ذاكرة الأمهات تحتفظ بتفاصيل مجزرة نوروز
مرت 9 سنوات لكن الأمهات لا تنسين فلذات أكبادهن لذلك شكل النوروز لديهن ذكرى مؤلمة وما تزلن تطالبن بمحاسبة مرتزقة داعش وإخضاعهم لمحاكمة عادلة، مؤكدات أنه "في كل عام تنزف جراحنا".
دلال رمضان
الحسكة ـ يحتفل الكرد في إقليم شمال وشرق سوريا بعيد النوروز في 21 آذار/مارس من كل عام، ولكن هذه المناسبة شكلت لدى أمهات ضحايا التفجير الذي وقع في مكان الاحتفال بمدينة الحسكة عام 2015 ذكرى مؤلمة تتجدد كل عام
بسيارتين مفخختين تم ركنهما بجانب ساحة الاحتفال بحي المفتي ارتكب مرتزقة داعش مجزرة في مدينة الحسكة عشية الاحتفال بعيد النوروز عام 2015 وذهب ضحية ذلك التفجير 54 شخص وجلهم من الأطفال والنساء.
قالت خناف حمو والدة الطفلين أحمد ومحمد عامر ججو اللذان راحا ضحية الانفجار أن محمد كان يبلغ من العمر 6 أعوام وأحمد 5 أعوام "كنا نستعد للاحتفال بهذه المناسبة مثل جميع الكرد الذين ينتظرونها، وكان طفلي سعيدان جداً لأنهما سيحتفلان في الساحة المزينة من أجل هذه المناسبة".
وأضافت "ذهبنا جميعاً ولكون بيتي قريب من مكان الاحتفالية عُدت إلى المنزل لأخذ معطفي لأن الجو كان بارداً بعض الشيء، وعند وصولي إلى باب المنزل سمعت صوت التفجير الأول وتلاه التفجير الثاني وحينها أدركت بأن شيء ما حدث لأطفالي وزوجي لذلك ركضت مسرعة والخوف يملأ قلبي حتى وصلت مكان التفجير".
وأكملت عن اليوم الذي قالت إن صدمته ما زالت ملازمة لها حتى اليوم "بحثت عنهم لكنني لم أجد حينها أي أحد وبدأت سيارات الإسعاف وقوى الأمن تطوق المكان، وتم إسعاف الضحايا والمصابين إلى المشافي ولم نعرف إلى أي مشفى تم نقلهم لذلك بحثنا عنهم في جميع مشافي مدينة الحسكة، وبعد البحث المضني وجدت ابني الصغير أحمد مفارق الحياة ومن بعدها عرفت أن الكبير محمد أيضاً فارق الحياة وأصيب والدهما بجراح بليغة حيث بقي لمدة ستة أشهر في الفراش لا يستطيع الحركة والمشي بعد أن أصيب بشظايا في جسده وخاصةً ظهره ، ولكنه لم يشفى بشكل تام فحتى اليوم يعاني من الألم".
وأكدت أن استهداف المدنيين عمل إرهابي جبان، وأضافت "لم استطع توديعهما وحتى والدهما لم يعرف بموتهما إلا بعد أربعة أيام لأنه كان يتلقى علاجه في مدينة قامشلو... لم اتحمل رؤيتهما بدون حياة، لقد شعرت بالذنب لأنني اخذتهما إلى مكان الاحتفالية ولم أبقى معهما، ولا يمكنني نسيانهما ونسيان تلك الليلة المشؤومة على جميع الأمهات والشعب الكردي، لقد رزقت بعدهما بطفلين ولكنني لا استطيع نسيانهما، وأريد تحقيق العدالة لهم ومحاسبة مرتكبي تلك المجزرة، فداعش ما يزال موجود ونريد إنهاء هذا الوجود في مناطقنا لنضمن عدم تكرار مثل هذه المجازر بحق شعوب المنطقة"، متسائلةً "ما ذنب هؤلاء الأطفال فأحمد ومحمد قُتلا على يد من كانوا ينادوا باسم الإسلام؟".
كذلك أكدت ناديا مراد والدة الطفل جوان محمد الذي كان أحد ضحايا التفجير الإرهابي وكان يبلغ من العمر 12 عاماً، تقول "الاحتفال بليلة النوروز من الطقوس التي يحافظ عليها الشعب الكردي في كل عام وعلى مر آلاف السنين، لأن النوروز يعني لنا الكثير وهو يوم للمقاومة والنضال ضد كافة أشكال الظلم والاستبداد الذي مورس ضدنا، وهو يوم قومي لنا ونحتفل به في كل عام بكل حماس وفرح، ومثلي مثل جميع النساء بدأت التحضيرات من أجل ذلك، واشتريت لابني جوان الملابس الفلكلورية والعلم الكردي وكان سعيداً جداً بها ولكن فرحتنا وفرحته لم تكتملان، وذهبنا مع الأهل والأصدقاء إلى ساحة الاحتفالية ورقصنا وعقدنا حلقات الدبكة وعدت إلى المنزل لكن جوان قال أنه يريد البقاء مع أصدقائه ولأن منزلنا قريب سمحت له بذلك".
وأضافت "بعد عودتي بعشر دقائق سمعت صوت التفجير والذي كان قوياً جداً، وأسرعت بالعودة، وكانت سيارات الإسعاف قد وصلت وبدأت بنقل الجرحى والضحايا وبحثت عن ابني في كل مكان وسألت عنه لكن لا أحد يعرف ما حدث له".
وسارعت إلى المشافي للبحث عنه "جراء العدد الكبير للمصابين والضحايا تم توزيعهم على مشافي المدينة، وطال بحثي حتى منتصف الليل وكانت المشافي ممتلئة بالجثث... لن أنسى ذلك اليوم حتى لو مر مئة عام، فمع كل نوروز تنزف جروح قلوبنا وكأنه نفس اليوم الذي استشهد فيه ابني".
ما يزال مكان جوان خالياً كما تقول والدته "كان في الصف الخامس وهو طالب مجتهد، لدي خمسة أطفال 3 فتيات وطفل من ذوي الاحتياجات الخاصة، لقد أثر استشهاده علينا جميعاً وبشكل خاص على اخته التي تصغره والتي دخلت في حالة صدمة وفقدت النطق لفترة طويلة".
ولكن رغم هذا الألم تقول "سوف نبقى متمسكين بأرضنا أكثر ولن نتخلى عنها، ابني مثله مثل جميع الشهداء ومثلي كجميع الأمهات اللواتي فقدن فلذات أكبادهن في سبيل العيش بحرية وسلام، وسنبقى نحتفل بنوروز في كل عام مهما حصل محافظين على تقاليدنا وعادتنا التي تدل على هويتنا وقوميتنا، صحيح أنني فقدت أبني في تلك الاحتفالية إلا أنني احتفل بنوروز في كل عام مع عائلتي، لأنها مناسبة تمثل القضاء على الظلم والاستبداد".
ونطالبت بمحاسبة مرتزقة داعش ومحاكمتهم محاكم عادلة "على الدول المعنية محاسبة مرتزقة داعش والقضاء عليهم لأنهم مازالوا موجودين ويرتكبون المجازر بحق شعوب المنطقة، ونريد حق أطفالنا وحق جميع الضحايا، ونحن اللواتي فقدنا أبنائنا علينا التمتع بالقوة والإرادة والمقاومة والتصدي لجميع من يحاول كسر إرادتنا".