حاربت الإعاقة بالإرادة... فتعلمت رغم كل الظّروف
أبت فيدان بوزان أن تكون الإعاقة وانتقادات الآخرين حجر عثرة في طريق مواصلتها للتعلم والحياة، فلم تتوارى عن الأنظار بل انخرطت في المجتمع لتؤسس حياتها الخاصة
دلال رمضان
كوباني ـ .
في غالب الوقت تكون الإعاقة سبباً لشل حركة الإنسان، فهي تدمره نفسياً بدايةً، ثم تضعف ثقته بنفسه، وتجعله منعزلاً، انطوائياً، يخاف من مواجهة المحيط، ولا سيما إن كان هذا الشّخص امرأة في مجتمع ينظر إلى كمال صفاتها الجَّسدية، ولكن لكل قاعدة شواذ.
فيدان بوزان (35) عاماً، من قرية صولان التّابعة لمقاطعة كوباني في شمال وشرق سوريا، تعاني من خلع الولادة في رجلها، لديها 8 أخوة، وهي الصغيرة بينهم، درست المرحلة الابتدائيّة في مدرسة قريتها، تقول "أحببت التّعلم، ورغبت بمتابعته، ولكن نتيجة للعادات والتّقاليد والوضع المادي الصّعب لأسرتي، لم أتمكن من ذلك فالعائلات كانت ترى ذهاب الفتيات للتعلم في المدينة عيب".
وتضيف "أمنت لي عائلتي الكتب لأدرس في المنزل، ولكن ذهابنا لبلدة المنصورة في مدينة الرَّقة وعملي بالزَّراعة، حال دون ذلك، وعلى الرَّغم من إلحاح أقاربي على متابعة تعليمي، إلا أن والدي رفض بسبب تخوفه من كلام الآخرين".
وبدأت فيدان بوزان بالعمل في منزلها والزّراعة، وتعلم حياكة الصَّوف والنَّسيج، مع متابعة قراءة الكتب العربية وكذلك قرأت الكتب الكردية بسرية تامة لأنها كانت ممنوعة في تلك الفترة، "جميع فتيات كوباني كنَّ يتعلمنَّ اللغة الكردية، لأنها جزء من ثقافتنا وتراثنا".
وعندما توفي والدها وهي في سن صغيرة، بقيت ووالدتها التي عانت من عدة أمراض مُزمنة وحيدتين في المنزل، وفي عام 2014 مع بدء هجوم مرتزقة داعش على كوباني هُجرت وعائلتها إلى شمال كردستان، وعادت بعد تحريرها في عام 2015، لتبدأ بتعلم اللغة الكرديَّة والأدب الكردي عام 2016، وتدرسها لأطفال قريتها بعد نجاحها بتفوق "حاولت علاج والدتي التي كانت تشجعني إضافة للتعلم، ولكنني لم أسلم من كلام النَّاس الذين واصلوا انتقادي".
ورغم هذا لم تستلم وسمعت نصيحة والدتها التي قالت لها "تعانين من الإعاقة ولكن عليك الاعتماد على نفسك ومواصلة حياتك، لتكوني الأفضل، والدّراسة سلاحك لهذا"، وبعد شهر من ذهابها للأكاديميّة توفيت والدتها، والآن تعيش مع عائلة أخيها، وهي رئيسة مشتركة لكومين القرية، إضافة لكونها عضوة في حزب الاتحاد الدَّيمقراطي.
ولم تتوقف فيدان بوزان عن العمل بزراعة القمح والشَّعير والكمون والعدس، وافتتحت محل الألبسة في المنزل لبيع القطع التي تخيطها بنفسها، كما أنها تعلم الأطفال الرَّسم، "لن أسمح لإعاقتي أن تقف أمام تقدمي، بل على العكس زادت إراداتي وقوتي، وبفضل عزيمتي وصلت إلى ما أنا عليه اليوم، بتشجيع عائلتي وعدد من أقاربي، فالإعاقة بالعقل لا بالجسد، لأن العقول المنفتحة قادرة على إنجاز المُستحيل".
ويعاني حول العالم العديد من الأشخاص من قلة الثّقة بالنفس نتيجة إصابتهم بالإعاقة، فيبقون متوارين عن الأنظار، لذا دعتهم فيدان بوزان إلى التّحلي بالإرادة والقوة والصّبر، وعدم السّماح لشيء بوقف سير حياتهم.