ضغوط نفسية وتحديات معيشية... معاناة مزدوجة تعيشها نساء غزة
تتفاقم الحالة النفسية والاجتماعية للنساء والأطفال نتيجة الحرب المستمرة على قطاع غزة، منذ أكثر من نصف عام، وبالرغم من الشهادات الموجعة التي تنتهك القوانين الدولية بشكل صارخ إلا أن النساء تثبتن قوتهن وصمودهن في هذه المعركة الطاحنة.
نغم كراجة
غزة ـ في ظل الحرب الشرسة التي تعصف بقطاع غزة منذ أكثر من سبعة أشهر، يتعرض النساء والأطفال في المنطقة لضغوطات نفسية كبيرة وتحديات متعددة تؤثر على حياتهن بشكل كبير، وتواجهن صعوبات لا تعد ولا تحصى في محاولة للصمود والبقاء في وجه الظروف القاسية التي يعيشنها.
مع استمرار التصعيد العسكري والقصف المتكرر، تتعرض النساء في قطاع غزة لمستويات عالية من الضغط النفسي والقلق. وعلى أثر ذلك يعاني العديد منهن من اضطرابات نفسية، مثل الاكتئاب والقلق والتفكير بالانتحار نتيجة للخوف المستمر وعدم الاستقرار الذي يحيط بهن وبأسرهن.
وأكدت المستشار النفسية لطيفة شتات أن الحروب تترك آثاراً عميقة على حياة النساء، حيث تتعرضن لصعوبات في التعامل مع الضغوطات اليومية والحياة الأسرية، بالإضافة إلى ذلك تواجهن تحديات متعددة في مجالات الصحة والسلامة والاقتصاد مما يضعهن في مواجهة أزمة صحية جسدية ونفسية جسيمة.
وأشارت إلى أن النساء الفلسطينيات تتأثرن بشكل كبير بتدهور الوضع الاقتصادي في القطاع باعتبارهن أكثر الفئات تضرراً ومعيلات أسرهن في هذه الظروف الراهنة، مما يزيد من معاناتهن ويجعلهن عرضة للفقر والحاجة نظراً لانقطاع مصادر الدخل ووسائل الدعم.
وتتجسد معاناة النساء خلال هذه الحرب في الخوف المستمر على سلامة أنفسهن وعائلاتهن، بدءاً من اللحظة التي تستيقظن فيها حتى لحظة النوم، حيث يخيم الخوف والقلق على حياتهن "لا تعرفن متى ستندلع قذائف القصف أو الهجمات الجوية القادمة، وهذا الشعور بعدم الأمان يضعهن تحت ضغط نفسي"، كما بينت.
ولفتت إلى أن النساء تعانين من التدهور المستمر للأوضاع المعيشية، حيث تتعرضن لنقص في الموارد الأساسية مثل المياه والكهرباء والغذاء، مما يجعل حياتهن يوماً بعد يوم أكثر صعوبة وتعقيداً.
وأوضحت أن هناك تصاعد ملحوظ في أسعار المواد الغذائية والمستلزمات الأساسية، مما يجعل الحصول عليها أكثر صعوبة، ولا يقتصر الأمر على ذلك فحسب، بل تتعرض النساء لخطر مباشر على حياتهن وصحتهن نتيجة القصف والهجمات العسكرية، ويتم تدمير منازلهن ومنشآتهن الحيوية، وتتعرضن لإصابات بليغة قد تؤدي إلى الإعاقة أو الموت، مما يترك آثاراً عميقة على حياتهن وحياة أسرهن.
وفي ظل هذه الظروف القاسية، تتعرضن للضغط النفسي والاكتئاب بشكل متزايد، حيث تشعرن بالعزلة والانعزال، وتفتقدن إلى شتى أنواع الدعم اللازم للتعامل مع هذه الصعوبات "معاناة النساء في قطاع غزة خلال الحرب المستمرة لا توصف، فهي تؤثر على كل جانب من جوانب حياتهن".
وضمن جهود جمعية عطاء فلسطين الخيرية الرامية إلى تحسين الحالة النفسية والاجتماعية للنساء والفتيات والأطفال في تلك المناطق المتضررة، انطلقت لطيفة شتات كمنسقة لمشروع في غزة وشمال القطاع يحمل اسم الدعم النفسي الاجتماعي ((safe 3 بتمويل من الشركة العربية للاستثمار أيبك، مؤكدة أنه بعد تنفيذها سلسلة متنوعة من الجلسات ومبادرات الدعم النفسي التي تحمل أهمية بالغة خلال الظروف الصعبة مثل الحروب والأزمات، إذ تساهم في تحسين الصحة النفسية وتخفيف آثار الصدمات للنساء والأطفال باعتبارهم أكثر الفئات هشاشة وضرراً.
وأوضحت تفاصيل المشروع "قمنا بتنفيذ مشروع الدعم النفسي الاجتماعي واستهدفنا النساء والأطفال كونهم تعرضوا لسلسلة كبيرة من الانتهاكات المباشرة خلال نزوحهم كالاعتقال والتنكيل والشتم وحالة من الذعر، إلى جانب المجاعة التي عاشوها خلال الفترة الماضية في شمال القطاع"، مبينة أن المشروع يستهدف نحو 2500 طفل و2500 امرأة وفتاة، ويتم تنفيذ أنشطته في مناطق الجنوب أيضاً.
خلال تنفيذها سلسلة من الجلسات النفسية الجماعية للنساء والأطفال تبين أنهم مرضى نفسيين يعانون من الإضرابات النفسية أبرزها الاضطراب الهستيري والقلق والاكتئاب "الكثير من النساء والأطفال حاولوا التفكير بالانتحار أو الانعزال عن المجتمع، لذا قمت بتقديم جلسات علاجية متخصصة ونتائجها كانت إيجابية".
وأوضحت أن مكونات مشروع الدعم النفسي الاجتماعي (safe 3) مبنية على أسس دقيقة بحيث تسترجع المستوى الطبيعي للصحة النفسية "أنشطة المشروع تضم جلسات الإسعاف النفسي الأولي للعائلات، وكذلك للأطفال، وجلسات رفع الوعي للنساء والفتيات، وتنفيذ سلسلة من جلسات الإرشاد الفردية والأسرية والزيارات المنزلية لكل من المرأة والطفل من أجل متابعة أحوالهن، وتنسيق مجموعة من المبادرات المجتمعية متنوعة الوسائل، وعقد أيام ترفيهية بهدف إكمال التدخلات النفسية للفئات المستهدفة".
وواجهت خلال عملها كمنسقة للمشروع عدة تحديات أبرزها أن الفئات المستهدفة كانوا بحاجة ماسة للدعم الإغاثي الذي لا يقل أهمية عن الدعم النفسي "قدمت طرود إغاثية بمساعدة مجموعة من المتبرعين، واستمريت في العمل رغم القصف المستمر والبيئة الغير آمنة، نفذنا العديد من الجلسات وأطلقنا المبادرات".
عندما استمعت لشهادات النازحات اكتشفت لطيفة شتات مدى المأساة والواقع المؤلم الذي يعيشنه بسبب تجرعنهن ألم الفقد وتنقلهم من منطقة لأخرى هرباً من الموت بأعجوبة، وهناك مجموعة من النساء والفتيات اللواتي تعرضن للاغتصاب كسياسة عنف لا يمكن أن يتغاضين عنها والتعافي منها "بالرغم من الشهادات الموجعة التي تنتهك القوانين الدولية بشكل صارخ إلا أن النساء تثبتن قوتهن وصمودهن في هذه المعركة الطاحنة".
وأكدت أن المشروع حقق نجاح كبير وذلك بتأقلم النساء والفتيات والأطفال وتكيفهم مع الواقع الحالي، ومعالجة العديد من الاضطرابات والصدمات، وتخفيف حدة الضغوطات النفسية.
ولفتت أن المشروع ينبغي تنفيذه في المناطق المستهدفة لمدة تزيد عن شهرين لضمان وصول الخدمات لجميع الأطفال والنساء، ويجب النظر في طلبات لجان الطوارئ ومدراء مراكز الإيواء لاستمرارية المشروع لفترة أطول لضمان استفادة المزيد من الأطفال والنساء. كما ينبغي توجيه الجهود نحو المناطق التي لم تستهدف من قبل، خاصة مع استمرار الحرب والحصار في غزة وشمال القطاع؛ لتلبية احتياجات الأطفال والنساء للدعم النفسي.
وطالبت لطيفة شتات الجهات المعنية بالاطلاع الدائم على أحوال النساء والأطفال ومتابعة أوضاعهن سواء خلال الحرب المستمرة أو ما بعدها وذلك من خلال تكثيف الجهود من أجل النهوض بالمستوى النفسي والاجتماعي لهذه الفئات الهشة، مشجعة النساء على إنشاء مراكز ونقاط ثابتة داخل مراكز الإيواء لتقديم الخدمات النفسية في حالات الطوارئ.