"بانوراما برشا" مبادرة تسعى لإرساء حقوق المرأة من خلال العروض الفنية

المسرح أحد طرق الإقناع والتأثير على المتلقي، لذا وضعته الكثير من المؤسسات العلاجية ضمن قوائمها باعتباره وسيلة للتعافي.

أسماء فتحي

القاهرة ـ الفن يرتقي بالروح والحياة ويؤثر على من يتعاطى معه سواء في سلوكياته أو معاملاته العامة كونها واحدة من أدوات تهذيب العقول وأداة سحرية تمتص حالات العنف والأزمات والضغوط.

في مدينة المنيا بمصر أطلقت مبادرة تحت عنوان "بانوراما برشا" اتخذت من ألوان الفنون المختلفة وخصوصاً مسرح الشارع طريقاً للتأثير على القضايا المجتمعية وتصحيح المسار خاصة فيما يتعلق بقضايا النساء والأطفال، وما يستوقف المرء، وحول هذه المبادرة أنها ولدت في قرية لا تعترف بحق الفتاة في العمل أو الدراسة فكيف لو كان الوقوف أمام المارة لتقديم مشاهد تمثيلية.

والشجاعة عنوان هذه المبادرة التي صمدت وأخذت تعمل على تطوير أدواتها إلى أن خلقت مساحة قبول لها في القرية بعدما كان أهلها ينهون عن هذا العمل بالأحجار التي يلقيها الأطفال على الممثلين أثناء أدائهم العروض، بل والشتم أحياناً بأبشع الألفاظ، كل ذلك في سبيل رفض إحداث تغيير حقيقي على أرض الواقع، وللتعرف أكثر على مبادرة "بانوراما برشا" وواقع المرأة كان لوكالتنا حوار مع مؤسستها يوستينا سمير.

 

ما هي بانوراما برشا والرسالة التي تريد إيصالها للمجتمع؟

عندما قررنا العمل على قضايا المرأة والطفل بقريتنا بحثنا عن اسم يعبر عنا كنساء ويرتبط بالبيئة التي نتعامل مع قضاياها فاخترنا اسم "برشا" في المنيا، ووقع الاختيار أخيراً على "بانوراما برشا" كوننا نرغب في تسليط الضوء وتركيزه على الفنون انطلاقاً من قريتنا.

ونحن فريق يهتم بالفنون المجتمعية في الشارع "كمسرح الشارع" وعادة ما نربطها بالقضايا المجتمعية الخاصة بالمرأة والطفل كالتحرش والختان والزواج المبكر وأغلب الأزمات التي تنتشر في منطقة الصعيد.

أغلب عملنا في المدن الكبرى لكننا نميل للعمل داخل القرى لأن المدن لديها الكثير من وسائل التسلية والترفيه ويمكن للجميع المشاركة والاستمتاع بها بينما القرى محرومة تماماً من ذلك.

 

ما هي أبرز المعوقات التي واجهت مسرح الشوارع؟

بدايةً قوبلنا بالرفض الشديد من الجميع وتعرضنا لكم كبير من الانتهاكات أثناء أداء العروض كالتحرش كما تم الاعتداء بالضرب على الممثلات، لقد تحملنا وابل من العبارات القاسية منها "أنتن فتيات غير مؤدبات، لا يوجد من يردعكن، أنتن لا تردن أن تتزوجن"، بالإضافة لتحريض الأطفال على رمي الممثلات بالحجارة أثناء العروض، كما تلقينا العديد من التهديدات بهدف إخافتنا ومنعنا عن العمل.

والعديد من العوائل منعت الفتيات من العمل معنا، لكننا استطعنا إيصال صدق نوايانا عندما دخلنا إليهم من عدة طرق لمست قلوبهم وعقولهم وهو ما ساهم في تغيير الوضع الآن إلى حد كبير، ومع كثرة العمل والجهد بات لدينا العديد من الجماهير التي تحب الأجواء التي نوفرها وتهتم بمشاهدة عروضنا التي تلامس واقعها.

 

إلى أي مدى أثر مسرح الشوارع على قضايا النساء في القرى؟

شخصياً لم أكن أتخيل أن المسرح له كل هذا التأثير، ولكن بعد تواجدي في الشارع وعملي مع الناس لمست تلك النتائج التي أبهرتني وفريق العمل كذلك، وتأكدنا أنه كلما اقتربنا من البساطة نجد طريقنا إلى قلوب المشاهدين قبل عقولهم.

وتعلمنا أيضاً أن التكرار يغير رأي المتلقي ويرسخ الرسالة التي نسعى لإيصالها ويؤكد له أن هناك أمور تحتاج لتصويبها، لذلك يعد الفن من الوسائل الحيوية والفعالة التي تحقق نتائج أسرع من جميع أدوات التعاطي مع الواقع المجتمعي.

 

هل يمكنكِ التطرق لواقع النساء في القرى التي تقدم فيها العروض؟

قرية برشا تتبع مركز ملوي الذي يضم نحو 78 قرية وهو أحد مراكز محافظة المنيا، وتقع قريتنا في منطقة شروق المركز أي أنها قريبة بالفعل من منطقة الجبال، ويرى المجتمع هناك أن ضرب الزوجة حق مشروع للرجل وكذلك منعها من الخروج بحجة حمايتها وخوفاً عليها، كما يعتبر الزواج المبكر أمر طبيعي وختان الإناث عادة لابد منها، لكن بعد العديد من العروض ذات الأهداف التوعوية استطعنا تصحيح العديد من هذه الأفكار المغلوطة.

ومع الأسف النساء هناك على هامش المعادلة لا يحق لهن اتخاذ أي قرار في أي أمر يخصهن، وهو ما دفعنا للتجول بشوارع قريتنا وجمعنا عدد من القصص الواقعية للنساء هناك وقمنا بتطويعها لإنتاج عروض مسرحية منها، بالتأكيد الرجال هناك لم يدركوا مدى معاناة النساء حتى رأوا ذلك بأعينهم من خلال العروض المسرحية.

وخلال عملنا في المسرح لمسنا كم الكبت الذي سيطر على النساء كونهن محرومات من الإفصاح عما تعانين منه، ووجدن في عروضنا فرصة للحديث والبوح وهو الأمر الذي نعده نتيجة مرضية لعملنا.

في العموم وضع المرأة صعب في كل مكان، لكني أراها في مدينة المنيا قوية تستطيع القيام بأكثر من عمل في آن واحد كما أنها تتحمل مسؤولية عائلتها بشكل كامل وتدير أمورها دون أي تقصير.

أما المجتمع فهو يرى أن ما تتخطاه المرأة من أعباء فرضت عليها هو واجب عليها خاصة إن كان الأمر يتعلق بتربية الأطفال والعمل داخل المنزل وخارجه، لكن عندما يتعلق الأمر بتطوير ذاتها فهو ليس من حقها كما أنها تحتاج لإذن لفعل ذلك.

 

هل يمكنك ذكر تفاصيل أبرز العروض التي تم تقديمها ومدى التفاعل الذي حصلت عليه؟

قمنا بعدد ليس بالقليل من العروض إحداها كان بعنوان "الفرح" والذي تحدث عن الزواج المبكر، وهو أول عرض استخدمنا فيه الأغاني التراثية التي رأى فيها الجمهور "قلة أدب"، لقد كان عن فتاة تجلس على كرسي العرس وتستمع من مكانها لأحاديث الحضور الجانبية حولها، ثم تصرخ لتخبرهم عن عدم رغبها في الزواج وأن لديها أحلام تريد تحقيقها بعد أن رأت أن من حولها حضروا فقط لرؤيتها كيف تبدوا في فستان العرس، رغم أنه كان عرضاً بسيطاً إلا إنه استطاع تغيير أفكار قاطني القرية إلى حد كبير حول الزواج المبكر، بعد أن لمسوا حجم المسؤولية التي ستقع على كاهل الفتيات.

وهناك عرض آخر حمل اسم "محكمة القرية" وتعرضنا خلاله لإساءات كثيرة، فقد طرحنا فيه فكرة محاكمة المجتمع "القرية"، ومن ضمن المشاهد كانت هناك فتاة تتعرض للوم كونها فقدت طفلها بحجة إهمالها، حاولنا تسليط الضوء على مشاعرها وأفكارها كونها لم تبلغ السن القانوني للزواج وأجبرت على تحمل مسؤوليات كبيرة وبالتالي لن تتمكن من حماية طفلها ورعايته، وكذلك التحرش وغيرها من القضايا التي أثارت تساؤلات وانفعالات سكان القرية.