جنوب لبنان... نساء صامدات في وجه الهجمات والنزوح

في ظل الظروف الاقتصادية المتدهورة التي يعيشها لبنان، أثقلت الحرب التي شنت على مناطق الجنوب من أعباء الأهالي وخاصة النساء اللواتي بتن تتطلعن لفسحة أمان تحميهن.

فاديا جمعة

بيروت ـ تعرضن للنزوح الثاني في أقل من عشرة أشهر، حملن معاناتهن وانتقلنَ من وجع إلى آخر، وأكثر ما يطمحن إليه فسحة أمان وبعض رجاء في أن يعدن إلى ديارهن، أن يرممن حاضرهن والمستقبل، نساء جنوب لبنان ضاقت أحلامهن وبتن اليوم صامدات وهن في غربة قسرية يتمنين ألا تطول، وأن تنتهي اليوم قبل الغد.

نساء تمكثن في المدارس أو ما بات يعرف اليوم بـ "مراكز الإيواء"، واحتياجاتهن كثيرة وكبيرة، وبدلاً من المنزل يجتمعن أكثر من عائلة في صف واحد (فصل دراسي)، غير قادرات على استئجار منازل أو شقق بعد أن استنزفت الحرب مدخراتهن على مدى أحد عشر شهراً.

فالمشاهد في مراكز الإيواء في مدينة صيدا الجنوبية تدمي القلوب، ولكن رغم ذلك لم تضعف النساء وتمدن عائلاتهن بالقوة والصمود، كما قالت النازحة نهلة حسن أيوب البالغة من العمر 85 عاماً وهي من مدينة حولا "مع بداية الحرب توجهت إلى بيروت ومكثت فيها تسعة أشهر، ومن ثم عدت إلى بلدة شقرا بقضاء بنت جبيل، لأن بيتنا تهدم في حولا، ومنذ نحو أسبوعين جئنا أنا وزوجي المريض الذي يمشي مستعيناً بالعكاز"، مشيرةً إلى أن أبنائها توجهوا إلى منطقة عكار شمالي لبنان، ولا تستطيع اللحاق بهم.

وأضافت "ماذا أقول لكم؟ حولا لها تاريخها، فأنا لم أرى والدي الذي قتل خلال المجزرة التي وقعت عام 1948 من قبل إسرائيل"، لافتةً إلى أن سيناريو النكبة يعاد مرة أخرى.

وأشارت إلى أن الفئة الشابة بدأت بالتحرك وتقديم المساعدة لجميع النازحين، داعية جميع الأهالي بمساندة بعضهم البعض في هذه المحنة التي يمرون بها "أمضينا حياتنا من تهجير إلى تهجير ومن بلدة إلى بلدة منذ عام 1948 وإلى اليوم".

 

 

وهو الحال بالنسبة للنازحة نجمة الرضا وهي من بلدة يارون في قضاء بنت جبيل التي قالت إنهم كانوا يعيشون في سلام بعيداً عن الحرب، وفي إحدى الأيام بعد بدء الحرب في غزة، تم قصف بلدة رميش بقذائف مدفعية من قبل القوات الإسرائيلية، ليفقد أحد المواطنين حياته، مضيفةً "بعد فقدان الشاب حياته قيل لنا أنه علينا الخروج من البلدة حفاظاً على حياتنا، لذا توجهنا إلى حوش صور، وبقينا هناك لعشرة أشهر".

وحول نزوحهم في ظل الظروف الاقتصادية المتدهورة التي يعيشها الأهالي في لبنان، تقول "أتعلمون ماذا يعني النزوح في ظل الغلاء؟، هناك العديد من المرضى في عائلتي من بينهم زوجي البالغ من العمر 88 عاماً، وابني وحفيدي وهما من ذوو الاحتياجات الخاصة، كما كنا ندفع مبالغ باهظة لصاحب الشقة التي قمنا باستئجارها".

لم يتوقف الأمر عند ذلك فبعد أشهر من إقامتها في حوش صور، أجبرت وعائلتها على النزوح مرة أخرى إثر خرق جدار الصوت ليومين متتاليين "كل ما نتطلع إليه اليوم هو توفير فسحة أمان لنا"، مضيفةً "حملنا حوائجنا وأغراضنا وغادرنا منزلنا الذي قصفوه، وانتقلنا إلى صيدا ومن ثم إلى جزين".

وأشارت إلى أنهم يعيشون ظروفاً صعبة إثر ارتفاع الأسعار من حولهم، في ظل حالة النزوح الكبيرة التي تشهدها البلاد.

 

 

وكذلك نجت آية أحمد النازحة من بلدة البيسارية إلى مدينة صيدا، من الموت كما أوضحت "بعد تعرض بلدتنا للقصف قصدنا إحدى مدارس مدينة صيدا التي تم تحويلها لمركز إيواء، الحال هنا مزرٍ جداً فأنا وعائلتي نمكث في غرفة نتقاسمها مع عائلتين، نضع فاصلاً من القماش بين النساء والرجال".

وأردفت قائلةً "يتم يومياً تقديم وجبات طعام لنا وتغطية الاحتياجات الخاصة، ولكن هذا الواقع بحد ذاته صعب جداً، فنحن اعتدنا العيش بكرامتنا في بيوتنا، وما نعيشه اليوم هو مذل بالنسبة لنا، أولادي الثلاثة صغار جداً، وعليّ تحمل هذه الحالة ولا يسعني فعل شيء لهم".

وتابعت "لقد نجونا بأرواحنا وخرجنا بالثياب التي نرتديها ولا نملك المال لنستأجر بيت يؤوينا هذا إن وجدنا بيتاً، فالأسعار خيالية ونفذت البيوت الخالية، نضطر لاستخدام حمامات مشتركة موجودة في ملعب المدرسة، ولكم أن تتخيلوا هذا الواقع، مع انتشار الأمراض والجراثيم".