هرباً من الوحدة والعوز تفترش الأرض لغزل الصوف وكسب الرزق
في سوق شعبي تابع لأحد الأحياء البغدادية المعروف بالصدرية وهو حي متداخل بسوق شعبي يعود تاريخه إلى العصر العباسي، تفترش كريمة حنون الأرض وتغزل الصوف
غفران الراضي
بغداد ـ .
وسط ضجة السوق الشعبي تشارك السبعينية كريمة حنون أو كما تعرف في الحي بأم غايب، بينما تصنع قطع التنظيف الشعبية التي تستخدم للاستحمام من الصوف بعد غزلها، تفاصيل يومها مع الحي وأفراده هرباً من الوحدة والعوز إلى يومٍ مليء بأحداث متغيرة.
تقول كريمة حنون التي كانت تغير مكان رزقها بين الحين والآخر سعياً للأفضل، أنها استقرت في السوق الشعبي بالصدرية منذ عامين أو أقل بقليل.
بسبب الظروف المعيشية الصعبة، قررت كريمة حنون التي تعيش بمفردها بعد أن توفي زوجها منذ قرابة الخمسة عشر عاماً ولم ترزق بأطفال، بيع منزلها للاستفادة من ثمنه بشراء بيت صغير يأويها، وتفتح به مشروع صغير أو كشك.
إلا أنها خسرت كل تملكه بعد تعرضها لحادث سرقة، وبالرغم من أن الحادثة مرت عليها قرابة السبع سنوات، إلا أنها تتذكرها وتخبر به كل مستطرق يسألها عن حالها لتفريغ شحنة المرارة التي ملأت قلبها "خسرت نقودي لكن لا أزال بصحة جيدة، هناك العديد من الأشخاص يقدمون لي الطعام المجاني ويتكفلون بعلاجي".
وعند سؤالها عن المكان الذي تنام فيه أو البيت الذي تعيش فيه أشارت إلى أنها وجدت منزلاً يأويها دون دفع الأجرة "أعيش في بيت صغير مالكه متعاطف معي ولا يطلب مني أجرة الدار ويسأل عني دائماً ويعرض عليَّ المساعدة ان احتجت لشيء ما".
بلهجتها الشعبية البغدادية تعبر عن حبها لمنطقتها رافضةً الابتعاد عن المكان الذي ولدت فيه وعاشت فيه أياماً بحلوها ومرها "حاولت أن ابتعد عن حي الصدرية وأن أجد مكاناً آخر لكن قلبي لم يستطع تحمل الفراق فأنا مرتبطة بهذا الحي، كبرت مع أزقته التي فقدت لمعتها كما فقدت أنا شبابي"، وأضافت "لدي علاقة جيدة بأهالي الحي، لا زلت أتذكر ولادة بعض الشباب الذين ولدو على يدي، لقد كنت أساعد نساء المنطقة في أوقات ولادتهن، لقد كان ذلك يسعدني كثيراً".
وأضافت "أشعر بالمتعة وأنا أزاول هذه الحرفة البسيطة، بينما أتبادل أطراف الحديث مع المارة، أشعر أن الجميع هنا أولادي اسأل عنهم ويسألون عني".
وعن سبب عدم لجوؤها إلى دار رعاية كبار السن أو عدم مكوثها لدى أقاربها، تقول "كانت لي أخت وحيدة توفيت قبل خمسة أعوام، لديها فتاة وحيدة وهي قد هاجرت إلى أوروبا قبل وفاة والدتها بأعوام. عادت بعد وفاة والدتها لتبيع المنزل الذي ورثته وتغادر مرة أخرى"، تتابع وهي تحاول إخفاء ملامح الحزن ولكن عبثاً تحاول "لا أريد أن أشعر بالوحدة، لا أريد الذهاب إلى دار رعاية المسنين، لأنني لا أستطيع العيش في مكان غريب يجمع الغرباء حتى وإن كان يقدم خدمات جيدة، لأن الأمر يتعلق بالوحدة والفراغ وهذا يدفعني للتفكير بما حدث وبما سيحدث وسأشعر بأنني في أيامي الأخيرة".
وحدتها وعزلتها أصاباها بوحشة الليل حتى أن الخوف كان يداهمها عند سماع أصوات غريبة كما تقول، فقد أشارت إلى أنها في إحدى الليالي مرت بحادثة مضحكة مبكية كما وصفتها "قضيت إحدى الليالي وأنا خائفة أنتظر طلوع الفجر بسبب صوت غريب ظننته نحيب شخصاً ما، وفي اليوم التالي علمت أن مصدر الصوت كان خرير مياه لصنبور قديم متهالك في المطبخ".
الخوف والأوهام التي تتملكها لم يثنيها عن التفاؤل وحب الحياة والاستمرار في العمل، إلا أنها لا تخفي خوفها من الموت في البيت الصغير وحيدة وهي في هذا السن الذي يحتاج فيه الشخص إلى أناس يحيطون به ويرعونه "أخاف أن اموت ولا أحد يعلم بموتي، حتى أنني كنت قد أوصيت صاحب الدار والجيران أن يدخلوا المنزل إن لم أخرج من البيت أو افتقدوني ليوم واحد".