فتاة ليبية تخطو خطوة حقيقية نحو حل فرضية ريمان في الرياضيات
تعتبر فرضية ريمان التي حدسها عالم الرياضيات الألماني برنارد ريمان عام 1859، من أعظم المسائل وأقدمها ومن أصعب الفرضيات التي استعصت على البرهان.
ابتسام اغفير
بنغازي ـ لاحظت عائلة هناء طاهر أبو بكر أن الأخيرة لديها شغف وحب للأرقام منذ سنوات عمرها الأولى، فكانت تجمع وتطرح الأرقام، وتعد للألف وهي لم تتجاوز الأربعة أعوام، وبعد دخولها للمدرسة توجه تفكيرها لدراسة الطب، ولكن لأنها تعاني من مشكلة في إحدى عينيها، رأى والدها أن دراسة الطب سيكون له آثار سلبية على بصرها.
توالت الأعوام إلى أن وصلت هناء طاهر أبو بكر إلى المرحلة الثانوية ومرحلة اختيارها لتخصص أقل إجهاد لعينيها، فاقترحت عليها شقيقتها التي كانت تتابع نجاحاتها وتفوقها في مادة الرياضيات، دراسة هذا التخصص في الجامعة، فتوجهت هناء لإكمال تعليمها في قسم الرياضيات بكلية العلوم جامعة "عمر المختار".
وبعد تخرجها بتفوق في الجامعة عام 2007، حصلت على فرصة بأن تكون معيدة بالقسم واستكمال الدراسات العليا في تخصص الرياضيات، غير أن الجامعة وضعت شرط أن يكون الخريج قد مر عاماً على تخرجه.
العقبات والصعوبات
ولم تكن تعلم هناء طاهر أبو بكر أنها ستواجه العديد من العقبات والعراقيل التي لم تزدها إلا عزيمة وإصرار لاستكمال مسيرتها العلمية، وبعد إيداع ملفها في القسم تتفاجأ أنه قد ضاع من ضمن الأوراق والملفات التي ضاعت من قسم الدراسة والامتحانات لأسباب إلى الآن لا تعلمها، وبضياع الملف ضاعت فرصتها في الحصول على منحة للدراسات العليا.
وحصلت على فرصة أخرى أن تكون معيدة بكلية التربية قسم الرياضيات، جهزت هناء طاهر أبو بكر ملفها مرة أخرى وأرسلته للكلية، ووعدوها أنه خلال أسبوع سيتم توقيع مباشرتها في الكلية، ولكن اندلعت ثورة 17 فبراير 2011، وأغلقت كافة الجامعات والمؤسسات الحكومية، وأصيب والدها بسرطان الدم وتوفي قبل أن توقع على مباشرة عملها.
وأوضحت أنه في اليوم الرابع من وفاة والدها ذهبت إلى الجامعة لتوقع على المباشرة، لافتةً إلى أنها تعمل حالياً عضو هيئة تدريس في جامعة "عمر المختار" تخصص رياضيات تطبيقية، وفي عام 2013 ذهبت إلى إيرلندا الجنوبية من أجل استكمال دراستها للحصول على الإجازة في التخصص العالي الماجستير.
العقبات لم تتوقف عند هذا الحد فبعد قبولها في إيرلندا الجنوبية اندلعت الحرب الليبية عام 2014، وكانت هناء طاهر أبو بكر متخوفة من أن الحرب ستؤثر على سفرها، إلا أنها أصرت على السفر لتصل إلى إيرلندا بعد جهود مضنية وانتظار في المطارات، قبل انتهاء التأشيرة بيوم واحد فقط.
وبعد سفرها تعرضت لموقف آخر لم يقل صعوبة عن سابقه، فقد توقفت المنحة عنها، بسبب الأزمة المالية في ليبيا، ولكنها لم تتأثر فيها بشكل كبير لأنها قد تعلمت إدارة الأموال في وقت الأزمات بشكل متقن، وتفوقت في مرحلة اللغة، وبدأت رحلة الماجستير التي تميزت فيها وبدأت في خطوة جديدة نحو إيجاد حل لفرضية أو حدسية ريمان.
"قمت بتبسيط نظرية وإثبات الأخرى"
وبعد أن وصلت إلى مرحلة الماجستير، قالت هناء طاهر أبو بكر "اقترح المشرف موضوع (الفضاء المتري)، فأخبرته أنه موضوع قديم وقد تشبعنا به في مرحلة البكالوريوس ومن ثم الدراسات العليا، كما توجد حوله أوراق بحثية كثيرة، فاقترحت أن أختار موضوع آخر مميز وجديد، وبعد البحث توصلت إلى العمل على موضوع لم يتم التطرق إليه بشكل كبير وهو (وحدات الفضاء المتري)".
وأضافت أن الموضوع كان بمثابة تحدي كبير بالنسبة لها وأخبرها المشرف أن تتحمل مسؤولية اختيارها، وبعد الوصول إلى مرحلة النظرية قال لها المشرف "لديكِ خيارين، إما تضعين النظرية مثلما هي وتحاولين فهمها، أو تحذفينها نهائياً من الرسالة"، فطلبت منه مهلة لمحاولة تبسيط النظرية مثلما فعل أحد العلماء من قبل، وتثبت الأخرى، وبعد محاولة ومجهود قامت بذلك، وتم تهنئتها من قبل السفارة الليبية في إيرلندا.
ضربة الفأس الأولى بالأرض ليست بإنجاز
ورغم الإشادة بالإنجاز الذي حققته هناء طاهر أبو بكر، إلا أنها لم تراه كذلك "اعتبر ضربة الفأس الأولى بالأرض ليست بإنجاز، بل بداية جيدة في رسالة الماجستير، ونشرت ورقة علمية حوله في إحدى المجلات العلمية، للعمل على حدسية مهمة".
وأشارت إلى أن هذه الحدسية طرحت من قبل معهد أو مؤسسة "كلاي" للرياضيات من ضمن سبع حدسيات إلى الآن لم تحل في العالم، وعن ذلك تقول إن الحدسية استهوتها لأنها المسؤولة عن الدالة التي توزع الأعداد الأولية لأنها أصبحت هاجس لمختصي الرياضيات فاقترحت على مشرف العمل، ولكنه لم يكن واثق كل الثقة أنها تستطيع تقديم شيء بخصوصها.
ولفتت إلى أن الحدسية هي فرضية ريمان التي كانت تتحدث حول دالة زيتا، والتي تحتوي على الجزء الحقيقي، حيث أنه لدينا في الرياضيات شيء اسمه العدد المركب، وهو شيء مركب من جزء حقيقي وجزء تخيلي المتمثل في الجذور.
استخراج الدالة المسؤولة عن توزيع الأعداد الأولية
وبعد شروحات علمية رياضية بسطت هناء طاهر أبو بكر عملها على فرضية ريمان من خلال العمل على الأصفار البديهية، من أجل إثبات فرضية ريمان أو نفيها بالبرهان الرياضي "لو نجحت في استخرج الدالة المسؤولة عن توزيع الأعداد الأولية فإن تاريخ الرياضيات سيتغير بالكامل".
وحول إمكانية تغيير تاريخ الرياضيات تقول هناء طاهر أبو بكر "عندما أقرأ الأوراق العلمية التي تعمل على حدسية ريمان وحدسيات أخرى نجح البعض في حلها بعمل متواصل استمر لأكثر من 20 عاماً، وهنا جاءت ثقتي بنفسي بأنني قادرة على فعل شيء أيضاً ولابد لي من ترك بصمة".
وأضافت أنه في أحيان كثيرة تصل إلى مرحلة التعب واليأس ولكن سرعان ما تعود إلى النشاط والحيوية لتحقق حلمها الذي يشجعها على الاستمرارية والعمل.
جمعية المرأة للرياضيات
وعن انتسابها لجمعية المرأة للرياضيات، توضح "عندما استكملت رسالة الماجستير وعدت إلى ليبيا قررت استكمال الدكتوراه وقدمت على تمديد بوزارة التعليم العالي بحكم أنني استكملت الماجستير قبل الوقت المحدد، بالإضافة إلى أنني قدمت على ثلاث جامعات في كندا، فكانت جامعة فيكتوريا هي الداعم الأكبر لي وأرسلوا لي إيميل يخبرونني فيه أن جمعية المرأة للرياضيات هي جمعية تحفز الفتيات الرياضيات على أن تستكملن دراستهن وتعملن على الأبحاث، والحصول على فرص للدراسة"، مشيرةً إلى أن الجمعية لديها ندوات خلال الفترة القادمة تتحدث عن التحديات التي تواجهها النساء في هذا التخصص.
وحول أبرز التحديات التي واجهتها خلال مسيرتها في هذا المجال، لفتت إلى أن "الأغلبية تصفنا بالمعقدين لاختيارنا لهذا التخصص المقعد، وينظرون إلينا أيضاً على أننا نفهم كل شيء وفي أي مجال، ولكن ما لا يعرفه هؤلاء أن الرياضيات فيها أمور معلقة ومعقدة يصعب حلها، مثل نظرية ريمان".
وعن إمكانية استخدام الرياضيات في حياتنا اليومية تقول هناء طاهر أبو بكر "عندما نتحدث عن الرياضيات في ليبيا نتحدث عنها بصفة عامة، دون التفكير، ولكن الآن يوجد في العالم رياضيات بحتة، ورياضيات تطبيقية التي بدأت تتفرع ويصبح فيها تخصصات في العلوم والطب والصيدلة، فاليوم العالم بدأ يعمل على النمذجة الرياضية للأورام أو النمذجة الرياضية للأوبئة المعدية، وحالياً أهتم بالنمذجة الرياضية للأورام وأعمل على جزئية خاصة بسرطان البنكرياس".
وأكدت على أن العمل البحثي في البلاد مهمل ولا يوفر المناخ الملائم له ولا يتم دعمه، ومقارنة بالبلدان الأخرى فإن تقدم شعوبها يرتكز على عدد علماء الرياضيات والفيزياء، ومدى اهتمام الحكومة بهم، مضيفةً "أعمل الآن باجتهاد شخصي لشراء ورقة علمية والتي من المفترض أن تقوم الجامعة بهذه التكاليف، وبذلك نحن بحاجة لدعم البحث العلمي وهو أمر مفقود في البلاد".