إيران... انتحار معتقلات سياسيات بعد الإفراج عنهن
يعتبر انتحار المعتقلين/ات السياسيين بعد الإفراج عنهم إحدى التحديات التي يواجهها المجتمع في إيران وشرق كردستان، والصمت في مواجهة هذا التحدي يمكن أن يؤدي إلى استمرار القتل والاعتداء الجنسي.
مجدة كرماشاني
مركز الأخبار ـ خلال العقود الأربعة الأخيرة في ظل حكم الجمهورية الإسلامية، اعتقل عدد كبير من المتظاهرين/ات وأطلق سراحهم بعد فترة، لكن الحرية لم تدم طويلاً وأدت إلى انتحارهم، وهي قضية تم تداولها بين الحين والآخر على مواقع التواصل الاجتماعي، ثم تم نسيانها فيما بعد.
التعذيب الجسدي والنفسي لمنع التمرد
يستخدم المحققين في مراكز الاحتجاز الإيرانية كافة أساليب التعذيب النفسي والجسدي والتهديدات والإهانات ضد المتهمين الموقوفين في السجون خاصةً المتظاهرين، ويعتقدون أن المفرج عنه من السجن لا يخاف، وسيصبح أكثر إجرامية من ذي قبل. السجن لا يجعل أحداً أسوأ مما كان عليه عندما لم يكن في السجن، بل على العكس من ذلك، فهو قادر على معاقبة الأشخاص الذين ارتكبوا أعمالاً غير قانونية ضد الحكومة، وبسبب التعذيب المتتالي في السجن يمكن إصلاحهم بعد الإفراج عنهم، ولم يعودوا يعملون ضد القانون.
إن سياسة الحكومة الإيرانية، التي استمرت لأكثر من أربعة عقود ضد معارضيها، واضحة للعيان في احتجاجات الأعوام الأخيرة، وكان أحد أساليب قمع السجناء السياسيين هو سياسة إجبارهم على دخول مستشفيات الأمراض العقلية، الأمر الذي يُعتبر مشروع جديد للمؤسسات الأمنية للتعامل مع النشطاء السياسيين، وهي سياسة أدت إلى مقتل وإبعاد عدد كبير من المعتقلين السياسيين.
في الواقع، كان قتل وانتحار السجناء السياسيين بأساليب وأدوات مختلفة خلال حكم الجمهورية الإسلامية الإيرانية؛ عملية متكررة لبث الخوف والرعب بين المجتمع ومنع التمرد. في الانتفاضة الشعبية الأخيرة المستمرة منذ أكثر من خمسة أشهر، فقد ما لا يقل عن 12 متظاهراً حياتهم بشكل مريب بعد إطلاق سراحهم، وهو دليل على الجرائم المنظمة للجمهورية الإسلامية ضد معارضيها.
الاغتصاب يدفع المعتقلات إلى الانتحار
يعتبر الاعتداء الجنسي على المعتقلات في السجون الإيرانية من أبشع أشكال التعذيب ومثال واضح على انتهاك حقوق الإنسان، حيث يتم فرضه على المعتقلات لتدميرهن نفسياً وله تأثير مدمر للغاية على معنوياتهن، لدرجة أنه بعد الإفراج عنهن تشعرن بالإهانة فيفضلنّ الموت على الحياة، وهي سياسة انتهجتها السلطات لقمع المعتقلات وسحب الاعتراف القسري منهن.
وبحسب التحقيقات، تم الضغط على السجناء السياسيين خاصةً الأطفال الذين تم القبض عليهم بتهم كاذبة كتعاطي المخدرات حتى لا يتمكنوا من المشاركة في الاحتجاجات بعد إطلاق سراحهم من السجن. ويتم إعطائهم حبوب الهلوسة التي تؤثر بشكل قوي على السجناء في فترة قصيرة من الزمن والتي تسبب اكتئاباً شديداً ويأساً وتشوشاً وبارانويا أو ما يسمى بـ جنون الارتياب (اضطراب نفسي عصبي يشعر به المريض دائماً أنه معرض للاضطهاد والتهديد، والشعور بالخطر والملاحقة من الآخرين)، وهي إحدى عوامل انتحارهم بعد إطلاق سراحهم. كما أن الاغتصاب والشتائم والتعذيب النفسي من بين الأمور الأخرى التي تؤثر على السجناء وخاصة الأحداث، وبعد الإفراج عنهم يكونون في حالة من اليأس ثم يدفعونهم إلى الانتحار.
وتتكرر هذه المأساة في صمت المجتمع القاتل، وبين الحين والآخر يصبح أحد السجناء ضحية لهذه السياسة الممنهجة للحكومة، من بينهم یلدا آقافضلي البالغة من العمر (19 عاماً)، التي اعتقلت في 26 تشرين الأول/أكتوبر 2022، خلال مشاركتها في الانتفاضة الشعبية الأخيرة، وأفرج عنها بعد يوم من اعتقالها، ولكن بعد 15 يوماً عثرت عليها عائلتها جثة هامدة في غرفتها، وعزت وسائل الإعلام الموالية للحكومة وفاتها إلى "تعاطي المخدرات بشكل مفرط".
عاطفة نعامي (37 عاماً) متظاهرة أخرى اختطفت من قبل المخابرات خلال مشاركتها في الاحتجاجات الأخيرة والتي كانت توزع منشورات عن حرية المرأة، وبعد ثمانية أيام من الإفراج عنها في 26 تشرين الثاني/نوفمبر 2022، عُثر على جثتها هامدة في شقتها بحي أعظمية في مدينة كرج وهي مغطاة ببطانية في شرفة منزلها بجانبها خرطوم متصل بصمام غاز بالقرب من فمها.
شلير فرهادي ومهديس قوامي ضحيتا جرائم النظام الحاكم
وفي عام 2016، أثناء زيارة خامنئي لمدينة كرماشان بشرق كردستان وتلاوة عريضة في جامعة الرازي بخصوص حالة المجتمع الإيراني خاصة الجامعات التي وصلت لتوقيع 80 شخصاً، تم استدعاء واعتقال عدد كبير من الموقعين منهم طالب العلوم السياسية في جامعة الرازي شلير فرهادي ونُقلت إلى سجن إيفين لمدة خمسة أشهر.
وبعد فترة أطلق سراحها مؤقتاً فعندما ذهبت عائلتها إلى السجن رأوا ابنتهم ضعيفة وهزيلة جداً، حتى أنها لا تستطيع المشي بمفردها. مكثت شلير فرهادي في المنزل لمدة شهر ولم تتحدث خلال هذه الفترة أي شيء عن التعذيب الذي تعرضت له في السجن. وبعد شهر اتصلت نيابة كرماشان بأسرتها وأعلنت أنه يجب أن تسلم نفسها للمخابرات في غضون ثلاثة أيام، وعندما سمعت ذلك فضلت الموت على العودة إلى السجن فانتحرت بسلاح صيد.
وفي 27 كانون الثاني/يناير 2017، انتحرت مهديس قوامي وهي مهندسة معمارية كردية لم تتعد عقدها الثالث، بعد خروجها من معتقل المخابرات في مدينة كرماشان بعد احتجازها لمدة يومين فقط عن طريق ابتلاع كمية كبيرة من الأقراص المنومة، بسبب تعرضها للاغتصاب من قبل ضباط المخابرات الذين منعوا عائلتها من الكشف عن الجريمة وأسباب انتحارها وتجنب التطرق لتفاصيل الحادثة وهو ما أدى إلى التأخير عن إعلان وفاتها.
هذه الروايات والحقائق أحداث مريرة تكررت في عهد الجمهورية الإسلامية، وفي كل احتجاج وانتفاضة يتم اعتقال عدد كبير من المعارضين والنقاد والمطالبين بالحرية تحت ضغط نفسي وجسدي.