أرقام حالات الانتحار مخيفة و"خط الحياة" وسيلة Embrace للتخفيف من ألم الناس
لا يمكن للفرد أن يعيش حياةً سعيدة من دون أن يكون بصحة جيدة على الصعيدين الجسدي والنفسي، لذلك تُولي منظمة Embrace أهمية كبيرة للصحة النفسية التي ما زالت في بعض الأحيان من المحرمات في لبنان على الرغم من بعض الانفتاح في التحدث عنها خلال السنوات الأخيرة
كارولين بزي
بيروت ـ .
تحدثت المشرفة على "خط الحياة" في Embrace كريستين الزين لوكالتنا عن الصحة النفسية وأهميتها وعن حالات الانتحار التي وصلت منذ ما قبل الأزمات التي يعيشها اللبنانيون، إلى حالة واحدة كل يومين ونصف اليوم، وإلى محاولة انتحار كل ست ساعات، وبغياب الإحصاءات في السنتين الأخيرتين ربما ارتفعت هذه الأرقام بشكل مخيف.
"تطور واقع الصحة النفسية ولكنه لا يزال من المحظورات"
"الصحة النفسية هي حالة من اكتمال السلامة بدنياً وعقلياً واجتماعياً، لا مجرّد انعدام المرض أو العجز"، وفق ما ورد في دستور منظمة الصحة العالمية.
وتعرّف كريستين الزين الصحة النفسية بأنها جزء من الصحة العامة التي تجمع بين الصحة الجسدية والصحة النفسية.
فيما يتعلق بواقع الصحة النفسية في لبنان وهل ما زالت من المحرمات، تقول "منذ أن بدأنا في منظمة Embrace أي منذ ثماني سنوات تقريباً كان لدينا القسم الخاص بالتوعية والتواصل فقط، حيث كنا نقدم جلسات توعية في المدارس والجامعات، لم يكن هناك بعد "خط الحياة" ولا العيادات التي افتتحتها المنظمة"، وتتابع "لاحظنا خلال هذه السنوات تطوراً لدى الناس فيما يتعلق بالصحة النفسية، ففي البداية كنا كلما حاولنا أن نتحدث عن الموضوع كان علينا أن نعرض مقدمات مطولة لكي نستطيع التحدث عنه، حتى كنا نصطدم ببعض المدارس التي كانت تعترض على تناول موضوعي الاكتئاب والانتحار.. ولكن اليوم تغيّر الأمر وأصبحنا نتلقى دعوات من المدارس والجامعات والشركات لتنظيم جلسات توعية حول الصحة النفسية".
تتابع "نشعر بالفرق وأعتقد أننا في Embrace وجمعيات أخرى مثلنا وربما مواقع التواصل الاجتماعي أيضاً جميعها ساهمت في رفع نسبة الوعي لدى الناس فيما يخص الصحة النفسية. ولكن بالتأكيد لا يزال الموضوع محظوراً على الرغم من بعض الانفتاح عليه".
"بين كل 4 أشخاص هناك فرد يعاني من مرض نفسي"
وتتطرق كريستين الزين إلى دراسة أجرتها الدكتورة فرح يحيي وهي إحدى عضوات Embrace وتشير الدراسة إلى أنه "من بين كل أربعة أشخاص هناك شخص يعاني من مشاكل نفسية، ولكن ما يشعرنا بالحزن هو أنه من بين عشرة أشخاص يعانون من مشاكل نفسية هناك شخصان فقط يبحثان عن المساعدة. كما أظهرت هذه الدراسة بأن المشكلة الأساسية لأولئك الذي يمتنعون عن طلب المساعدة وهم بنسبة 53 %، بأنهم يخافون من الوصمة ووجهة نظر الناس والأصدقاء والمجتمع".
وتلفت إلى شعار الجمعية "الحكي بطوّل العمر"، وتوضح بأن تعبير كل فرد عن مشاكله مهما كانت بسيطة هي طريقة لمساعدته للخروج من حالة الاكتئاب أو الحزن التي يمر بها، وهو ما نعتمده من خلال "خط الحياة" وذلك للتخفيف من وطأة الأزمات على المتصلين والذين يعانون من اضطراب نفسي. نحن نؤمن بأن "الحكي بطوّل العمر" ولاسيما في ظل الأوضاع التي نعيشها. ونثق في الجمعية بأن الدعم النفسي والتواصل مع الشخص عبر التلفون مهم جداً، على الرغم من أننا لا نحل مشكلته.. مثلاً نتلقى اتصالات من أفراد يعانون من مشاكل اقتصادية أو مشاكل أخرى، وبالتالي لا نقوم بحل هذه المشاكل ولكن التواصل والتعاطف مع هذا الشخص والدعم النفسي الذي نقدمه له يساعده كثيراً".
"ارتفاع عدد الاتصالات عبر خط الحياة"
مع ازدياد حدة الأزمات في لبنان، ارتفعت نسبة الاتصالات التي تتلقاها المنظمة عبر "خط الحياة" الذي تم إطلاقه منذ ثلاث سنوات، وتقول كريستين الزين "تلقينا في كانون الثاني/يناير 550 اتصالاً بينما في أيار/مايو وصل عدد الاتصالات إلى 1016 اتصال".
وتشير إلى أن "الاتصالات تتنوع بين حالات بسيطة وأخرى وصلت إلى حد الانتحار. واليوم رسالتنا بأنه مهما كانت الظروف ضاغطة والأبواب مقفلة أمام الفرد، نحاول أن نصل إلى بصيص الأمل الذي دفع الشخص الذي يحاول الانتحار بأن يتصل بنا وذلك لردعه عن محاولته".
وتلفت إلى أن الشخص الذي يصل إلى مرحلة الانتحار يعتقد أنه بهذه الطريقة يُنهي الوجع لا حياته، وتصف بأن "الشخص الذي يحاول الانتحار يشعر بأنه في غرفة مشتعلة فيقوم بالقفز من الشرفة بهدف النجاة من الحريق ولكن بهذه الطريقة ينهي حياته"، لافتةً إلى أن هذا الوصف كان لشخص ناجٍ من الانتحار.
استطاعت الجمعية منذ انطلاقتها ولاسيما مع إطلاق خط الحياة اكتساب ثقة عدد كبير من الناس الذين يجدون ملاذاً آمناً لدى متطوعي الجمعية، من خلال التحدث معهم عبر خط الحياة.
يعمل فريق العمل على خط الحياة لـ21 ساعة يومياً ومع بداية تموز/يوليو سيبدأ المتطوعون بتلقي الاتصالات لمدة 24 ساعة، وهو ما أشارت إليه كريستين الزين.
"هذه الوسائل التي تكافح الانتحار"
ورداً على سؤال حول كيفية حماية فريق "خط الحياة" نفسه من التأثر بالاتصالات اليومية، تقول "نقوم في Embrace بدعم بعضنا البعض مثلما نقوم بدعم الناس. يوجد جلسات تدريبية بشكل دوري للعاملين، نحن بحدود المئة فرد ولدينا تدريبات خلال الأسابيع المقبلة وسينضم إلينا نحو 40 أو 50 شخصاً، وهناك تدريبات وفترة مراقبة إلى أن يصبح الشخص جاهزاً لتلقي الاتصالات، بالإضافة إلى جلسات الدعم الفردية أو الجماعية".
تكافح Embrace ظاهرة الانتحار، ولكن تشير كريستين الزين إلى أنه لا يمكن لمنظمة واحدة أن تكافح الانتحار، بل هذا العمل بحاجة إلى تعاون مشترك بين الوزارات والبلديات والمجتمع والأفراد إذ أن هناك أدواراً للجميع، ويجب أن يكون هناك استراتيجية تبدأ من وضع حد للسلاح ورخص السلاح لأن أكثر أساليب الانتحار هي بواسطة السلاح. وكذلك كيفية تناول الانتحار والأمراض النفسية في الأخبار والمسلسلات ومواقع التواصل الاجتماعي".
وتستطرد معلقةً على تغطية وسائل الاعلام لحالات الانتحار في لبنان وتقول "حاولنا في Embrace أن ننظم جلسات توعية للإعلاميين حول تغطية مواضيع الانتحار، لأن الموضوع مهم جداً. علينا أن نوصل الفكرة وأسبابها إن كانت التغطية حول مواضيع الأمراض النفسية أو الانتحار، إذ لا يجوز التعاطي مع هذه المواضيع باستخفاف"، وتتابع "في لبنان تأتي تغطية وسائل الاعلام لخبر الانتحار في إطار عدم المعرفة، والأسوأ عندما يكون بهدف البحث عن سبق صحفي من خلال تغطية خبر الانتحار، لجذب المشاهدين أو القرّاء".
وتضيف "تغطية المواضيع التي تتعلق بالصحة النفسية يجب أن تركز على التوعية ومحاربة الوصمة أو الخوف من الوصمة وهذه الأهداف التي تنادي بها منظمتنا، كما على التغطية أن تمد يد العون للذين يحتاجون المساعدة عبر إرشادهم للوصول إليها".
وتتابع فيما يتعلق بالوسائل التي تساهم في الحد من الانتحار، "اعتماد سياسيات وإجراءات معينة في الحصول على معلومات، أن تكون الخدمات متاحة للذين يريدون الحصول على مساعدة في المستوصفات وغيرها وبأسعار مقبولة. كل هذه العوامل مجتمعة إلى جانب خط الحياة كلها تساهم في الحد من الانتحار".
"حالة انتحار كل 60 ساعة ومحاولة كل 6 ساعات"
وتلفت إلى أنه من "الخطأ اعتبار أن زيارة الطبيب النفسي هي نوع من الرفاهية، وتشير إلى أن الاكتئاب هو مرض مثل مرض السكري أو الضغط أو غيره من الأمراض وربما أخطر، إذ ان هذا المرض يمكن أن يؤدي إلى الانتحار أي الموت".
وتتحدث عن آخر الدراسات التي تشير إلى عدد الذين يحاولون الانتحار أو الذين فعلاً أقدموا على هذه الخطوة، وتقول "في آخر دراسة تم اجراؤها في لبنان، منذ نحو سنتين تبين أنه كل يومين ونصف اليوم (60 ساعة) هناك حالة انتحار، وكل ست ساعات هناك محاولة انتحار، هذه الأرقام المعترف بها عدا عن الحالات التي لا يتم التبليغ عنها. ونحصل على هذه الأرقام من بيانات قوى الأمن الداخلي، ولكن بالتأكيد لا يتم التبليغ عن كل الحالات لعدة أسباب".
وتتطرق إلى تأسيس المنظمة وتقول "تأسست Embrace في العام 2013 وكانت فكرة الدكتور زياد نحاس، بأن نؤسس صندوق نساعد من خلاله الأشخاص الذين يحتاجون للمساعدة من خلال التواصل والتوعية".
وتتابع "منذ أكثر من ثلاث سنوات أطلقنا "خط الحياة" الخط الوطني الساخن للوقاية من الانتحار والدعم النفسي بالتعاون مع وزارة الصحة اللبنانية، للأسف الاتصال ليس مجاني لغاية الآن ولكننا نسعى لتحقيق ذلك، لكننا نسأل المتصل إن كان يريد أن نتصل به في حال لم يكن قادراً على دفع تكلفة الاتصال ثم نعاود الاتصال به". وتضيف "أما العيادات فهي آخر ما افتتحناه في المنظمة وتضم أطباء ومعالجين نفسيين لمتابعة أي حالة تقوم بزيارة العيادة"، وتؤكد أن زيارة العيادة مجانية.
وتشير إلى طريقة وصول الأفراد إلى Embrace وذلك عبر تصفح الموقع الرسمي الخاص بالمنظمة، وكذلك متابعة المنظمة عبر وسائل التواصل الاجتماعي مثل انستغرام وتويتر وفيسبوك، أما فيما يتعلق برقم الخط الوطني الساخن للوقاية من الانتحار والدعم النفسي فهو 1564 ورقم العيادات 81003870.