هاجس الموت يلازم نساء غزة النازحات بمراكز الإيواء

في ظل اشتداد وتيرة الغارات الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة، نزح آلاف السكان إلى المدارس ومراكز اللجوء هرباً من الموت الذي طاردهم حتى إلى تلك الأماكن بعد استهدافهم لأكثر من 150 مرة.

رفيف اسليم

غزة ـ يفتقر النازحون في مراكز اللجوء لأدنى مقومات الحياة المتمثلة بالحصول حتى إلى المياه النظيفة، في وقت تتفاقم فيه معاناة النساء والفتيات في ظل انعدام الخصوصية، وفقدان الكثير من الاحتياجات الأساسية الخاصة بهن كنساء.

تستمر القوات الإسرائيلية خلال هجومها على قطاع غزة منذ عشرة أشهر في استهداف مراكز الإيواء التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا"، والتي يلجأ إليها النازحون خاصةً الأطفال والنساء بعد أن تم هدم منازلهن بالأرض، ولم يتبقى لهن مكان آخر يذهبوا إليه في ظل اشتداد وتيرة الغارات والتلوث والمجاعة بشمال المدينة.

تقول النازحة صفية طوطح إنها خلال الهجوم الحالي ذاقت مرارة التشريد والتهجير 5 مرات منذ بداية الهجوم الحالي، بعد أن قصف منزلها الواقع شرق مدينة غزة في حي الزيتون ولم يتبقى لها سوى المدارس كي تلجأ إليها للاحتماء من نيران الغارات الإسرائيلية برفقة 12 فرد من عائلتها، ولا تعرف هل ستنجو بالفعل أم ستكون نهايتها داخل تلك المدرسة.

وأضافت أنها استغنت عن الكثير من الأمتعة التي حاولت استخراجها من ركام منزلها المدمر خلال مرات النزوح كأواني الطبخ على سبيل المثال، كي يسهل عليها التحرك من مكان لآخر، واكتفى كل فرد من أفراد عائلتها بحقيبة تحمل على الظهر بها بعض الملابس وحقيبة أخرى كبيرة يشترك بحملها الجميع ليحتفظ بداخلها بزجاجة مياه وبعض أرغفة الخبز وأي طعام متوفر سواء كان معلبات أو الزعتر المطحون.

وتعاني صفية طوطح، وعائلها من عدة معوقات حولت حياتهم بمركز الإيواء لجحيم منها الحصول على المياه ولا يشترط أن تكون نقية أو صالحة للشرب بل ما تيسر من المياه يحملنها لمسافات طويلة بعد جمعها في أواني حديدة وربما جالونات بلاستيكية لسد الاحتياجات اليومية التي تزداد مع اشتداد حرارة الصيف الحارقة من استحمام، وغسيل الألبسة، وغسل الصحون وغيرها.

وتعد مشكلة الكهرباء هي الأبرز، فتروي صفية طوطح أن الأهالي نسوا تماماً كيف تكون المياه البارد للشرب كما أنها قد لا تتمكن من شحن البطارية لتشغيل مروحة تلطف من حرارة الجو ورطوبة المكان، حتى أنها قد لا تستطيع شحن هاتفها المحمول للاطمئنان على باقي أفراد عائلتها جنوب القطاع عدا عن انعدام الخصوصية وفقدان الكثير من الاحتياجات الأساسية.

أما بالنسبة للطعام، أوضحت أن الجميع فقد وظيفته أو مصدر رزقه فمن نجى من القصف لم ينجوا من نيران الحرق على يد القوات الإسرائيلية، لذلك أصبحت العائلات تعتمد على المساعدات الغذائية التي تحتوي على بعض الأطعمة المعلبة والأرز والبرغل، لافتةً إلى أنها قد لا تشبع البطون لكنها تقي من آفة الجوع.

وعن استهداف مراكز الإيواء، أشارت إلى أنه لم يكن هناك مكان تلجأ إليه سوى تلك المدرسة التي تقطن داخلها اليوم، لذلك فهي مضطرة للبقاء على الرغم من جميع المخاطر، محاولة السيطرة على مخاوفها في كل مرة تسمع بها عن استهداف مركز للإيواء، وطمأنت الصغار خاصة أنه لا مكان آمن في قطاع غزة ولن يتحقق الأمان سوى بانتهاء الحرب. 

 

 

من جانبها قالت ميساء أسليم بأنه لا مكان آمن بغزة، فقد تم قصف المشفى والمدرسة والمسجد والبيت على رؤوس قاطنيه فإلى أين تذهبن بأنفسهن هل عليهن التبخر بالهواء لكي تدفعن عنهن ذلك العذاب، لافتةً إلى أنه حتى الموت الذي كان يظنه البعض راحة لم يعد كذلك، لأن المقابر جرفت وتم نبش ما بداخلها وتركت الجثث لتأكلها الكلاب الضالة.

ولفتت إلى أنها في كل مرة تقابل بها أم شهيد تفكر "ماذا لو كانت مكانها"، فخلال سكنها في مركز الإيواء يكاد لا يمر يوم دون أن تسمع نحيب متواصل في ساحة المدرسة لأم فقدت نجلها سواء باستهداف قريب أو بعيد من المركز، متسائلة متى سينتهي ذلك الكابوس وترمي النساء عن عاتقهن ما حملته من كبت وخوف وجوع وتشريد وانتهاك لكافة حقوقهن الإنسانية.

وقالت ميساء أسليم أنها كغيرها من النساء في قطاع غزة تهجرت عدد من المرات تكاد لا تستطيع عدها، بعد أن قصف منزلها وهي داخله وأخرجتها قوات الدفاع المدني من تحت الأنقاض، لتعايش ما تعايشه اليوم من مرارة السكن في مراكز الإيواء المهددة بالنسف في أي لحظة ولا تعرف هذه المرة هل ستنجو أم ستخرج بإعاقة؟

ودعت جميع النساء لوضع أنفسهن مكانها وتتخيلن، بعد أن كان لها منزل واسع ونظيف وأولاد يذهبون للمدرسة، تعد لهم الطعام على الغاز في مطبخها وتنام في غرفة خاصة، وفجأة يذهب كل ذلك وتتحول للعيش في غرفة واحدة مع 35 فرداً من العائلة في مكان لا تصله المياه، وإن حصلت عليها تكون ملوثة، فيما يكون إعداد الطعام كل يوم على الحطب، والغسيل على اليد إن توافرت مواد التنظيف.

وأوضحت أنها في كل مرة تسمع بها باستهداف قريب يهوي قلبها لتركض إلى باحة المكان وتتأكد أن أولادها بخير، وكذلك بقية أفراد العائلة التي تنزح معها في ذات المركز، لتستعيد توازنها وتستعد لما ستخلفه الغارة القادمة من هلع ورعب وفقد، مشيرةً إلى أن نساء مدينة غزة بحاجة لجلسات حقيقة لتعتنين بصحتهن النفسية وتخلصهن من الأعراض التي خلفتها الصدمات المتكررة.

ولا تنكر ميساء أسليم، أنها تحزن على حال أطفالها في مركز الإيواء فبعد أن كانوا يذهبون إلى المدرسة ويحلمون أن يصبحوا أطباء ومهندسين، تحولوا إلى رحالة يدورون طوال اليوم للبحث عن المياه والحطب وبعض الطعام ليعيشوا حتى اليوم التالي، مطالبيها في كل يوم الرجوع لمنزلهم والعودة ليوم الجمعة الذي يجمعون فيه حول المائدة ويأكلون معاً.

وتشكو من التلوث الذي يجتاح مراكز الإيواء مما يجعل البعوض والحشرات يلتهمهم طوال الليل فيسرق من أعينهم النوم، ومن الغربة التي باتت تعايشها على الرغم من أنها وعائلتها في ذات المدينة بعد الفصل بين الشمال والجنوب وبقاء والدتها بالشق الآخر هناك، مطالبة جميع المؤسسات والنساء في العالم لنصرة نساء غزة ورفع الظلم عنهن ومساعدتهن في الوصول فقط لاحتياجاتهن الأساسية.