأسري، مؤكدة أن جرائم القتل عادة ما تحدث من قبل زوج سابق أو أحد أفراد الأسرة والحالة الأخيرة هي الأكثر تعقيداً، وفيما يتعلق بجرائم الشركاء السابقين فالفتيات يقمن بالاستغاثة مرات عديدة ويحررن المحاضر دون استجابة فعلية لشكواهن.
واعتبرت أن مرحلة القتل في واقعة "نيرة أشرف" التي قام زميلها بقتلها أمام بوابة الجامعة بعد أن رفضت الارتباط به على سبيل المثال "جاءت بعد العديد من البلاغات بملاحقته لها ولم تؤخذ شكواها بجدية رغم أنها كانت كفيلة بإنقاذ حياة الضحية والجاني كذلك"، لافتةً إلى أن أحد أهم أسباب الجرائم تتمثل في الخطوات التي تطلبها عملية الإبلاغ سواء على مستوى المجتمع ذاته أو داخل أقسام الشرطة.
ونوهت إلى أن "الثقافة العامة تحقر من النساء وتمنح الحق للذكور في تفريغ طاقاتهم السلبة على النساء، فالعديدات لم تعدن تجدن الأمن في المساحات العامة وأهم الحلول تكمن في القوانين الرادعة وتنفيذها، فضلاً عن تسهيل إجراءات التقاضي لإنفاذ تلك القوانين، بالإضافة للتوعية المجتمعية بخطورة العنف".
مخاوف عديدة تعرقل وجود النساء وفاعلياتهن في المجتمع
وأشارت إيريني أكرم مؤسسة مبادرة "ميديام" التي تساعد النساء والأطفال ممن يعانون من اضطرابات الطعام واضطراب صورة الجسد المشوه، إلى أن أهم أسباب ارتفاع معدل الجرائم والانتهاكات التي تتعرض لها النساء تتمثل في حالة الاستحقاق التي يحصل عليها الذكر منذ ولادته والتي تمنحه الأحقية في كل شيء ومنها سلب حياة الآخر.
ولفتت إلى أن التقاضي يأخذ وقت طويل والحلول ليست رادعة وبالتالي الواقع يشجع المعتدي ويمنحه طمأنينة كونه مدعوم سواء من المجتمع الذي يبرر للجاني أو للمسار القانوني الذي يأخذ أمد طويل وبالتالي يشعر الأطراف المهتمة بغياب العدالة الناجزة خاصة إن كانت القضايا لا تأخذ حيز كبير من الرأي العام.
وأوضحت أن النساء بتن لا يشعرن براحة داخل أجسامهن لتأثرهن بنظرة المحيطين بهن فأصبحن لا يسطعن التواجد في الشارع والعمل بشكل آمن، وبعضهن بات حامل لاضطرابات صورة الجسد المشوه، وبالتالي الكثيرات قد ينسحبن من الظهور العام ومخاوف أخرى تعرقل خطوات النساء ووجودهن وفاعلياتهن على جميع المستويات.
القوى الناعمة سلاح ذو حدين
وقالت عضوة الوحدة القانونية في مبادرة سند شيماء حسن، إن هناك عادات وتقاليد ذكورية تحول دون قبول الرجال لفكرة الرفض وبالتالي يصبح فيما بعد معنف لا يقبل أن تتم مراجعته فيما يتحدث حوله أو يمارسه، فضلاً عن المسلسلات التلفزيونية وما تبثه في كثير من الأحيان من عنف تجاه النساء ومعاملتهن بدونية.
ولفتت إلى أن "للمخدرات دور في ارتفاع معدل الجريمة، بالإضافة لما سببته الضغوط الاقتصادية من مردود سلبي وعنيف على الأفراد فأصبح هناك حدة في الطباع بشكل عام"، مشيرة إلى أن "مبادرة سند تقدم الدعم القانوني للنساء ولديهم وحدة طارئة تعمل على مدار 24 ساعة وأنهن حصلن على أحكام عديدة على المتحرشين وكل من يتعرض للمرأة بأذى"، موضحة أن النساء بحاجة لثقافة داعمة لهن ودعم إعلامي لقضاياهن، وكذلك للقوى الناعمة بشكل عام حتى يكون هناك حوار داخل الأسرة.
وشددت على أن تغليظ العقوبة لم يعد حل لأن الثغرات أحياناً تبرئ الجناة إلا أن العودة للإرشاد الأسري بات ضرورة في الفترة الحالية لكونه يتعاطى مع الثقافة العامة ويعمل على تغييرها بأساليب مناسبة لكل أسرة على حدي.