في يوم المرأة العالمي... نازحات في إدلب تحلمن بأبسط الحقوق
في كل ﺧﻴﻤﺔ نزوح بمدينة إدلب في الشمال السوري توجد اﻣﺮﺃﺓ ﻻ ﺯﺍﻟﺖ ﺗﻜﺎﻓﺢ ﻟﻠﺤﺼﻮﻝ ﻋﻠﻰ ﺃﺑﺴﻂ ﺣﻘﻮﻗﻬﺎ، وفي يوم المرأة العالمي انحسرت جل ﻃﻤﻮحات النازحات في الحصول على ﻤﻼﺫ أﻣﻥ وحياة خالية من القصف والظلم.
لينا الخطيب
إدلب ـ يمر يوم المرأة العالمي على النازحات بمدينة إدلب، وهن تواجهن ظروفاً إنسانية صعبة وتحلمن بنيل أبسط حقوقهن كسائر النساء حول العالم.
تعشن مع أسرهن في مخيمات وأبنية غير مهيئة للسكن وتفتقر لأبسط مقومات الحياة، نازحات في إدلب يمر عليهن يوم المرأة العالمي كأي يوم من السنة فلا حقوق ولا حرية تفتخرن بها.
ففي ساحة مخيم "التعاون" التابع لمدينة سرمدا الحدودية تجلس النازحة فريدة حاج طه البالغة من العمر 35عاماً مع إحدى جاراتها للخوض في أحاديث وقصص تحمل في ثناياها الألم والحرمان الذي تعشنه منذ أن هجرن قسراً من مدينة سراقب عام 2020.
حيث تقيم فريدة حاج طه مع عائلتها في خيمة واحدة صغيرة يتداخل فيها بكاء أطفالها مع أحاديث الكبار والأمتعة المتناثرة في كافة أرجاء الخيمة التي تفتقر لأبسط مقومات السكن والخصوصية، وتقول "الحياة باتت قاسية في الخيمة بل أنها معدومة، وليس أمامنا سوى الصبر والتحمل بسبب عجزنا عن تحسين أحوالنا المعيشية والانتقال للعيش في منزل في ظل الغلاء والفقر وشح فرص العمل "
وبصوت مختنق وملامح القهر والبؤس طغت على تعابير وجهها قالت "هنا الخصوصية والراحة معدومة، فالضجيج طوال اليوم وعدم توفر حمامات أو غرف مستقلة يزيد الوضع سوءاً والتكيف مع ظروف النزوح أمر مستحيل خاصة مع وجود عشرات الأسر في مكان غير مهيأ للسكن بالأساس".
وفي يوم المرأة العالمي تتمنى فريدة حاج طه أن تنعم بحياة هادئة خالية من التهميش والبطش والظلم وأن تنال حقوقها كغيرها من النساء، وأن تحصل على منزل آمن يقيها وعائلتها برد الشتاء وحر الصيف، منزلاً مؤلف من جدران وسقف لتتخلص من الخيمة المهترئة التي أصبحت كل عالمها، مضيفةً "كنا نقيم أنا وزوجي مع أهله في ذات المنزل، حتى تمكنا شيئاً فشيئاً وبعد عناء من بناء منزل صغير مستقل يأوينا، لكن الفرحة لم تكتمل فقد أجبرنا على تركه تحت القصف والاشتباكات لننزح قسراً إلى هنا".
وعلى مقربة من خيمة فريدة حاج طه تقطن النازحة من ريف حماة دلال اليوسف البالغة من العمر 29 عاماً، وقد فقدت زوجها أثناء الحرب ونزحت مع أطفالها الثلاثة، وتقول "كل يوم يستيقظ ابني البالغ من العمر خمسة أعوام باكياً في الليل يريد رؤية والده إلى جانبه كما كان معتاداً سابقاً".
وأكدت أنها كغيرها من النازحات في المخيم تواجه صعوبات كثيرة تتمثل في ضعف الرعاية الصحية وعدم توفر الخدمات الأساسية، إضافة إلى تحملهن مسؤولية التخفيف من معاناة أطفالهن النفسية التي خلفها النزوح وتردي الأوضاع المعيشية وكارثة الزلزال
ولا يختلف وضع ندى الإبراهيم البالغة من العمر 31 عاماً عن سابقاتها، فقد فاقم النزوح من وضعها الصحي حيث فقدت إحدى قدميها عندما تعرضت مدينتها للقصف وتقول "عندما كنت في مدينة خان شيخون تعرضت المدينة لقصف جوي، وعلى أثر ذلك أصابتني شظية في إحدى قدماي الأمر الذي تسبب بفقدانها"، مضيفةً "وقد تخلى عني زوجي بسبب الإعاقة ليتزوج من امرأة أخرى وقد سافرا إلى تركيا"، لتنزح إلى مخيم البشير بريف إدلب الشمالي مع ابنها البالغ من العمر 10 سنوات وابنتها ذات13عاماً.
وعن أمنياتها في يوم المرأة العالمي تقول "في هذه المناسبة أتمنى أن أعود إلى بلدتي، التي أودعت فيها كل ذكرياتي، كما أتمنى أن أحصل على قدم صناعية تساعدني على الحركة والتنقل لأقوم بواجباتي تجاه أطفالي، وأن يحصل ابني المعاق على العلاج المناسب لمرض الضمور في الدماغ واضطراب في الحركة لينعم بحياة أفضل ويتلقى تعليمه حتى يتمكن من متابعة حياته بشكل أفضل."
أما الطفلة أماني الخطيب 13 عاماً فقد نزحت مع عائلتها من مدينة كفر نبل إلى المخيمات منذ سنة تقريباً، وقد فقدت فرصتها في متابعة دراستها، حيث تقول "أتذكر دائماً صديقاتي وأيام الدراسة، وأحن إلى منزلي في مدينة كفر نبل وغرفتي وسريري، أتمنى أن نعود بأسرع وقت، وتنتهي رحلة النزوح "
من جانبها تحدثت اخصائية الإرشاد النفسي فدوى زيدان عن معاناة النازحات في المخيمات وفي ظل تردي الأوضاع المعيشية "النزوح أمر صعب على إي إنسان، وهو أصعب على المرأة خاصة، فهي يقع على عاتقها مسؤولية أطفالها، ففي ظل هذه الأوضاع تزداد معاناتها حيث الأسعار مرتفعة وعدم وجود مساكن أو ملاجئ آمنة، حيث أن ثلاث أو أربع اسر تضطر أحياناً إلى السكن في بيت واحد نظراً لعدم توفر خيم أو منازل أو لارتفاع الإيجارات."
وأكدت أن النازحات تعشن أوضاعاً مزرية في المخيمات التي تفتقر إلى ظروف العيش الإنسانية، كما أن قاطنيها يعانون من تفشي البطالة ما يزيد الواقع المعيشي صعوبة في ظل العجز عن تأمين مستلزمات الحياة خاصة أن التراجع الكبير في تقديم المساعدات الإنسانية أو المنح المالية المقدمة من قبل المنظمات قياساً بغلاء الأسعار المتزايد.
وقد أشادت فدوى زيدان بصمود ونضال المرأة السورية في ظل الأزمة التي تعانيها البلاد خاصة النازحات اللواتي تخضن في كل يوم معارك في سبيل تأمين المياه والطعام لأطفالهن وتعليمهم.
وفي كل خيمة توجد امرأة ﻻ زالت تكافح للحصول على أبسط حقوقها وبين الأحلام والهواجس تبقى النازحات أسيرات الحنين لديارهن، وتتعدد قصصهن إلا أنها تحمل المعاناة ذاتها، حيث انحسرت طموحاتهن ﻃﻤﻮحاتهن في يومهن بتأمين ملاذ آمن لهن في أزمة طحنت كل ما وجدته في طريقها.