"جندريست"... مبادرة تستهدف خلق صحافة محلية تتناول قضايا النساء بأسوان

المرأة في صعيد مصر تعاني من واقع مركب تتقاطع فيه ألوان مختلفة من الضغوط الاجتماعية ويمكن وصفها بأنها الأتعس حظاً مقارنة بمن يقطن المدينة نتاج مركزية العمل بها.

أسماء فتحي

القاهرة ـ واقع النساء في أسوان مختلف ويتقاطع مع عدد من الضغوط التي يفرضها سياق المجتمع وأفكاره وثقافته عليهن وهو الأمر الذي جعل التحديات هناك غاية في الصعوبة لسيادة التكوين القبلي من جهة والعادات والتقاليد من جهة أخرى.

توجهت مجموعة من النسويات لبحث سبل تغيير واقع النساء هناك سواء من خلال المؤسسات أو المبادرات الشابة التي جعلت من قضايا النساء وهمومهن هدفاً يسعين للتعامل معه معتبرات أن كسر القوالب القبلية النمطية أحد أهم ركائز تحرير النساء ونجاحهن.

وللتعرف أكثر على واقع المرأة في أسوان وأهم التحديات التي تواجهها كان لوكالتنا حواراً مع نوال محمود العضوة المؤسسة بمبادرة "جندريست" التي تهدف لتسليط الضوء على قضايا المرأة هناك من خلال صحافة محلية بناءة تراعي النوع الاجتماعي وتدعم حقوق المرأة.

 

تتمتع مبادرات "جندريست" بطابع الخاص لعملها على الصحافة المحلية بأسوان... فما هي مجالات عملها واهتماماتها؟

مبادرة جندريست تعمل من أجل خلق صحافة محلية تتناول قضايا النساء وتراعي النوع الاجتماعي وهو أمر من شأنه أن يعالج جانب ليس بالقليل من الخلل المجتمعي في التعاطي مع ملف المرأة بشكل عام وقولبته، وتتفاعل المبادرة مع أغلب الأحداث بالرصد والتوثيق والتحليل وتفنيد ما يتم طرحه على الساحة الحوارية حول حقوق المرأة وما تتعرض له من انتهاكات مستندة في جوهرها على نوعها الاجتماعي.

عملنا على مجموعة أزمات جاء في مقدمتها مختلف الانتهاكات الناتجة عن الفكرة القبلية نفسها ومنها قضية الميراث على سبيل المثال وكذلك ملف التحرش وتشويه الأعضاء التناسلية للإناث، وسلطنا الضوء على بعض النماذج النسائية المضيئة في الحراك الاجتماعي وكذلك السياسي.

 

واقع المرأة في أسوان مختلف نسبياً عن باقي المحافظات... فيما هي الأزمات وأشكال الانتهاكات التي تتعرض لها النساء هناك؟

للأسف معاناة النساء في محافظة أسوان مركبة وتتقاطع مع العديد من السياقات التي تكبل كاهلهن وتحول دون قدرتهن على النجاح في حياتهن، فنحن نعيش داخل مجتمع قبلي له أفكاره الخاصة جداً والتي تتمحور حول إقصاء النساء من المشاركة في الحياة العامة باعتبارهن الأقل في الترتيب مقارنة بالرجال هناك وبالتالي لا يحق لهن مجرد التواجد على نفس درجة الرجال في مختلف مناحي الحياة من تعليم وأسرة وعمل وما إلى ذلك.

ويمكننا الوقوف على التقاطعات التي تعاني منها نساء الجنوب بداية من كونهن إناث وصولاً لبشرتهن السوداء والتي تجعل هناك عنصرية واضحة في التعامل معهن، ونضيف لذلك باقي الأزمات التي تتعرض لها كل امرأة داخل المجتمع الذكوري والتي تتمثل في الجور على حقها في الميراث ومنعها من اختيار ما تحتاجه.

ولكون الرجال يعتبرون النساء والفتيات في المجتمع القبلي ملكية خاصة فيقررون لهن ما يشاؤوه في أجسادهن ومنها القيام بتشويه أعضائهن التناسلية وكذلك تزويجهن في سن الطفولة بالإجبار.

 

تصاعدت وتيرة العنف خلال العامين الماضيين فماذا عن نساء أسوان وتأثرهن بتلك الموجة؟

العنف لدينا قابع ليس في حاجة لطفرات عامة أو تأثر بموجات ارتفاعه في العاصمة لكون النساء مسلوبات الإرادة تقبعن في قبضة يد الرجال المحيطين بهن وكأنهن ملكية خاصة يفعلون بهم كما يشاؤون.

والعنف موجود بشكل كبير لأن المجتمع تحكمه القبيلة والعادات والتقاليد وهناك قضايا لا تتحدث عنها النساء باعتبارها درب من "العيب"، وهناك أزمة متمثلة في المركزية فلا يوجد من يتحدث بشكل واقعي عن نساء الصعيد أو الوقوف على البيانات الدقيقة المتعلقة بالنسب والاحصائيات في القضايا المتنوعة ومنها التحرش.

وفي أسوان والصعيد بشكل عام لا توجد أية بيانات يتم رصدها بشكل ممنهج من أرض الواقع تتعلق بحجم العنف الممارس هناك ومدى تأثيره ونتائجه وذلك ناتج على استنفاذ المهتمين بقضايا المرأة في التعامل مع التقاطعية وواقع النساء في ظلها.

 

هل ترين أن واقع المرأة في أسوان مختلف من حيث ما تتعرض له من انتهاكات وماذا عمن تخرجن لخوض غمار سوق العمل خارج الأسرة؟

للأسف واقع النساء إجمالاً سيء للغاية إلا أن من يقطن في صعيد مصر تتكالب عليهم مجموعة من الأزمات يأتي في مقدمتها العادات والتقاليد التي تحول دون قدرتهن على النجاح، فضلاً عن التمييز الصارخ بين الجنسين وهو الأمر الذي ينال من أغلب حقوق النساء.

كما تعاني المرأة في أسوان من التنميط المجتمعي وحصرها في أدوار رعائية تتعلق بمهام المنزل والعناية بمختلف أفراده، ورغم أن الواقع تغير كثيراً والفضاء الرقمي فتح الآفاق أمام النساء للسعي نحو تغيير واقعهن للأفضل، إلا أن تلك المعاناة مازالت تحاصرهن.

كما أن هناك مفهوم غاية في القسوة وهو "العيب" فلا يحق للنساء من الأساس التحدث عما تعانينه داخل جدران الأسرة وخارجها حتى لا يتم وصمهن وإلقاء اللوم عليهن، وفيما يتعلق بفرص النساء في العمل فيمكنني ضرب المثال بمهنة الصحافة لا توجد أي فرص واضحة لهن ولا نستطيع الحديث عن تمكينهن لكون المحافظة خالية من الأماكن التي تستوعب الراغبات في العمل والجرائد المعتمدة هناك عادة ما تمنح الفرص للرجال، ولذلك نعمل على خلق كيانات مستقلة للعمل في الجنوب لكسر المركزية.

 

وما التحديات التي تواجهها النساء في أسوان؟

هناك العديد من المشاهد التي مرت وتفاعلنا معها في مبادرة جندريست واحدة منها حالة أستاذ جامعي كان يتحرش بالطالبات المشرف على رسالتهن وكان منصبه حساس وساعدتنا في تلك القضية مؤسسة جنوبية حرة، وتمكنا من تسليط الضوء على ما ارتكبه من انتهاكات في حق الفتيات والأطفال وهو أمر لم يكن معتاداً أو سهلاً خاصةً إن كنا نتحدث عن صاحب منصب أو سلطة على الضحايا.

وأخذت قضية تشويه الأعضاء التناسلية جانب كبير من اهتمامنا في المبادرة فضلاً عن قضية الذمة المالية المستقلة للنساء والحد من الفجوة بين أجور الجنسين وجميعها قصص وحكايا تفاعلنا معها وحاولنا دعم أصحابها إلى أن نلن جانب من حقوقهن المهدرة داخل مستنقع القبلية والتنميط.

ونعاني إلى حد كبير من المركزية وهناك جمعيات ومبادرات شابة تنحت في الصخر كجنوبية حرة التي تقدم جهود كبيرة من أجل القضاء على العنف والتمييز الواقع على النساء وكذلك المبادرات ومنها جندريست الهادفات لإحداث تغيير حقيقي في وعي الفئة المستهدفة داخل أسوان.

 

من خلال عملكم ما الحلول التي ترينها مناسبة للتعامل مع الواقع المنهك لحقوق النساء؟

الحلول تتطلب رغبة حقيقية في التغيير وتعاون بين جميع المعنيين بذلك الملف لأن عادة تكاتف الجهود يوفر الموارد اللازمة للتعامل مع القضايا وخاصة إن كنا نتحدث عن عادات وتقاليد راسخة في ثقافة المواطنين مما يجعل الأمر في حاجة لجهد ووقت وكذلك إمكانيات.

وواحد من أهم الحلول تتمثل في الأخذ بيد النساء لتجدن أنفسهن ويقفن على حقوقهن وهو الأمر الذي تسعى عدد من الجمعيات العمل عليه في أسوان لمنحهن الدعم اللازم سواء كان نفسياً أو قانونياً.

كما أن القضاء على المركزية ضرورة لكونه لا يفتح المجال بشكل مناسب أمام نساء الجنوب اللواتي تعانين من واقع أكثر تعقيد ويمكن تصنيفهن بأنهن الأسوأ حظاً.

كما أن توجه الجهود لتغيير وعي المواطنين بحقوق النساء وكسر حالة التنميط والاقصاء ضرورة لإحداث التغيير المأمول لذلك فللتعليم والمناهج الموضوعة دور رئيسي وكذلك الصحافة المحلية التي نسعى للنهوض بها، فضلا عن المؤسسات النسوية والحقوقية وكذلك المبادرات الشابة جميهم يمكنهم معاً إحداث التأثير الحقيقي.