بيوت من الصفيح... نازحي تاورغاء يعيشون حياةً مأساوية
يعيش نازحي مدينة تاورغاء في ليبيا ببيوت من الصفيح والخيم، حياة مأساوية في ظل عدم اتخاذ الجهات المعنية أي اجراءات، لإعادتهم إلى مدينتهم.
هندية العشيبي
بنغازي ـ تزداد معاناة أهالي تاورغاء المهجرين من مدينتهم منذ أكثر من 10 سنوات، خلال فصل الشتاء وموجات البرد المتكررة، حيث يعيش أكثر من 40 ألف ليبي النزوح القسري داخل مخيمات وبيوت الصفيح في شرق البلاد وغربها، بعد طردهم من مدينتهم إبان ثورة 17 شباط/فبراير عام 2011.
داخل مخيم بنغازي تعيش سالمة عبد الهادي مع أبنائها الثلاثة معاناة النزوح في بيوت الصفيح التي تفتقر لسبل الإقامة الصحية، وتقول "نعيش داخل بيوت الصفيح، وتعيش معنا القوارض والحشرات التي تحتاج لكميات كبيرة من المبيدات والمنظفات، فبيوت الصفيح تكون شديدة الحرارة في فصل الصيف وباردة جداً وغير مؤهلة للسكن في موسم هطول الأمطار والبرد، كما أنها تفتقر إلى الكهرباء والماء"، موضحة أن صعوبة العيش دفعتها إلى صناعة المنسوجات السعفية لتأمين احتياجاتها.
هذا حال أغلب العائلات المهجرة والنازحة في المخيمات شرق البلاد وغربها منذ 2011، حيث لم تستطع الحكومات المتعاقبة وضع قواعد او حلول لإعادة أهالي تاورغاء المهجرين قسراً إلى مدينتهم، فخلال سنوات النزوح لجأت أغلب النازحات من تاورغاء إلى الحرف اليدوية من صناعة الفخار والأدوات المنزلية من العسف وأيضاً صناعة الخبز البدوي الذي يلاق رواجاً كبيراً بين المواطنين.
وأوضحت أن الحكومات لا تلتفت إليهم ولا لاحتياجاتهم، غير أن المنظمات المحلية والدولية هي التي تقدم لهم المساعدات والاحتياجات الصحية والغذائية بين فترة وأخرى.
وتزداد قساوة العيش داخل مخيمات تاورغاء خلال فصل الشتاء وهطول الأمطار، حيث تغرق بيوتهم وخيمهم بالمياه، وتتوقف أغلب صناعاتهم الحرفية المنزلية.
ويتداول بين الحين والآخر نشطاء منصات التواصل الاجتماعي صوراً توضح الوضع المأساوي الذي يعيشه أهالي تاورغاء داخل المخيمات، ويطالبون الحكومات بتحمل مسؤولياتها تجاه هذه الأسر التي تواجه منفردة الظلم والمرض والأوبئة داخل المخيمات وبيوت الصفيح.
وطالبت سالمة عبد الهادي باتخاذ ما يلزم حيال أهالي تاورغاء النازحين وغير القادرين على العودة لمدينتهم التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة وتقول "وعود الحكومة كثيرة، لكن دون فائدة، لقد تعبنا من النزوح والتهجير".
وعن وضع النساء والفتيات النازحات من تاورغاء داخل المخيمات تقول "أغلب النساء من حاملي الشهادات العليا تعملن في وظائف ومهن بعيدةً تماماً عن تخصصاتهن لعدم امتلاكهن ما يثبت تخرجهن من الجامعات أو حصولهن على درجات علمية عليا، فهناك ممرضات وطبيبات تعملن الآن في جمع النفايات".
ولا تختلف معاناة سالمة عبد الهادي، عن معاناة رحلة علي وهي في العقد السابع من عمرها تعيش منذ 11 عاماً داخل المخيمات في بنغازي، التي تم بنائها من بقايا الصفيح والقطع المعدنية، التي تشتد حرارتها خلال فصل الصيف وتزداد برودة خلال سقوط الأمطار وهبوب الرياح.
وأوضحت رحلة علي وهي أمي لـ 9 أطفال، أن البيوت المبنية من الصفيح تنهار بين الحين والآخر بسبب الرياح القوية، وخاصة عندما تكون مصحوبة بالأمطار أو الأتربة والأوساخ، حيث انهارت عدة بيوت على العائلات الموجودة داخلها خلال السنوات الماضية.
ولفتت إلى أنها تصنع خبز التنور داخل أسطوانات حديدية شديدة الحرارة، وتبيعها للسكان المحليين بأسعار مناسبة، لتؤمن قوتها اليومي، مشيرةً إلى أنه لا يوجد أي تجاوب للحكومات المتعاقبة مع أزمة العائلات النازحة من تاورغاء، ومعاناتهم داخل المخيمات التي تفتقر لأبسط سبل العيش.
وطالبت الجهات المختصة بضرورة العمل على بناء مساكن ومخيمات تصلح للعيش، خاصةً أنهم لا يستطيعون العودة إلى مدينة تاورغاء التي هجروا منها قسراً ولا تزال مدمرة "ذهبت لأتفقد مدينة تاورغاء قبل مدة لكني لم أستطع المكوث فيها طويلاً، كل المنازل مدمرة كما أنها غير آيلة للسكن لعدم وجود الكهرباء والماء".
وكانت حكومة الوفاق الوطني السابقة قد أعلنت عام 2017 عن الموافقة بعودة مهجري تاورغاء إلى مدينتهم وذلك عقب جملة من المفاوضات التي أجريت في هذا الملف، ولكن حتى الآن لم ينفذ هذا القرار، وقوبل بالتجاهل والرفض، ومع كل هذه المساعي يظل أهالي تاورغاء يعيشون في بيوت الصفيح والخيم حياة مأساوية مقابل صمت تام من المنظمات الدولية والمحلية المعنية بحقوق الإنسان والطفل والمرأة.