غياب الرقابة جعل المرضى حقل تجارب للمتدربين
يعاني القطاع الطبي في إدلب من فجوات، خاصةً بعد تراجع دعم المنظمات الذي تسبب في قلة عدد الأطباء المتخصصين الأمر الذي وضع المرضى تحت رحمة طلاب كليات الطب.
هديل العمر
إدلب ـ تتنوع أسباب الأخطاء المرتكبة في القطاع الطبي لمدينة إدلب بين الإهمال، وضعف مؤهلات الكوادر الطبية المتمثل بالمتدربين من كليات الطب، فقد أودت بحياة العديد من المرضى وألحقت الضرر بآخرين دون وجود أي إجراءات حازمة بهذا الشأن.
فقدت ربا الحاج حسين البالغة من العمر 28 عاماً حياتها بعد أن أجرت عملية قيصرية في المشفى العام للمدينة، وأكدت والدتها فريال الحاج حسين أن صحة ابنتها كانت على ما يرام، إلا أن وضعها الصحي ساء بشكل كبير بعد إجراء العملية، فقد أصابها نزيف حاد وألم في مكان الجرح، وبعد مراجعتها للطبيبة التي أجرت لها العملية أرجعت تلك الأعراض لمضاعفات العملية وأكدت أنه من الطبيعي حدوث مثل هذه الأعراض.
فارقت ابنتها الحياة بعد مضي أربعة أيام على إجراء العملية، وعلمت فريال الحاج حسين أنه بعد انتهاء العملية لم تقم الطبيبة المشرفة بخياطة الجرح بل تركت هذه المهمة لطالبات متدربات قمن بذلك، ولكن باستخدام أدوات غير معقمة، وأن حالات مشابهة لحالة ابنتها تكررت بشكل كبير، لافتةً إلى أنها لا تستطيع تقديم أي شكوى في ظل غياب العدالة والقوانين وانتشار الفساد في المنطقة.
بينما فقدت سلام العيدو البالغة من العمر 39 عاماً، جنينها بعد أن وصفت لها إحدى القابلات المتدربات في المشفى أدوية من العيار الثقيل، وعما حدث تقول إنها مع بداية دخول حملها شهره التاسع قصدت المشفى لتحديد موعد لإجراء عملية القيصرية، إلا أن القابلة لم توافق على إجراء العملية قبل معالجة بعض الالتهابات التي كانت تعاني منها، وفي بداية فترة العلاج توفي الجنين، مؤكدة أنها تعرضت لصدمة نفسية نتيجة خسارة جنينها بسبب قلة الخبرة والإهمال اللذان يهيمنان على الكوادر الطبية في مستشفيات إدلب.
وأضافت سلام العيدو أنها لا تستطيع تقديم شكوى ضد المتدربة كون المحاكم في المنطقة تابعة لما تسمى بـ "هيئة تحرير الشام" التي في الأصل لا تعرف للعدالة عنوان.
تبعيات ارتفاع أجر المعاينات وإجراء العمليات في العيادات والمستشفيات الخاصة يدفع ثمنها غالياً المرضى في إدلب خاصة النازحين الذين يعانون أصلاً من فقر مدقع وقلة فرص العمل، الأمر الذي يدفعهم لقصد المستشفيات العامة التي يتدرب فيها طلبة من كليات الطب البشري يتصف عدد كبير منهم بقلة الخبرة، كل ذلك بسبب عدم وجود رقابة على القطاع الطبي في المنطقة.
وقد تنطوي الأخطاء الطبية على إعطاء الأشخاص الدواء الخطأ أو جرعة خاطئة أو دواء لديهم حساسية اتجاهه، أو تحديد القيام بإجراء جراحي في الجانب الخطأ من الجسم، كل ذلك عبر تسليم مهمات طبية لمن هم غير مؤهلين للقيام بها.
وقالت الطبيبة رقية المعراتي إن الأخطاء الطبية من المواضيع المهمة والحساسة التي يجب الوقوف عليها وإيجاد الحلول المناسبة لتفاديها نظراً للمكانة الهامة التي تحتلها المهنة وارتباطها الوثيق بحياة الإنسان وسلامته.
وأوضحت إنه لا يمكن إلقاء اللوم على الطبيب باستمرار فهو يشخص وفق ما يراه مناسباً من وجهة نظره، والعمل الطبي يعتمد على التشخيص والتحاليل إضافة إلى اجتهاد الطبيب المعالج، والأخطاء الطبية والمضاعفات ما بعد الجراحات والحالات المرضية الصعبة موجودة في كل مكان بالعالم.
وأرجعت ازدياد الأخطاء الطبية إلى غياب الرقابة الطبية بالتزامن مع عدم وجود كفاءات علمية وتغاضي الغالبية العظمى عن تلك الأخطاء، مشيرةً إلى النتائج الكارثية التي تكمن وراء امتهان الطب من قبل أشخاص غير مؤهلين للعمل به، كطلاب الطب والتمريض الذين لم يكملوا تعليمهم بعد، وحذرت أن حياة المرضى لا يمكن أن تكون حقل تجارب لأولئك المتدربين.