أول مكتب عقاري بإدارة امرأة في مقاطعة الرقة
كخطوة فريدة من نوعها افتتحت نور الصباغ أول مكتب عقاري في مقاطعة الرقة بإقليم شمال وشرق سوريا متحدية ذهنية المجتمع الذكورية لإثبات كيانها ووجودها.
سيبيلييا الإبراهيم
الرقة ـ تعتبر نور الصباغ من أوائل النساء اللواتي حصلن على بطاقة الأصناف لافتتاح مكتب عقاري في مقاطعة الرقة، بعد معاناتها مع المكاتب العقاري، وتسعى من خلاله لمساعد غيرها من النساء.
تعاني المرأة في ظل الأنظمة الرأسمالية التي تبني ذاتها على دحض إرادة الشعوب والمرأة على وجه التحديد، لذلك تتسبب في ترسيخ ذهنية التعنت تجاه المرأة وتهميش دورها إلى يومنا الراهن، بالرغم أنها في القرن الواحد والعشرون الذي وصف بقرن حرية المرأة، إلا أن المجتمع لا يزال يرى دورها محصور في عدد من المجالات، لكن تطبيق مشروع الأمة الديمقراطية في إقليم شمال وشرق سوريا ساهم بشكل كبير في فتح المجال أمام النساء للعب دورهن الحقيقي وإثبات كيانهن.
ومن النساء اللواتي خطين خطوة في مهن كانت حكراً على الرجال، نور الصباغ من مدينة حمص نزحت إلى مقاطعة الرقة عام 2011 أم لثلاثة أطفال، انفصلت عن زوجها منذ سبعة أعوام بسبب ذهنية عائلته السلطوية تجاه المرأة، وحول لجؤها لافتتاح مكتب عقارات، تقول نور الصباغ "بحكم أنني منفصلة عن زوجي ولا أملك منزل كان عليّ أن استأجر واحداً يؤويني وأولادي، وخلال رحلة البحث اعترض طريقي العديد من المشاكل خاصة مع أصحاب المكاتب العقارية كوني منفصلة ونظرتهم دونية تجاهي، الأمر الذي دفعني للتفكير في افتتاح مكتباً عقارياً خاصي بيّ أطلقت عليه اسم "اللبوة" التي ترمز لقوة أنثى الأسد في الغابة كناية عن تعامل المرأة مع أصحاب المكاتب العقارية، وقبل افتتاحي للمكتب قمت بجولة على عدد المكاتب لمعرفة المزيد من التفاصيل وكيفية التعامل مع الزبائن".
وأضافت "بدأت الخطوة الأولى لافتتاح المكتب منذ قرابة ثمانية أشهر، تمثلت بإخراج بطاقة أصناف وكان الأمر غاية في السهولة حيث حصلت على تسهيلات عدة من قبل المؤسسات المعنية بالشؤون العقارية لتشجيع النساء على خطو مثل هذه الخطوات".
وحول تفاصيل عملها والمعوقات التي اعترضتها قالت "يرى المجتمع أنه لا يحق ليّ أن أعمل في هذا النوع من المهن أو حتى غيرها، إلا أنني استطعت مواجهة كل هذه التحديات وإثبات كياني ومكانتي بالإرادة والإصرار إلى جانب التشجيع والدعم الذي تلقيته من قبل مكتب الأصناف من خلال التسهيلات التي منحني إياها".
وعن الأسباب الكامنة وراء عدم تقبل المجتمع لفكرة تواجد المرأة في هذا النوع من الأعمال أوضحت "مرت على النساء فترات عصيبة ومأساوية إبان سيطرة داعش على المنطقة، القمع والظلم ضد المرأة وعقلية المجتمع الشرقي كانت عناوين لتلك الفترة، بقي القليل من رواسب الفكر المتطرف تؤثر على عملية تقدم وتطور المرأة، ومن خلال عملي بهذه المهنة أردت أن أثبت للمجتمع أن المرأة قادرة على التواجد في العديد من المجالات وأن تنهض من تحت الركام لتبني ذاتها، وانتقادات المجتمع كان أبرز الدوافع التي وظفتها لأكمل ما بدأت به، في اليوم الأول لافتتاح المكتب وقعت أول عقد ليّ وقد شجعني ذلك ودفعني للاستمرار".
وأضافت "هناك العديد من النساء تقصدن مكتب اللبوة تحديداً، نظراً لحسن المعاملة التي تتلقينها والاهتمام لأمرهن في الحصول على منازل تأويهن، خاصة كوني امرأة تجدن ذلك أفضل حيث أننا نفهم بعضنا البعض، فأخذهن في جولة على المنازل التي توضع برسم الإيجار للكشف عن مدى توفر معايير السكن ولوضع السعر المناسب لاستئجاره، حيث أنه يجب أن يناسب كلا الطرفين"، لافتةً إلى أنه "كوني امرأة عاطفتي تغلبني، لذلك أتعامل مع المستأجرين بطريقة خاصة قليلاً أيضاً لكوني عانيت ذات الأمر وأدرك تماماً ما معنى أن تقع فريسة لأصحاب المكاتب العقارية".
وعن التنسيق بين عملها ورعاية أطفالها قالت نور الصباغ "أطفالي يرتادون المدارس وبات لديّ منزل على مسافة قريبة من مكان عملي الأمر الذي يسهل عليّ التنسيق بين دوري كأم وربة منزل وعملي في المكتب العقاري، وهناك ساعات محدد لافتتاح المكتب".
وفي ختام حديثها حثت النساء على العمل وعدم البقاء مكتوفات الأيدي "يجب على النساء أن تتحلين بالقوة والإرادة ولا تخضعن للظروف والعادات والتقاليد البالية، نعيش في حقبة الديمقراطية حيث بات للمرأة نصيب ودور في كافة المؤسسات والمشاريع، ويجب أن إلا تسمحن للحالة الاجتماعية أن تكون عائقاً امام تقدمهن بل على العكس يجب أن تجعلهن مصدر قوة ودفع لهن نحو الأمام، لا زلت أسعى إلى تطوير ذاتي أكثر فما وصلت إليه لا يكفي هناك المزيد".
وعن خطوة نور الصباغ التي أثرت وشجعت العديد من النساء للعمل معها، قالت هنادي محمد "عندما سمعت أن امرأة افتتحت مكتباً عقارياً لم أتوانى عن العمل معها في أقرب فرصة أحصل عليها من قبل نور الصباغ، لأن عمل المرأة في مثل هذه المهنة بمثابة خطوة عظيمة لإثبات قدراتها، واجهت انتقادات بعد العمل مع نور الصباغ، لكن ذلك لم يكن كافياً للثني من عزيمتي وإصراري بل حولت هذه الانتقادات لدافع حتى استمر دون تردد".
ولفتت إلى أنه "يجب على المرأة ألا تيأس مهما كانت الظروف التي مرت بها، وأن تناضل في سبيل إثبات كيانها ووجودها ضمن المجتمع، فخطوة العمل بالمكتب العقاري منحتني الثقة بنفسي، كما بات لديّ خبرة في هذا المجال، المرأة التي تعمل ولا تمد يدها لأحد هي من تناضل وهي الأقوى في المجتمع".