أسيرة فلسطينية سابقة تسرد ما تتعرض له الفلسطينيات
أكدت الأسيرة الفلسطينية السابقة ميسر العطياني، أن النساء المعتقلات في السجون الإسرائيلية لهن نصيب كبير من العنف الممارس، بدءاً من لحظة الاعتقال التعسفي مروراً بالتحقيق وإصدار الأحكام بحقهن، حيث تتعرضن للتعذيب والتحرش والاغتصاب
إخلاص الحمروني
تونس ـ بالرغم من اعتقال الناشطة الفلسطينية النسوية ميسر العطياني، عدة مرات من قبل القوات الإسرائيلية وتعرضها للعنف بمختلف أشكاله في المعتقل، إلا أن ذلك لم يزدها سوى إيماناً بقضيتها وصموداً، ورصدت حياة المرأة الفلسطينية في المعتقلات من خلال كتابتها يوميات لأسيرات مختلفات.
ميسر العطياني مواطنة فلسطينية، فلاحة من قرية السارية التي تم اقتحامها من قبل القوات الإسرائيلية ومصادرة أراضيها، وهي خريجة علوم سياسية وصحافة، تنحدر من عائلة بسيطة تمتهن الفلاحة، وتقيم في مدينة نابلس بتونس منذ خمس سنوات.
وتعمل حالياً في اتحاد المرأة الفلسطينية، وسبق إن عملت في السفارة الفلسطينية بتونس لمدة عامين، فاستقرارها في تونس لم يمنعها من نسيان قضيتها الأم قضية بلدها فلسطين، حيث تعد واحدة من الناشطات والمدافعات عن أرضهن.
عن ارتباطها بأرضها وإن كان بإمكانها الذهاب إلى فلسطين أم لا بعد سنوات من إقامتها في تونس تقول إنه قد مضى حوالي شهر على عودتها من بلدها "لقد شاهدت كيف تهاجم القوات الإسرائيلية أراضينا في فلسطين عندما ذهبت في زيارة إلى هناك لمدة ثلاثة أشهر منذ مدة قصيرة"، لافتةً إلى أنها تزور بلادها وعائلتها كلما سنحت لها الفرصة.
وأضافت "رغم الهجمات نحن صامدون وثابتون مثل جذور الزيتون، لن نرحل من أرضنا وسنظل نقاوم بكل حب وامتنان"، مشيرةً إلى أن المرأة الفلسطينية تعاني غبناً مضاعفاً "تتعرض النساء هناك للقتل بشكل مباشر والاعتقال دون أي سبب، بالإضافة إلى العنف بكافة أشكاله أبرزه العنف النفسي وذلك بشكل غير مباشر من خلال تدمير منازلهن أو اعتقال أزواجهن أو أبنائهن".
ولفتت إلى أن النساء في فلسطين لم تسلمن من العنف والتنكيل "تتعمد القوات الإسرائيلية مصادرة أراضي النساء الفلاحات لأنها تدرك أنهن مرتبطات بأرضهن، وهو يشكل القطاع الحيوي والمصدر الرئيسي لقوت الأهالي"، مشيرةً إلى أن العاملات في الأراضي الزراعية كثيراً ما تعرضن للتحرش وانتهاك الخصوصية أثناء عملهن.
لم تقتصر معاناة المرأة على ذلك فقبل الحرب كانت تتعرض النساء للعنف حتى أثناء وقوفهن على الحواجز الأمنية التي وضعتها إسرائيل، للحد من تنقلهن أو إجبارهن على الوقوف لساعات طويلة في انتظار السماح لهن بالمرور، وكان يتم منع الحوامل من الوصول إلى المستشفيات، حتى أن بعضهن كن تلدن وهن واقفات على الحواجز دون مرافقة أو طبيب "تواجه النساء القتل الممنهج كما حصل مع عايشة الرابي التي قُتلت 2018، على يد مستوطنين إسرائيليين قرب حاجز زعترة أثناء قيامهم برشق السيارة التي كانت تستقلها بالحجارة، وغيرها الكثيرات فقدن حياتهن في استهداف ممنهج لهن، كل هذه الأمثلة شاهدة على مآسي النساء".
وعن تجربة الاعتقال والأسر التي عاشتها أكثر من مرة، تقول "عندما تم اعتقالي لأول مرة من قبل قوات الإسرائيلية كنت في المدرسة الثانية أي لم أتجاوز السابعة عشر عاماً بعد، لقد تم اقتيادي إلى مكتب التحقيق عندما وصلنا إلى هناك رفضت الدخول لأنني أعلم أنه يمنع دخول أي أحد إلى المكتب دون مجند، لذا قلت لهم (أريد مجند) ليرد عليّ قائلاً (أقرأت كتاب فلسفة المواجهة)، وصفعني على وجهي ومن شدتها وقعت أرضاً"، لافتةً إلى أنه رغم ما تعرضت له خلال التحقيق الذي دام 21 يوماً، لم تدلي بأي اعتراف، ليتم الإفراج عنها.
ووصفت الاعتقال الثاني لها الذي حدث عام 2009، بالأشد قسوة على عائلتها "لقد تم اعتقالي للمرة الثانية من المنزل برفقة شقيقي الذي لم يمضي على خروجه من السجن سوى ثلاثة أشهر، لذا كان أثر الاعتقال مضاعفاً على والدتي وأبناء شقيقي وزوجته".
وتابعت "كل ما أتذكره وترسخ في ذاكرتي أنه أثناء اعتقالنا، كان الطقس بارد جداً لقد صادف يوم الثامن من كانون الأول، كان يوماً ممطراً، وقد أجبروا عائلتي على الخروج إلى البهو المفتوح، لقد ابتل الجميع إثر المطر وفي تلك اللحظة قالت أمي للقوات (خذوا عين وخلولي عين... ما تاخذوا عينيا الاثنين)، لن أنسى ما قالته أبداً، أذكر أيضاً كيف تشبثت بنات شقيقي بأبيهن وقلن (نحن ما شبعناش من أبويا)".
لم تتوقف المأساة حد ذلك فهذه المرة لم تكن كسابقتها، كما أوضحت "لقد كانوا يهددونني بشقيقي ويسمعوني أنينه وهو يتعرض للتعذيب في زنزانة أخرى، ورغم ذلك صمدنا ولم يؤثر ذلك على قناعتنا ودفاعنا عن وطننا".
وفي المرة الثالثة التي اعتقلت فيها كانت برفقة أربعة نساء، تم آنذاك الحكم عليها بالسجن لمدة 6 أشهر، وتقول "لقد كانت أجمل 6 أشهر أمضيتها في حياتي لأنني عشت مع الأسيرات داخل المعتقل، وهناك رصدت تفاصيل حياة المرأة الفلسطينية، كنت أدون يوميات الأسيرات داخل المعتقل"، لافتةً إلى أنه سيصدر قريباً كتاب لها تحت عنوان "خربشات أسيرة"، تسلط الضوء من خلاله على قصص الأسيرات وما تعرضن له من تعذيب.
وحول دور المجتمع النسوي في الدفاع عن قضيتها، تقول "هناك تحركات وفعاليات من قبل النساء وخاصة في تونس التي أقيم بها، فبدعوة من جمعية النساء الديمقراطيات التونسية وبحضور جمعيات نسوية قدمت دراسة حول وضع الأسيرات الفلسطينيات وخاصة الفتيات القاصرات منهن، كما قدمت رئيسة الهيئة العلمية للمعهد العربي لحقوق الإنسان حفيظة شقير العديد من الأوراق البحثية والدراسات عن العاملات والعنف المجتمعي ضد النساء".
ومؤخراً أعلنت جمعيات نسوية من المغرب ولبنان والأردن عن دعمهم لقضية المرأة الفلسطينية "لقد نشطت العديد من الجمعيات وعملت على إصدار بيانات منددة وتنظيم فعاليات متنوعة استنكاراً لما تتعرض له النساء في غزة"، مشيرةً إلى أنه "ندعم ونحترم موقف المؤسسات والجمعيات النسوية لما تقوم به من جهود لأن القرارات الدولية لا تمثلنا".
وأكدت على أن الهجمات والعنف والظلم الذي تتعرض له المرأة الفلسطينية يزيدها قوة "مضى عام على الهجمات الإسرائيلية على غزة، كل العنف الممارس علينا لا يكسرنا، سنكمل مسيرتنا ونورثها لأولادنا، في كل مرة نتعرض فيها للعنف نزيد قوة، فنحن كطائر العنقاء لا يقبل السقوط أبداً وحينما يدنو من السقوط يحلق من جديد".