'التغيير لا يأتي بسهولة لكنه ليس مستحيلاً'
تشهد النساء القاطنات بالجماعة القروية سيدي بيبي جنوب المغرب، تحديات اجتماعية كبيرة، تكشف عن واقع قاسي يعكس التهميش والتقاليد التي تحد من حرية المرأة.
![](https://test.jinhaagency.com/uploads/ar/articles/2025/02/20250208-almadt-jpg8d8073-image.jpg)
حنان حارت
المغرب ـ ظهرت في سيدي بيبي أصوات نسائية تسعى إلى التغيير بالرغم من الصعوبات التي تتلقاها، منهن سعاد العلامي، التي استطاعت من خلال عملها الجمعوي كسر جدار الصمت ومواجهة الأعراف التي تقيد حرية النساء.
في ضواحي إقليم اشتوكة آيت باها، نواحي مدينة أكادير جنوب المغرب، تقع الجماعة القروية سيدي بيبي، التابعة لعمالة بيوكرا، التي تتميز بتنوع طبيعي فريد، يجمع بين المناخ شبه الصحراوي، وبين سحر البحر الذي يلتقي معه في توازن طبيعي، وسط كل ذلك تبرز معاناة النساء مع هيمنة الثقافة الذكورية، التي تقيد استقلاليتهن وتساهم في تفشي التهميش والفقر والعنف، مما يشكل حاجزاً أمامهن لتحقيق أبسط حقوقهن.
سعاد العلامي، عاشت وتعايشت مع معاناة النساء في سيدي بيبي، لكنها لم تقبل الاستسلام لهذا الواقع، ففي عام 2018، أسست جمعية "تامغرات" لمناهضة العنف وجميع أشكال التمييز ضد النساء، متحدية جميع الضغوط المجتمعية التي كانت تعارض هذا التوجه في منطقة قروية حيث تحكم التقاليد حياة الناس.
وعن تجربتها، قالت "كانت هناك أصوات تعتقد أن تأسيس الجمعية سيؤدي إلى إخراج النساء عن طاعة المجتمع التقليدي، بل سيجعلهن تتمردن على عادات وأعراف المجتمع"، مضيفةً "لم يكن الطريق ممهداً، فقد واجهت العديد من الصعوبات، من محاربة فكرية واجتماعية إلى مقاومة شديدة من بعض الفئات".
لم تسمح سعاد العلامي للعوائق أن تقف في وجه حلمها، إذ تمكنت من شق طريقها رغم كل الصعاب، من أجل مستقبل أفضل للنساء في منطقتها "الجمعية التي كانت في البداية مجرد فكرة، أصبحت اليوم صوت النساء في الإقليم، ومنبراً للحديث عن حقوقهن ودعماً لهن في مواجهة العنف والتمييز".
وأضافت "هدفي هو تحطيم القيود التي تكبل النساء في سيدي بيبي، وتمكينهن من الوصول إلى حقوقهن الأساسية، فالتحديات كثيرة، لكنني أؤمن أن التغيير ممكن إذا عملنا سوياً، فنحن بحاجة إلى دعم المجتمع بكامله، ليس فقط من خلال الكلمات، بل من خلال الأفعال".
وحول أوضاع النساء في سيدي بيبي، بينت سعاد العلامي أنهن تعشن واقعاً مريراً، خاصة العاملات في القرى والشركات الفلاحية "إنهن تواجهن استغلالاً اقتصادياً، مما يقيد استقلاليتهن المادية".
وأوضحت أن "العاملات في القطاع الفلاحي تعانين من استغلال اقتصادي صارخ، وغياب الحماية الاجتماعية، كما أن رواتبهن، التي تحصلن عليها بشق الأنفس، تصبح تحت سيطرة الأزواج الذين يفرضون عليهن التخلي عنها تحت مبررات مختلفة مثل المسؤوليات العائلية".
وعن وضع النساء في المناطق الجبلية المحيطة بسيدي بيبي، قالت سعاد العلامي أنهن أيضاً تعشن ظروفاً صعبة ومعاناة يومية تتفاقم بفعل العزلة الجغرافية والاجتماعية "وعورة الطريق بالإضافة إلى عامل الزلزال الذي ضرب المنطقة في 2023 صعب وصول النساء للخدمات الأساسية"، لافتة إلى أن هذا الوضع يعزل النساء عن باقي المجتمع، ويزيد من تعقيد حياتهن، فيبقين مقيدات بأدوار تقليدية ويفتقدن للتوعية بحقوقهن أو بفرص التطور.
وعن التحديات التي تواجه الجمعيات التي تحاول العمل في هذه المناطق، أبرزت أن وعورة المسالك ونقص الموارد المالية والعقليات التقليدية لا تزال تكرس التمييز والعنف ضد النساء، وتصعب من ولوج الجمعيات لهذه المناطق.
وذكرت سعاد العلامي أنه بالإضافة للعنف الاقتصادي، تعاني النساء في المنطقة من أشكال أخرى من العنف الذي يؤثر بشكل كبير على حياتهن اليومية "هناك العنف الجسدي والنفسي الذي يمارسه المجتمع على النساء بسبب تمسكه بالتقاليد".
وعن حجم العنف الذي تتعرض له النساء في المنطقة، قالت "العنف ضد النساء تفاقم منذ جائحة كورونا، هنا لا يتوقف العنف عند الجسدي فقط، بل يتعداه ليشمل كافة جوانب الحياة، حتى في أبسط حقوق المرأة في التعبير عن رأيها أو اتخاذ قراراتها الشخصية، وهناك سلطة تمارس على النساء".
وأوضحت أن هناك بعض الأطراف تستغل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للنساء خلال الحملات الانتخابية، حيث ينظر إليهن كأدوات لجمع الأصوات بدلاً من مشاركتهن الفعالة في صنع القرار، لافتةً إلى أن هناك امرأة من القرية، قررت خوض غمار السياسة، لكنها تعرضت للتهديد والعنف بشتى أشكاله، وذلك لإجبارها عن التراجع للفكرة.
وحول كيفية محاربة العنف ومواجهة العقليات الرجعية، قالت إن محاربة العنف لا يتوقف عند الإجراءات القانونية أو المساعدة المباشرة، بل يجب أن تشمل تغيير العقلية المجتمعية التي تقبل العنف أو تبرره، مشددة على ضرورة تأطير وتعليم النساء والرجال على حد سواء أن العنف ضد المرأة غير مقبول تحت أي ظرف كان.
ومن أجل كسر حاجز الصمت والخوف من الاعتراف بالعنف الذي تتعرض له النساء في سيدي بيبي، اتخذت خطوة جريئة لتخصيص رقم هاتفها الشخصي للنساء المعنفات في المنطقة، مشجعة إياهن على الاتصال بها في حال كن تعانين من أي شكل من أشكال العنف، مشيرة إلى أن العديد من النساء تعشن في بيئة تشجع على التكتم ولا تسمح لهن بالتعبير عن معاناتهن، خوفاً من الفضيحة أو من ردود الفعل الاجتماعية القاسية "في المجتمعات المحافظة، يعتبر البوح بالعنف نوعاً من العار، مما يزيد من معاناة النساء ويجعلهن يحجبن الحقيقة".
وأوضحت "أردت أن تشعرن بالأمان عندما تتواصلن معي، وكان من الضروري أن تعرفن أنني هنا لأساعدهن، وأنهن لن تواجهن أي انتقادات أو لوم، لأن كل حالة نتعامل معها بحذر واحترام تام لخصوصيتها".
وترى سعاد العلامي أن تحقيق التغيير في سيدي بيبي والمناطق القروية بالمغرب يتطلب إرادة سياسية قوية وتظافر الجهود بين كل القطاعات، ودعماً من كافة فئات المجتمع.
وشددت على أهمية الاستثمار في التعليم إضافة إلى تعزيز الحماية القانونية وتوعية النساء بحقوقهن الاجتماعية "التغيير لا يأتي بسهولة، لكنه ليس مستحيلاً، نحن نطمح إلى بناء مجتمع تحترم فيه كرامة المرأة وحقوقها، فالأمل موجود، ويبدأ بخطوات صغيرة نأمل أن تؤدي إلى مستقبل أفضل".
وبينت سعاد العلامي أنه برغم قلة الإمكانيات وعدم توفر الدعم، إلا أن جمعية "تامغرات"، باتت اليوم واحدة من الجمعيات الرائدة التي تقدم الدعم للنساء بجماعة سيدي بيبي، لأنها تمكنت من نسج شراكات مع جمعيات أخرى على المستوى الوطني، من أجل نقل واقع نساء المنطقة ورفع أصواتهنّ.
وتبقى جهود سعاد العلامي وجمعيتها "شعلة أمل" في سيدي بيبي، فهي ليست مجرد نموذج للمقاومة النسائية، بل دليل على أن التغيير ممكن حينما تتوفر الإرادة، مهما كانت التحديات صعبة، لأن النضال لا يتوقف حتى تتحقق العدالة والمساواة.