حياتهن الزوجية تنتهي قبل أن تبدأ... قاصرات إدلب في مهب الريح

تساهم الحروب بانتشار ظاهرة زواج القاصرات، وخاصةً في بيئات النزوح، حيث تضطر الكثير من الأسر إلى تزويج بناتهم في سن مبكرة تحت وقع الظروف الصعبة، وغالباً ما ينتهي هذا الزواج بالطلاق.

هديل العمر

إدلب ـ انتهت الحياة الزوجية للكثير من القاصرات قبل أن تبدأ بعد أن سلبت منهن طفولتهن وفشلن في إدارة مسؤوليات كبيرة وجدن أنفسهن أمامها دون استعداد لها، ما أفضى لجعلهن مطلقات ولم تتجاوز أعمارهن السن القانوني نتيجة قلة خبراتهن الحياتية، وغياب الوعي بمسؤوليات الحياة الجديدة التي تلقى على كاهلهن.

دفعت الأوضاع المعيشية السيئة بأهل الفتاة القاصر فداء الطويل لتزويجها من ابن عمها قبل أن يتجاوز عمرها الرابعة عشرة، ولم تلبث أن انتهت قصة فداء الطويل بالطلاق، بعد تعرضها للتعنيف المستمر من قبل زوجها قبل أن تهرب إلى منزل أهلها طالبة منهم إنقاذها من حياتها البائسة تلك.

وتقول والدتها أمل الجبور أنهم وافقوا على تزويجها لأنهم نازحون، وأرادوا لها ظروفاً أفضل من حياتهم الصعبة، حيث كانوا يسكنون في منزل آيل للسقوط بعد تهجيرهم من قريتهم في ريف إدلب، مشيرةً إلى أن حمل ابنتها جعلها أكثر عصبية وتغيرت طباعها وحالتها النفسية، وهو ما لم يتقبله الزوج الذي راح يعنفها ويسيء معاملتها ما أفضى لإجهاضها وطلاقها في نهاية المطاف.

ولا تخفي أمل الجبور ندمها على التسرع في تزويج ابنتها التي تركت الدراسة وقضى الزواج على أحلامها وطموحاتها وباتت مطلقة في سن مبكرة، وهو ما فرض عليها حياة جديدة رسمها لها المجتمع يسودها النظرة الدونية للمطلقات.

وتنصح الأمهات بالوقوف بوجه هذه الظاهرة التي راحت تزداد بشكل كبير في المجتمعات المحلية نتيجة تفكير الأهل الخاطئ بأن الزواج سيجعل الفتاة سعيدة وسيخلص الأهل من همومها وأعبائها "لن تنتهي معاناة الفتيات والأهل بزواج الفتاة كما اعتقدنا بل ازداد الأمر سوءاً وكانت النتيجة عكسية وهو ما أيقنته بعد تجربة ابنتي القاسية التي سأحمل وزر الموافقة على تزويجها بهذه السن المبكرة مدى الحياة".

ومع زيادة نسب تزويج القاصرات، تجبر الفتيات على ترك مقاعد الدراسة في عمر مبكر، لا سيما مع زيادة النفقات الدراسية وعدم قدرة السواد الأعظم من الأهالي سيما النازحون منهم على تغطية المصاريف الدراسية لبناتهم ما يدفعهم لتزويجهن.

انتهت أحلام راما الجلوم (15) عاماً الدراسية بعد أن اختار أهلها تزويجها من رجل يكبرها بخمسة عشر عاماً، لتجد نفسها في قفص الزوجية الذي لم تخطط له، ولم تكن تعرف عنه سوى حفلة الزفاف وشراء الحلي وارتداء الفستان الأبيض، لكن الصدمة كانت بأن زواجها لم يستمر أكثر من سبعة أشهر.

وعن أسباب طلبها للطلاق قالت راما الجلوم أنها لم تحتمل عصبية زوجها ومزاجيته، وانتقادات أهله المتكررة لتصرفاتها، وسخريتهم منها وإهانتها في كل فرصة، فما كان منها إلا العودة إلى بيت أهلها طالبة الطلاق.

وترجو أن تتعافى من هذه التجربة "المؤلمة" ولا تعلم إن كان بإمكانها تجاوز محنتها والعودة إلى حياتها الطبيعية بعد ما لاقته من معاناة في زواجها الذي جعلها مطلقة وهي لم تتجاوز السادسة عشرة من عمرها.

وتشترك بهذه المعاناة رحيل القرجي (17) عاماً النازحة من مدينة معرة النعمان إلى مخيم في أطمة، التي تزوجت بعمر الرابعة عشرة، ولا تزال قضية طلاقها متعثرة وعالقة في المحاكم، بعد أن رفض الزوج تثبيت طلاقها في المحاكم للتخلص من إعطاءها كافة حقوقها.

وأوضحت أنه بعد وفاة والدها ونزوحها من مدينتهم خان شيخون اضطرت للإقامة مع أمها وأخوتها في مخيم عشوائي يفتقد أدنى مقومات الحياة، لذلك قررت والدتها تزويجها لأول شاب تقدم لخطبتها ظناً منها أنه سيخلصها من حياة النزوح والتشريد.

وبدورها قالت المختصة بالإرشاد النفسي رؤى حاج حميدي (42) عاماً عن أثر الطلاق على القاصرات أن تزويج القاصرات يترتب عليه الكثير من "التبعات والمآسي الاجتماعية والنفسية".

وأضافت أن زواج الفتاة القاصر بمثابة تعد على طفولتها، وتدمير لمستقبلها، لكونها ليست متهيئة لهذه التجربة بعد، فتكون غير قادرة على حل مشاكلها، وكيفية العناية بالأسرة، والتعامل مع محيطها الاجتماعي، الأمر الذي يعرضها لمشكلات كثيرة سرعان ما تنتهي بالطلاق بعد فترة قصيرة.

وأشارت إلى أن القاصر التي تعيش تجربة الطلاق تمر باضطرابات نفسية عميقة، خاصةً أنها تكون في مرحلة بناء الشخصية، الأمر الذي يؤثر سلباً على صحتها النفسية وتقديرها لذاتها، لافتةً إلى أن المجتمع يضع دائماً اللوم على المطلقة لوصولها إلى هذه المرحلة، مما يولد لديها الشعور بالعزلة والاضطراب والتوتر والقلق، ويخل بمهارات التواصل مع الآخرين.

وشددت رؤى حاج حميدي على ضرورة تشجيع الفتيات على إكمال تعليمهن أو تعلم المهن المختلفة لتواجهن بها ظروف الحياة، فضلاً عن توعية الأهالي بمخاطر الزواج المبكر الذي لا يؤثر على القاصر وحسب بل على المجتمع بأكمله مع وجود أمهات صغيرات غير واعيات وغير مؤهلات من جميع النواحي النفسية والفيزيولوجية والاجتماعية.