أسماء البركي: المقيمات يعشنَّ حالة من الاستقرار والهدوء
في بث مباشر خرجت إحدى بنات دار الرعاية الاجتماعية في بنغازي، وهي من ضمن الناشطات في مجال العمل المدني، باكية تروي تفاصيل قصتها التي ظلت طي الكتمان فترة طويلة، كونها مجهولة الأبوين وتعيش مع أسرة بديلة، وذلك رداً على مديرة دار الرعاية الاجتماعية "في تلك الفترة"
ابتسام اغفير
بنغازي ـ ، التي سربت ملفها الخاص عبر مواقع التواصل الاجتماعي تهددها فيها بإعادتها إلى الدار عنوة بعد أن توفي الكفيلان اللذان كانا يكفلانها منذ صغرها.
وتوالت الأحداث التي تمس دار الرعاية الاجتماعية للبنات بمدينة بنغازي بعد ذلك، ففي فترة وجيزة انفجرت الأوضاع، فبعدما كان كل ما يحدث فيها طي الكتمان أصبحت تتعرض للهجوم بين الحين والآخر، وفي مرات أخرى تحصل حملات اعتقال تعسفي لبعض الموجودات بها.
ومنذ أكثر من ثمانية أشهر هدأت الأوضاع بالدار إلى إن تم الحديث عنها مرة أخرى عندما جاءت مجموعة مسلحة لم تعرف عن نفسها تطلب إخلاء الدار من البنات بحجة إن صاحبة الأرض ومالكة المبنى تطالب بحق ملكيتها لهما، وحول تلك الأزمات المتلاحقة التي حصلت في السنوات الأخيرة لدار الرعاية الاجتماعية التقت وكالتنا مدير دار الرعاية الاجتماعية للبنات أسماء البركي التي تم تعيينها حديثاً مديراً للدار.
"نسعى لنجاح برنامج الدمج الاجتماعي"
قالت أسماء البركي أن الدار تأوي فتيات من عمر 12 عاماً إلى سن الزواج، ومجموع الموجودات حالياً 30 نزيلة منهن ست نزيلات موجودات في استضافات لدى أسر، وهذه الاستضافة مفتوحة، وهنَّ مستقرات في العيش هناك.
وحول خدمات الدار بينت "تقدم الدار جميع الخدمات الاجتماعية والنفسية، والصحية، ونحاول قدر الإمكان تقديم هذه الخدمات في جو أسري حتى يستطعنَّ التأقلم مع المجتمع". مؤكدةً أن النزيلات بينهنَّ موظفات، وهذا يقع ضمن برنامج الدمج الاجتماعي، وهناك طالبات في جميع المراحل التعليمية الإعدادية، والثانوية والجامعة، وهناك خريجات وينتظرنَّ التعيينات للعمل في أماكن حكومية.
وعن موضوع الدمج الاجتماعي قالت "بالإضافة إلى العمل في الوظائف الحكومية فإننا نسعى قدر الإمكان لأن يكون الزواج من أهم برامج الدمج الاجتماعي، فعندما تصل النزيلة إلى سن الزواج فأنه يتم تأهليها لبناء أسرة جديدة، وكانت لدينا كاختصاصين اجتماعيين رؤية معينة ففضلنا عدم زواج أبناء الرعاية من بعضهم مثلاً ألا يتزوج شاب من أبناء الرعاية بشابة من بنات الرعاية، ولكن فضلنا أن يتم الزواج من أسر عادية، فالفئة الموجودة هنا هم مجهولي الأب أو الأبوين"، ونبهت أسماء البركي إلى أفضلية استخدام هذين المصطلحين وتتمنى منهم الابتعاد عن استخدام مفردات مثل اللقيط، أو غير الشرعي.
مكملةً أنه "عندما يتم تزويج الفتاة من شاب قادم من أسرة طبيعية فسوف يتحصل أبنائها على أصول، وعندما يتزوج الشاب من فتاة من أسرة طبيعية فأن ابنائه سوف يتحصلون على أخوال، لدينا تجارب ناجحة في هذا الجانب ونحن فخورين بها، فمن خلال هذا الدمج سوف نصل بشكل تدريجي للدمج الكامل لهذه الفئة في المجتمع".
نظرة التعاطف أحد عراقيل العمل الاجتماعي
وحول صعوبة تقبل برامج الدمج الاجتماعي إلى الآن أوضحت "لا يوجد تقبل لأبناء وبنات الرعاية الاجتماعية في المجتمع على الرغم من نظرة التعاطف التي يحظون بها، وهذه النظرة نحن نراها أحد عراقيل العمل الاجتماعي وهم أنفسهم لا يتقبلونها، فالمجتمع متحفظ بدرجة النفاق فهو متعاطف معهنَّ، ولكن عندما يبدأ الاندماج بالزواج، أو بالكفالة يتم النفور والنبذ لهم، فحتى الأسرة الكفيلة تتعرض للنقد من المحيطين والأسرة الممتدة، فما بالك بفكرة الزواج من مجهول الأبوين أو الأب".
وإذا ما كانوا يعولون في نجاح موضوع الدمج الاجتماعي على أحد قالت "نحن نستند ونعول على قصص النجاح سواء في الزواج أو في الكفالة، فهذه القصص تثبت أن هذه الفئة لا تستحق النبذ وإنما تحتاج لفرص لتثبت نجاحها". مشيرة إلى أن الدار قائمة على مجهولي الأب أو الأبوين، أما فيما يخص الأيتام فهم يندرجون تحت فئة الظروف الاجتماعية إذ نستقبلهم في الدار وفقاً لشروط معينة وفي حدود ضيقة، ويظلون هنا في الدار فترة تتراوح من شهر إلى سنة حتى نعيدهم الى أصولهم الطبيعية، فمن أهداف الدار أن تربط النزيلات بأصولهنَّ الطبيعية حتى لو تحصلنا على طرف خيط يوصلنا بأسرهنَّ الحقيقية فإننا نتبعه كي نصل اليهم، فما بالك بهؤلاء الذين أتوا الينا نتيجة لتعرض الوالدين للوفاة أو لانحرافهم، أو لتشردهم نتيجة للحروب والنزاعات، ولذلك نعمل جاهدين لعودة هؤلاء لأسرهم الطبيعية أو أقاربهم.
دار الرعاية ليست بيئة طبيعية للعيش
وأكدت أسماء البركي على أن دار الرعاية ومهما توفرت بها أسباب العيش الكريم فهي ليست بيئة طبيعية للعيش، وهي أيضاً ليست أسرة بديلة أو الأسرة الثانية التي تكفل الفتاة للعيش معها، وإنما هي عبارة عن مكان للإيواء نحاول من خلاله توفير الجو الأسري، وبالتأكيد لن نصل إلى الأسرة المثالية، وتتمنى أن تعيش الفتيات في أسر حتى لو كنَّ يعانين من مشاكل، الشعور بدف الأسرة لديهنَّ أهم".
تكليف غير المختصين بالعمل الاجتماعي
وعن الأسباب التي جعلت الدار تتعرض لهجمات من قبل البحث الجنائي، وتسريب ملفات نزيلات على مواقع التواصل الاجتماعي قالت "من أهم مبادئ الخدمة الاجتماعية هو مبدأ السرية، فالاختصاصي الاجتماعي عندما يعمل بهذا المبدأ، وغيره من المبادئ في هذا المجال، لابد أن يفرضها على العاملين في الدار سواء أكان هذا العامل مشرفاً أو بواباً أو أعضاء الحراسة أو حتى الطباخة، ولابد أن يعرفوا أن لكل نزيلة خصوصية معينة، وبالتالي يجب أن لا تخرج مشاكل الدار والمعلومات الحساسة التي تخص حياة إنسان بها، ويتم نشرها على الملأ، وما حصل مؤخراً نتيجة تكليفات من إدارات عليا لأشخاص ليس لديهم دراية بالعمل الاجتماعي خصوصاً العمل والتعامل مع بنات الرعاية الاجتماعية، فعندما يأتي هذا الشخص المكلف من خارج المجال الاجتماعي يصطدم بمشاكل البنات التي تكون بسيطة ولكن يقوم بتهويلها، وهناك مشاكل وصلت للقضاء وعندما تصل المشاكل للقضاء طبيعي جداً تصل إلى الإعلام، والتعميم هو ظلم ونشر مثل هذه المعلومات على مواقع التواصل الاجتماعي خطأ كبير فنزيلات الدار منهنَّ المهندسة والدكتورة، والضابطة، والطالبات الجامعيات، فسوء الإدارة قد يؤذي هؤلاء الفتيات اللاتي يتمتعن بسمعة طيبة، والإعلام أصبح مؤخراً يقوم بتهويل كل ما يسمع عنه القليل فلا تصدقوا كل ما ينشره الإعلام".
المحافظة على قدسية المكان
وأكدت أسماء البركي على ضرورة المحافظة على قدسية هذا المكان وسريته، فهو مثل باقي البيوت الليبية لديها الكثير من القصص والمشاكل، "نحن نحاول قدر الإمكان أن نوازن بينهنَّ وبين المجتمع، ولكن عندما تحدث مثل هذه المشاكل، وتظهر بشكل كبير في الإعلام تسيء لهنَّ ولسمعة الدار، إننا نحاول أن نصل بهنَّ لبر الأمان عن طريق برامجنا وعن طريق الناس المتخصصة". مشيرةً إلى أن العمل في هذه المؤسسات لابد أن يكون منصباً على المتخصصين اجتماعياً سواء أكان اجتماعي أو تربوي أو نفسي، أما الإداري والمالي فهؤلاء موظفون مساندون، ولكن العمود الفقري هو المكتب الاجتماعي".
"إنهنَّ حالات إنسانية"
وأضافت أسماء البركي بأن التعامل مع النزيلات يتم على إنهنَّ حالات إنسانية وأنهنَّ مثل الفتيات الموجودات في الأسر الطبيعية، "لابد أن تكون العلاقة هنا ما بين المهنية والمعاملة الإنسانية، لأن العمل الإنساني مهم لهنَّ من أجل الوصول بهنَّ لبر الأمان"، وقالت إنه "علينا أن نراعي الفروق الفردية بينهن فعلى الرغم أنهن يعشن في ذات البيئة، ولكن لكل واحدة منهن حياتها الخاصة وظروفها التي تختلف عن الأخرى".
"بنات الدار يمتلكنَّ أخلاق حميدة ويحافظنَّ على أنفسهنَّ"
تنفي أسماء البركي ما يشاع عن أن المقيمات في الدار غير سويات "بنات الدار يحافظنَّ على أنفسهنَّ مثلهنَّ مثل أي فتيات أخريات، ولم يتم التعدي عليهنَّ في الدار من قبل أشخاص، هناك حادثة وحيدة لأفراد البحث الجنائي وكانت مشكلة صغيرة تحصل في أي أسرة ولكن سوء تعامل إدارة الدار معها آنذاك أوصلتها للبحث"، وأضافت "أنا أنشط بالعمل الاجتماعي منذ 25 عاماً، لم يحدث أن أتى شخص أو مسؤول وأخرج فتاة من الدار فكلها إشاعات ظهرت مؤخراً لا ندري ما الغرض منها".
وحول المشكلة الأخيرة التي حدثت حول ملكية الدار ومطالبة صاحبة الملكية بها قالت "الموضوع لازال كما هو عليه لحين الفصل فيه من القضاء فصاحبة المكان لديها حكم من المحكمة بأن تسترجع المكان، ولكن تم تحويل الموضوع إلى طرابلس بحكم وجود المستندات الخاصة بشركة الإنماء القابضة والتي كانت تشتري في فترة ما مقرات الجهات العامة هناك، لذلك سيتم تجميع هذه المستندات والطعن في الحكم، وإذا كان لها الحق في المكان ستأخذه، ونحن بالتأكيد لن نكون في الشارع فالدولة سوف توفر لنا بديل أمن وصحي وحسب الشروط التي نضعها".
"نتعامل معهم بشكل شخصي"
وعن كيفية تعاملهم مع أي جهة تأتي إليهم بدون إذن عمل رسمي قالت "نتعامل معهم بشكل رسمي ففي الفترة الماضية جاءت إلينا سيارة تحمل شعار جهة أمنية تطالبنا بإخلاء المكان ولكن حين اتصلنا بأمر تلك الجهة تبين أنه لم يرسلهم، وبالتالي لم يأتوا إلينا مرة أخرى".
وحول العراقيل والصعوبات التي تواجهها الدار قالت "نعم توجد عراقيل وصعوبات لأننا جهة تتبع الدولة والدولة مرتبطة بسياسة والسياسة نحن نعرفها فهي تعرقل توفر السيولة والمرتبات وبالتالي تعطل مجموعة من الخدمات أو تأخرها، المشكلة الأخرى أن المؤسسة تقع على أطراف بنغازي، لذلك نحن بحاجة لكاميرات مراقبة، وتكثيف الوجود الأمني حول الدار، وعدم توفر مواصلات كافية للموظفات ولطالبات الجامعة، كما أن هذه الفئة لا يمكن لأي أحد العمل معها لابد أن يكون اختصاصي اجتماعي وأن يكون لدى جميع العاملين هنا خبرة في مجال العمل الاجتماعي، فنحن نعاني من نقص في العمالة من مختلف التخصصات".
"ليست لدينا مشاكل قانونية أو جنائية"
وفي ختام حديثها أكدت مدير دار الرعاية الاجتماعية للبنات أسماء البركي "أحببت أن أسلط الضوء دار الرعاية الاجتماعية بنات، فالعمل على ما يرام، وليس لدينا مشاكل قانونية وجنائية، ومشاكلنا قد تحدث في عائلة طبيعية، والنزيلات يعشنَّ حالة من الاستقرار، وسوف نقوم برحلات للمنطقتين الغربية والشرقية كرحلات ترفيهية، وفيما يخص المشاكل الفردية نتعامل معها وفقاً للإجراءات، ووفقاً للاختصاص، وأتمنى أن لا ينعكس عليهنَّ ما يحدث في المجتمع فهنَّ في عمر حساس وحرج، ومن حقهنَّ أن يعشنَّ ويكونَّ صداقات وأسر طبيعية، وأن يحصلنَّ على هذه الفرص بعيداً عن نظرة النبذ والتعاطف التي لها مساوئ كثيرة عليهنَّ، وهناك قصص نجاح لهنَّ أثبتنَّ من خلالها أن لهنَّ شخصيات قادرة على تحمل المسئولية".