ذوات الاحتياجات الخاصة... معاناة مزدوجة وسط أهوال النزوح والحرب

تجسد معاناة ذوات الاحتياجات الخاصة في غزة صراعاً قاسياً للبقاء ومحاولة التأقلم وسط الحرب والنزوح القسري.

نغم كراجة

غزة ـ تتجسد معاناة ذوات الاحتياجات الخاصة في غزة بصورة مروعة وسط غياب الأمان في مراكز الإيواء، وحرمان هذه الفئة الهشة من أبسط الحقوق الإنسانية والإمكانيات.

باتت الأوضاع في غزة صعبة على النساء خصوصاً والأهالي عموماً، فكيف سيكون حال النساء ذوات الاحتياجات الخاصة أمثال سمية ماضي، التي تقطن في منطقة مشروع بيت لاهيا شمالي قطاع غزة، تمثل رمزاً لمعاناة ذوات الاحتياجات الخاصة، حيث اختارت البقاء في منزلها المدمر أكثر من عشرين يوماً، رافضةً أوامر الإخلاء القسري والتخلي عنه رغم الظروف.

كانت تعلم أن رحيلها عن بيتها سيعني فقدان جزءٍ من حياتها، لاسيما أنها تعاني من إعاقة تجعل التحرك وسط القصف مخاطرةً بالغة، "كلما اشتد القصف كنت أشعر أن البقاء في المنزل أفضل من النزوح وسط الدمار".

تحدت غارات الطائرات التي لم تتوقف ليلاً ونهاراً لكنها بقيت متشبثةً بمنزلها، مدركةً أنها لن تجد ملاذاً آمناً في مكان آخر بل إن النزوح سيجعلها عرضة لمزيد من الخطر والتحديات.

لم يدم صمودها طويلاً؛ ففي ظل تصاعد القصف ودوي الانفجارات الهائلة التي هزت أركان الحي، أجبرت القوات الإسرائيلية السكان المتبقين في مشروع بيت لاهيا على الإخلاء الفوري للمنطقة، وبدأ الهروب من النيران أمراً لا مفر منه، وواجهت سمية ماضي معضلةً حقيقيةً؛ كيف ستخرج وسط هذا الجحيم؟ وكيف يمكن لكرسيها المتحرك أن يسير بين الركام والطرق المحطمة؟ لتقول إنها شعرت بعجزٍ رهيب لكن خيّرت نفسها بين المخاطرة بحياتها والخروج أو البقاء والموت تحت الأنقاض، انطلقت برفقة عائلتها على كرسيها المتحرك وسط الطرقات التي غطاها الدمار، قاطعةً مسافة طويلة وسط أصوات القذائف والطائرات.

عند وصولها هي وعائلتها إلى مدينة غزة بعد رحلة شاقة ومحفوفة بالمخاطر، كانت الصدمة بانتظارهم، فالعائلات النازحة اكتظت في كل مكان، والملاجئ المؤقتة تفتقر إلى أي تنظيم أو مرافق ملائمة لوضعها، فاضطرت للجلوس على الرصيف في انتظار أن يعثر شقيقها على مكانٍ يستقرون فيه، في مشهد يختصر حالة من الفوضى والعجز الجماعي.

واجهت عائلة سمية ماضي مشقةً أخرى حينما اضطر شقيقها لاستخدام كرسيها المتحرك لنقل الأغراض الضرورية إذ لم يعد بوسعهم حمل كل ما تبقى لديهم من متاع، لذلك كان عليها الانتظار في الشارع حتى وجدوا مأوى في زاوية صغيرة لكنها كانت تدرك أن الوضع لن يتحسن، فالاكتظاظ في المدينة بلغ ذروته حتى أن خيمة واحدة لم تتوفر لهم بين آلاف النازحين.

وأثناء حديثها، عبّرت عن استيائها البالغ من غياب أي خطة لحماية ورعاية ذوي الاحتياجات الخاصة خلال النزوح، "لم أكن وحدي في هذا الوضع؛ شقيقتي أيضاً تعاني من إعاقة، وهذا زاد من الصعوبات التي تواجهنا"، موضحةً أن التنقل من منطقة إلى أخرى والعيش في ظروف غير آدمية في مراكز النزوح يمثل تحدياً كبيراً لها ولشقيقتها، خصوصاً أن هذه المراكز تفتقر إلى أبسط التسهيلات اللازمة، وبينما يحتاج الأشخاص ذوو الإعاقة لمساندة ودعم، فإن الظروف هنا تجردهم حتى من أبسط حقوقهم الإنسانية، ولا يتم توفير وسائل العناية الشخصية أو الرعاية الطبية الكافية لهم.

تتجاوز معاناة ذوي الاحتياجات الخاصة في غزة العجز الجسدي لتصل إلى انعدام الدعم اللوجستي والمعنوي الذي يحتاجونه لمواجهة الظروف الصعبة، ففي ظروف كهذه يصبح التنقل أو الوصول إلى الملاجئ بمثابة معركة يومية ليس فقط بسبب الطرقات المدمرة والمخاطر المحيطة بل أيضاً نتيجة الإهمال وعدم توفر أي تنظيم خاص يلبي احتياجاتهم.

النساء والفتيات من ذوات الاحتياجات الخاصة تعشن عزلةً قاسية وسط هذا النزوح القسري حيث تفتقر مراكز الإيواء إلى المرافق التي تراعي أوضاعهن الخاصة، كما أن الضغط الهائل على الخدمات يجعل الاستجابة لاحتياجاتهن شبه مستحيلة.

وفي ظل هذه الأوضاع الكارثية، تشعر سمية ماضي وكأنها تخوض حرباً داخلية وخارجية في آن واحد، ففي كل يوم يمر يحمل تحديات جديدة سواء في تأمين طعام لعائلتها أو الحفاظ على كرامتها وسط اكتظاظ المخيمات أو محاولة تأقلمها مع نقص وسائل الراحة البسيطة.

وحول ذلك قالت "حتى الحمامات هنا غير مناسبة، لا يوجد أي مكان خاص يلبي احتياجاتنا كنساء من ذوات الإعاقة"، لافتةً إلى أن غياب الخصوصية زاد من معاناتها وتركها تشعر بأنها غير مرئية وسط هذا الزخم البشري الذي يتسع لألمها دون أن يقدم حلاً.

في ظل تزايد حدة النزوح ومع استمرار الحرب لأكثر من عام دون بوادر لانفراج قريب، تبرز الحاجة إلى تدخل دولي عاجل لتوفير الحماية لذوي الاحتياجات الخاصة وتأمين مراكز نزوح تراعي احتياجاتهم، سمية ماضي ليست مجرد رقم ضمن النازحين بل هي صوت يناشد من أجل حقوق مهدورة في ظل قسوة الحرب والإهمال، وأن تجاربها وتجارب ذوي الاحتياجات الخاصة تشكل دعوة عاجلة للتدخل، ولوقف معاناة النساء والفتيات اللواتي تعشن في ظروف تفوق طاقتهن على التحمل.