غزة... حرب مستمرة ومأساة إنسانية متفاقمة
تتفاقم معاناة النساء في قطاع غزة، في ظل كفاح لا ينتهي تحت مقصلة الموت، ووطأة القصف والحصار.
نغم كراجة
غزة ـ منذ بداية الحرب على غزة في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، تتوالى المآسي الإنسانية التي تمس حياة النساء، الحروب ليست مجرد نزاع مسلح، بل هي سلسلة من الكوارث اليومية التي تفرض على النساء العيش في ظروف قاسية ومؤلمة، حيث تتحول حياتهن إلى كفاح دائم من أجل البقاء، إن الأثر المدمر لهذه الحرب التي دخلت شهرها العاشر، يتجاوز مجرد الدمار المادي، ليغوص في أعمق أعماق النفس البشرية، تاركاً ندوباً لا تندمل بسهولة.
الآثار النفسية... ندوب لا تندمل
تواجه النساء بسبب الحرب الفقر والحرمان والمسؤوليات، كما تترك آثاراً نفسية عميقة، مشاهد الدمار والموت اليومي، وفقدان الأحباء، والعيش تحت تهديد مستمر بالقصف، كل هذه الأمور تترك ندوباً نفسية تستمر لفترة طويلة بعد انتهاء الحرب وتعاني العديد منهن من حالات اكتئاب حاد وقلق مزمن، حيث تشعرن بالعجز أمام ما يحدث حولهن، بالإضافة إلى ذلك، يزيد الشعور بالمسؤولية تجاه الأبناء من الضغط النفسي عليهن.
حكاية امرأة صامدة في وجه المحن
حياة النمر، امرأة فلسطينية في أواخر الخمسينات من عمرها، تلقب بين الأهالي بـ "المرأة الحديدية" عاشت حياة مليئة بالتحديات والصعوبات بعد أن فقدت زوجها تاركاً لها سبعة أبناء بينهم أبنة تعاني من مرض مزمن، قالت "فقدان زوجها لم يكن سوى بداية رحلة شاقة، حيث وجدت نفسي وحيدة في مواجهة أعباء الحياة وتحمل المسؤوليات والمهام كلها".
الحرب المستمرة التي تدخل شهرها العاشر ألقت بظلالها الثقيلة عليها ما بين توفير الرعاية لابنتها المريضة والاهتمام ببقية أبنائها، وتواجه ضغوطاً نفسية وجسدية لا تحتمل، القصف المستمر والخوف من فقدان أحد أبنائها في أي لحظة يزيدان من ألمها اليومي، ومع كل يوم يمر، تكافح لإبقاء أسرتها على قيد الحياة، محملة بعبء أكبر من طاقتها، لكنها تواصل الطريق بنفس العزيمة التي عرفتها منذ صغرها، ناهيك عن مسلسل النزوح الذي لا نهاية له "هلكت أجسادنا من كثرة نزوحنا وقطعنا أميال طويلة مشياً على الأقدام، والخوف يجري قبل الدم في عروقنا".
في خضم هذه الحرب، حياة النمر ليست فقط أماً مسؤولة عن أبنائها بل هي أيضاً رمز للعديد من النساء الفلسطينيات اللواتي فقدن أزواجهن وتركن وحيدات في مواجهة هذه الظروف القاسية، كلما نظرت إلى ابنتها المريضة وأبنائها يتضاعف وجعها، لكنها تصر على المضي قدماً وتقول "النساء جوهرة الحياة، وأؤمن أن الصمود هو السبيل الوحيد لمواجهة الحرب، وعازمة على أن أظل قوية من أجل أبنائي ومن أجل كل النساء اللواتي تعشن نفس المعاناة".
الحياة تحت القصف... معركة يومية من أجل البقاء
تعيش النساء في غزة في ظل ظروف قاسية تحت القصف المستمر، حيث يتعين عليهن مواجهة تحديات يومية لا حصر لها، المنازل التي كانت في يوم من الأيام ملاذاً آمناً تحولت إلى ركام، مما أجبر العديد منهن على النزوح المتكرر بحثاً عن مأوى جديد في كل مرة يضرب فيها القصف، تعشن وأطفالهن لحظات من الرعب والخوف، حيث يصبح البقاء على قيد الحياة تحدياً يومياً، والنزوح القسري المتكرر يزيد من صعوبة العيش، حيث تجدن أنفسهن ينتقلن من مكان إلى آخر بحثاً عن الأمان، لكن الأمان يصبح شيئاً نادراً في غزة التي دمرتها الحرب.
العبء الاقتصادي... صراع من أجل توفير الاحتياجات الأساسية
وأكدت "إن الحصول على فرصة عمل باتت بمثابة معجزة، خاصة في ظل الحصار الخانق والتدمير المتكرر للبنية التحتية، وتضطر النساء للعمل في ظروف مهينة وغير مستقرة، وغالباً ما تكون الأجور ضئيلة جداً لا تكفي لتلبية احتياجات أسرهن الأساسية، وتلجأ العديد منهن إلى الأعمال الشاقة مثل تنظيف البيوت والمدارس أو العمل في الزراعة، لكن حتى هذه الفرص تصبح نادرة بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية".
الصمود في وجه الجوع والحرمان
على مدار عشرة أشهر من الحرب الضارية، تستمر النساء في غزة بالكفاح من أجل البقاء وسط ظروف تفوق الخيال، مشهد النساء وهن تجمعن الحطب من بين الركام وتشعلن النيران للطهي يعكس بوضوح حجم المعاناة التي يعشنها في زمن يفترض أن تكون فيه أبسط احتياجات الحياة متاحة "نحن مضطرات للعودة إلى أساليب بدائية لتوفير الطعام لعوائلنا، ومع كل وجبة نعدها فوق النيران تغرق أعيننا بالدموع، هذا ليس مكاننا".
هذه الحرب لم تترك للنساء سوى خيار واحد وهو الوقوف في طوابير المساعدات الطويلة، حيث تنتظرن ساعات للحصول على ما يكفي لإطعام أسرهن ومع ذلك تجد الكثيرات أنفسهن تقضين لياليهن جائعات، تحاولن إخفاء آلام الجوع عمن حولهن، متمسكات بأمل لا يخبو، في كل ليلة تمضيهن دون طعام كافٍ، يتزايد العبء على كاهلهن، حيث يظل هم توفير قوت أسرهن يتصدر قائمة مخاوفهن، كما قالت حياة النمر.
تلك المعاناة ليست مجرد حرمان من الطعام، بل هي معركة يومية ضد الجوع واليأس، حيث يصبح الصمود فعلًا لا إرادياً للنساء اللواتي تحملن ما لا يحتمله بشر. ورغم كل ذلك، مستمرات في الكفاح، متشبثات بما تبقى من كرامة وحب لأسرهن، عازمات على أن تبقين راسخات في وجه هذه الحرب التي لم تترك لهن سوى الرماد والجوع والألم.
غياب العدالة والدعم الدولي
تشعر النساء في غزة بالخيانة من قبل المجتمع الدولي الذي لم يفعل الكثير لإنهاء معاناتهن، رغم الدعوات المستمرة لوقف إطلاق النار وفتح ممرات إنسانية، إلا أن الواقع على الأرض يظل كما هو، كما تتزايد هذه المشاعر مع مرور كل يوم، حيث تصبح المعاناة جزءاً من الحياة اليومية دون وجود أي أمل في الأفق، إن غياب العدالة والدعم الحقيقي من المجتمع الدولي يزيد من الشعور بالإحباط واليأس، حيث تبقين وحيدات في مواجهة عدو لا يرحم ومجتمع يهمش وجودهن ويهضم حقوقهن.
في ظل استمرار الحرب في شهرها العاشر، تظل معاناة النساء في غزة جزءاً لا يتجزأ من المأساة الإنسانية التي يعيشها هذا القطاع، إن قصصهن تعكس الوجه الحقيقي للحرب، بعيداً عن الأرقام والإحصاءات حيث تجمع بين الألم والصمود، والقوة والضعف، والحياة والموت في آن واحد، ومعاناتهن الواضحة تتطلب اهتماماً عاجلاً من المجتمع الدولي، ليس فقط لإنهاء هذه الحرب الطاحنة، بل أيضاً لإعادة بناء حياة النساء المكلومات اللواتي فقدن كل شيء تقريباً.