حول تجربتيّ النزوح والعودة... ضرورة تمكين النساء في لبنان

الحرب والنزوح لا يتركان أحداً بمنأى عن تأثيراتهما المدمرة، إلا أن المرأة غالباً ما تكون الأكثر تأثراً بهذه الأزمات، وهنا يبرز ضرورة تمكين النساء لتحسين ظروف استجابتهن للأزمات في أي ظرف مكاني أو زماني.

فاديا جمعة

لبنان ـ في لبنان تحولت المرأة إلى محور رئيسي يتحمل أعباء مضاعفة على الصعيد المجتمعي والأسري مع تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية فضلاً عن دورها المحوري الذي تقوم به خلال مواجهتها للتحديات وبناء مجتمعات أكثر تماسكاً.

انطلاقاً من دورها والمسؤوليات التي تثقل كاهلها، لا يمكن تجاهل أهمية تمكينها اقتصادياً واجتماعياً ليس فقط كحق إنساني، بل لتحصينها وقت الأزمات خاصة وأنها أثبتت خلال الحرب الأخيرة أنها عامل مؤثر ومهم قادر على تخطي المصاعب وتحقيق التغيير الإيجابي المنشود في المجتمع.

حول رحلة النزوح التي عاشتها تقول الناشطة الاجتماعية رنا غنوي من بلدة حولا الحدودية تقول إنه "منذ السابع من أكتوبر عام 2023 أعمل في موضوع الإغاثة، أولاً لأنني جنوبية وثانياً لأنني موظفة في الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوقين حركياً، وبالتالي عملي مع الفئات المهمشة أو الفئات الأكثر هشاشة كأشخاص معوقين، إلى أن حل علينا تاريخ 23 أيلول لنصبح نحن الحدث والحكاية، كان أهلي حينها نازحين من بلدة حولا إلى بيتي، ومع توسع رقعة الحرب أصبحنا جميعاً في مهب النزوح".

وتابعت "توجهنا إلى بيت صديقة لي في منطقة آمنة وكانت توقعاتنا أن الحرب لن تتخطى الأسبوع ولكن مع استمرار الحرب كان عليّ أن أبحث عن بيت آخر لنستقر فيه بعد أن اصطدمنا بالمجتمع الذي لا يحترم المعايير الإنسانية، لا بل يكرس المعايير الذكورية والتي تصنف المرأة كحلقة ضعيفة وهذا تحديداً ما واجهته المرأة التي استضافتنا، عندما اعتبر محيطها بأن والدي المقعد رجل غريب عن أصحاب البيت ولا يجوز أن يبقى معهم تحت سقف واحد بالتالي لم يتقبل المجتمع فكرة استضافتها لنا ووجودنا في بيتها، رغم الاستقلالية التامة داخل المنزل، ولعدم التسبب في إحراجهم بدأت البحث عن بيت مستقل آخر".

وكانت أبرز التحديات التي واجهوها كعائلة نازحة هي تأمين أو ايجاد منزل لهم "على الرغم من وجود مراكز إيواء إلا أن وضع والدي الصحي لا يسمح أبداً بأن نتوجه إليها، ومع اشتداد الطلب على البيوت، توجهنا نحو عكار في شمال لبنان حيث استضافتنا صديقة أخرى في بيتها التي أخلته تماما لنا، ولكن رغم كل ما قدمته صديقتي لي إلا أن فكرة أنني مستبعده عن منزلي وعن بلدتي ومنطقتي كانت صعبة والحرب بطبيعة الحال صعبة، خاصة عندما تترافق مع القلق والتوتر الذي عشناه في هذه المرحلة".

 

بعد قرار وقف إطلاق النار

رحلة النزوح تلك أثقلت كاهل رنا غنوي وكانت تتوق للعودة إلى منزلها وتنتهي رحلة النزوح، وهو ما تحقق مع صدور قرار وقف إطلاق النار "بقي زوجي في الجنوب وكنا بحالة ترقب للأحداث وأماكن الاستهدافات وانتظار أن ننجو منها وينجو منزلنا وممتلكاتنا، إلى حين صدور قرار وقف إطلاق النار، قصد زوجي المنزل ووجده مدمر جزئياً فعرض علي البقاء لمدة 10 أيام إضافية في الشمال لحين رفع الردم والقيام بأعمال الصيانة والتنظيفات الأولية وتأمين الخدمات التي انقطعت كلياً من كهرباء ومياه وطعام وغيره، ولكن لم استطع البقاء يوماً واحداً إضافياً، لذا عدت مع العائدين صباحاً إلى منزلي المدمر بشكل كبير".

بعد عودتها إلى منزلها بدأت رنا غنوي بتنظيف منزلها الذي كان يحتاج لترميمه "فور عودتي تخلصت من جميع الأثاث لأنه لم يعد يصلح حتى للتنظيف أو الترميم وقررت رغم سوء الحال أن أبقى في المنزل، قمنا بلصق النايلون على النوافذ عوضاً عن الزجاج في الفترة الأولى وبدأنا تدريجياً إصلاح المنزل واستغنينا عن الجزء المدمر منه، تجمعنا في الأسبوع الأول في غرفة واحدة مع أهلي وعائلتي وبدأنا عمليه الإصلاح والترميم يوماً بيوم، ثم عاود أهلي استئجار منزل لهم في إحدى القرى المجاورة تمهيداً لعودتهم  إلى بلدتهم حولا بعد انقضاء ٦٠ يوم المقررة للعودة على الرغم من عدم وضوح الرؤية وعدم معرفتهم ما إذا كان منزلهم ما زال موجوداً أم تدمر"، مضيفةً "عشنا هذه الفترة كالكشافة في مخيم كشفي، كانت حياتنا بدائية في مختلف تفاصيلها حتى لم يكن باستطاعتنا طهي الطعام فاعتمدنا في غذائنا على المعلبات الجاهزة".

 

استجابة النساء للأزمات

وأكدت رنا غنوي على أن "معظم هذه التحديات كانت متوقعة ولكن أثناء عملي في الإغاثة في عكار خلال الحرب لاحظت الاختلاف ما بين طريقة استجابة النساء المتمكنات للأزمات والغير متمكنات".

وأشارت إلى أن ثانِ تحد واجهته النساء فترة النزوح هو أن غالبية الرجال في الجنوب رفضوا النزوح، حيث اضطرت النساء للنزوح مع أولادهن وحدهن، وبعض اللواتي كنّ متكلات في حياتهن ومعيشتهن على الرجل وجدن أنفسهن مجبرات على تحمل كامل المسؤوليات، ولأن هذه الفئة غير متمكنة غالباً علمياً وثقافياً، كانت استجابتهن أضعف وأقل من المستقلات والمتمكنات، فالفئة الثانية لم يتغير عليها سوى الجغرافيا وتحملت كامل مسؤولياتها أما بالنسبة للفئة الأولى فكانت أكثر هشاشه لاعتمادها على الرجل.

وقالت في ختام حديثها "هذه الملاحظات التي رصدتها خلال الحرب، كانت بالنسبة لي أول وأكبر وآخر درس تعلمته وهو أن تمكين النساء يحسن من ظروف استجابتهن للأزمات في أي ظرف مكاني أو زماني، هذا ما شاركته في أول اجتماع على صعيد لبنان ثان يوم لوقف إطلاق النار وكان بمثابة توصية مني للمعنيين بضرورة العمل على تمكين المرأة".