انتحار الأطفال في إدلب... ظاهرة ينميها الفقر والنزوح وانعدام الأمن

في الآونة الأخيرة تكررت حوادث الانتحار بين الأطفال في إدلب بشكل ملحوظ، نتيجة الضغوطات النفسية والاجتماعية والاقتصادية التي دفعت الكثير منهم لإنهاء حياتهم.

هديل العمر

إدلب ـ دفعت الأزمات المعيشية والاقتصادية وتردي التعليم عدد كبير من الأطفال إلى الانقطاع عن مدارسهم واتجاههم للعمل وتحمل أعباء الحياة في سن مبكرة، أدى إلى ارتفاع حوادث الانتحار بين الأطفال والفئة الشابة.

أعداد محاولات الانتحار في إدلب وصلت إلى مستويات قياسية حيث وصل عددها في الربع الأول من العام الحالي، إلى 39 حالة معظمهم من الأطفال والمراهقين النازحين والمهجرين.

وفي أواخر العام الماضي 2021 أقدم الطفل رسلان الصطيف البالغ من العمر 15 عاماً، وهو نازح من مخيمات بلدة عقربات في إدلب، على إنهاء حياته إثر ضغوطات نفسية ومعيشية في غاية الصعوبة، التي دفعته للتفكير بالهروب من واقعه عبر الانتحار.

وقالت والدة رسلان الصطيف يسرا حماش البالغة من العمر 35 عاماً، إن ابنها مال إلى العزلة والانطواء في أيامه الأخيرة، ولكنها لم تتوقع أن يصل به الحال إلى الانتحار، بسبب الضغوطات النفسية والمعيشية وبمشقة عمله في مهنه البناء، بالإضافة لتراكم الديون وعجزه عن تأمين المستلزمات الأساسية لعائلته.

وأضافت أن رسلان الصطيف غدا المعيل الوحيد لإخوته بعد وفاة والده بحادث سير منذ أكثر من عامين "وهو ما دفعه لتحمل مسؤوليتنا في تأمين أدنى مستويات المعيشة وهو في سن الطفولة"، حيث دفعه عجزه عن تدبر أمور المنزل إلى الانتحار.

وأشارت إلى أن تركه وانقطاعه عن مدرسته من أكثر المشاكل التي أثرت في نفسه، خاصة وأنه كان من المتفوقين في جميع المراحل التعليمية والدراسية.

ولم تكن رغد الحمادي البالغة من العمر 15 عاماً، أفضل حالاً من سابقتها حين أقدمت على الانتحار بعد أن أجبرت على الزواج من رجل يكبرها بأكثر من 13 عاماً، لتكون ضحية جديدة لزواج القاصرات الذي يتفاقم في مخيمات إدلب.

وأوضحت قريبة رغد الحمادي رؤى يوسف البالغة من العمر 22 عاماً، إن رغد كانت قد أخبرتها بالتفكير المستمر بالانتحار، إلا إنها لم تأخذ كلامها على محمل الجد.

وأشارت إلى أن الدوافع الحقيقية وراء حادثة الانتحار نتجت عن إجبارها على الزواج من رجل بسن والدها، بالإضافة للتعنيف الجسدي واللفظي المستمر الذي تتلقاه من زوجها، بسبب حالة عدم التفاهم بينهما.

ولفتت إلى أن عائلتها حاولت أن تخفي سبب وفاتها، إلا أنه وبعد عرض الجثة على الطبيب الشرعي تبين أن سبب وفاتها يعود لتناولها حبوب غاز "الفوسفين" المميتة.

وترجع المرشدة النفسية والاجتماعية رشُام حمود البالغة من العمر 32 عاماً، ازدياد حالات انتحار الأطفال في إدلب، إلى الوضع المأساوي الذي يعيشه هؤلاء الأطفال وأسرهم من خلال انتشار الفقر وانعدام فرص العمل والدخل، بالإضافة لانقطاع معظم الأطفال عن الدراسة وتفشي العنف المنزلي.

ونوهت إلى أن حالة عدم الاستقرار والتنقل والنزوح المستمرين أفقد الأطفال الشعور بالأمان النفسي، وذلك لأن التغيير البيئي السريع يسبب مشكلات نفسية لدى الأطفال والفئة الشابة مما يجعلهم يفكرون بالهرب من حياتهم الصعبة بالانتحار.

وأشارت إلى أن التسرب الدراسي الناتج عن عدم قدرة المدارس على استيعاب الأطفال والشباب/ات وتقديم الدعم النفسي لهم، فضلاً عن انتشار المخدرات بشكل كبير في المنطقة، إحدى أهم الأسباب التي تدفع الأطفال لاتخاذ مثل هذه الخطوة.

وأكدت المرشدة النفسية والاجتماعية رشُام الحمود على أن سبل مكافحة هذه الظاهرة الخطيرة تكمن في توعية المجتمع المحلي بأهمية تقديم الدعم النفسي الاجتماعي للأطفال، والعمل على الوقاية منها عبر توفير مراكز ثقافية يقودها أشخاص مؤثرين في المجتمع، تساعد الأطفال على تفريغ انفعالاتهم بطرق إيجابية.