استغلال وأجواء عمل شاقة... حال المرأة العاملة في إدلب
دفعت الحرب السورية وفقدان معيل العائلة، مئات النساء للتوجه للعمل بمهن مختلفة، وغالباً ما تعانين من الاستغلال في العمل لساعات طويلة بأجور قليلة لا تتناسب مع غلاء كافة المواد الغذائية والاستهلاكية في الأسواق.
هديل العمر
إدلب ـ تحت أشعة الشمس الحارقة تعمل النساء في إدلب، لأكثر من ثمانية ساعات في ورشات الأراضي الزراعية وقطف المحاصيل وسط ظروف العمل الشاقة والمرهقة، لتأمين البعض من احتياجاتهن الأساسية.
تقول ندى ظريف (29) عاماً وهي نازحة ومعيلة مقيمة في إدلب، إنها تتقاضى مبلغ 10 ليرات تركية لكل ساعة عمل، وهو مبلغ على الرغم من قلته، ولكنه يبقى أفضل من لا شيء على حد وصفها، ويساعدها في تأمين جزء بسيط من احتياجاتها الأساسية لها ولأطفالها الثلاثة الذين قتل والدهم أواخر العام 2019، بقصف مدفعي على مدينتهم.
وأضافت أن ندرة الفرص والبطالة بالإضافة لقلة الأجور التي لا تتجاوز 50 ليرة تركية في أحسن الأحوال، دفعتها للعمل ضمن هذه الأجواء التي لا تخلوا من المشقة والخطورة والتي تحصل من خلاله على مبلغ 80 ليرة تركية (ثلاثة دولارات)، تدفعها لسداد الديون المتراكمة عليها لمحال المواد الغذائية في المدينة.
وأشارت إلى أن الحصاد وقطاف الزيتون والخضروات والفواكه الموسمية تعتبر ركيزة عملها برفقة ورشة مؤلفة من 10 نساء معيلات ونازحات، وهو ما يشعرها بالراحة النفسية على الرغم من صعوبة العمل ومشقته.
ولا تخفي ندى ظريف المخاطر والصعوبات التي تواجهها أثناء فترة العمل وذلك نتيجة انتشار الأفاعي والأعقارب بين المحاصيل الزراعية والتي لدغت إحدى النساء العاملات ما أدى لإصابتها إصابة خطرة، بالإضافة لتعرضها لأشعة الشمس التي تسبب لها صداع متواصل.
وعلى مقربة من مخيمات مشهد روحين شمال إدلب، تعمل ياسمين جمّال (35عاماً) وهي نازحة ومعيلة، في الأراضي الزراعية مقابل 8 ليرات تركية في الساعة، وذلك لإعالة أطفالها الأربعة وزوجها المقعد بعد أن غدت المعيلة الوحيدة لهم.
تقول إنها وجدت نفسها المسؤولة الوحيدة عن عائلتها بعد إعاقة زوجها الناتجة عن حادث سير، لتكون الزوجة والأم والمعيل في آنٍ واحد، وهو ما دفعها للعمل في المياومة وسط بيئة عمل صعبة وقاسية.
وأضافت أنها تتقاضى مبلغ 70 ليرة تركية يومياً، وهو مبلغ لا يمكنها من شراء الخبز وبعض أصناف الخضروات، ولكنه يبقى أفضل من الحاجة والعوز وطلب المساعدة من أحد، خاصة وأنها تتعرض لضغوط كبيرة من عائلتها لترك زوجها وأطفالها والزواج من رجل آخر.
"بموت وما أترك ولادي" بهذه الكلمات تعبر ياسمين جمال عن مدى قوتها وتحملها لمشقة عملها في سبيل رعاية أطفالها والعناية بهم، إذ أن "مبلغ 70 ليرة وأنا بجانبهم، أفضل من مال الدنيا وأنا بعيدة عنهم" على حد وصفها.
ولا تخفي النازحة محاولاتها العديدة في البحث عن مهنة بديلة أقل مشقة وصعوبة، إلا أن عدم حيازتها لشهادات علمية أو إتقانها لأي مهنة أخرى حالت دون إيجاد أي فرصة أخرى، ما أجبرها على العمل في الأراضي الزراعية والاعتناء بالمواسم وحراثتها وسقايتها وجنيها.
من جانبها لجأت ربى زيدان (23عاماً) وهي طالبة جامعية للعمل في ورشات الأراضي الزراعية للإنفاق على مستلزماتها الدراسية ونفقات الجامعة بعد أن أرهقت الأقساط والتكاليف كاهل والدها الذي بات عاجزاً عن مساعدتها في رحلتها الدراسية.
تقول ربى زيدان إنها تلجأ للعمل في فصل الصيف وادخار ما تجمعه للفصول الدراسية كأجور مواصلات وشراء محاضرات، ولكن الأجور القليلة والعمل الشاق لن يمكنها من دفع جميع تكاليف هذه السنة.
وأضافت أنها تعمل نحو تسع ساعات يومياً، مقابل 9 ليرات تركية للساعة، وهو مبلغ تراه قليلاً مقارنة بظروف العمل وصعوبته، ولكنه يبقى أفضل في ظل عدم وجود أي خيارات أخرى متاحة أمامها.
وأكدت على ضرورة صدور قرارات تحدد أجور العاملة، حتى لا تتعرض للاستغلال والغبن خاصة بعد أن باتت النساء العاملات مستباحات الحقوق في إدلب، في ظل عدم وجود أي قوانين تحميها من تسلط أرباب العمل على جهدها وتعبها.