انتهاكات جمة تتعرض لها النساء في عفرين المحتلة

يتعرض أهالي مقاطعة عفرين بشمال وشرق سوريا المحتلة من قبل تركيا ومرتزقتها انتهاكات جمة، وتعاني النساء المعتقلات في سجونهم الويلات.

سيبيلييا الإبراهيم

حلب ـ يتعرض أهالي مقاطعة عفرين بشمال وشرق سوريا التي تم احتلالها من قبل تركيا ومرتزقتها عام 2018، لكافة أشكال الانتهاكات من حرمان من الحقوق والزج في السجون والعنف بأشكاله المختلفة، خاصةً الكرد وسط صمت دولي.

حول معاناتها في سجون مرتزقة الاحتلال التركي بمدينة عفرين، تقول زينب أحمد محمد البالغة من العمر 65 عاماً من ناحية شرا بمقاطعة عفرين، التي شهدت على ما ارتكبه مرتزقة الاحتلال التركي في عفرين من فوضى وقتل واعتقال، أنها تعرضت للاعتقال من قبل المرتزقة بعد احتلال المدينة في الثامن عشر من آذار/مارس عام 2018.

وعن بداية هجوم الاحتلال التركي ومرتزقته على مقاطعة عفرين تقول "عندما هجمت تركيا ومرتزقتها على المقاطعة جوبهوا بمقاومة كبيرة فلم نستسلم وناضلنا بكل ما أوتينا من قوة لمدة 58 يوماً، بعد احتلال المدينة خرج معظم الأهالي من بطش الإرهاب"، لافتةً إلى أنها في البداية لم تستطع ترك مدينتها التي قضت فيها سنوات طفولتها وشبابها، بين يدي المرتزقة والابتعاد عنها.

كغيرها من النساء شهدت زينب محمد على ما ارتكبه المرتزقة "عندما كنت أخرج من المنزل وأتوجه إلى المدينة وأنا مرتدية الزي الأسود، شاهدت بعيني ما يحدثه المرتزقة من خراب فقد عاثوا الدمار في كل أرجاء عفرين، لقد وقفوا أمام تمثال كاوا حداد وهدموه، كما أنهم دخلوا إلى كافة المحال التجارية للأهالي وكسروا أبوابها وسرقوا ما تحتويه، حتى المدنيين لم يسلموا حيث قاموا باعتقال العديد منهم".

 

عفرين تحولت إلى مقبرة

وحول الانتهاكات التي ارتكبت بحق أهالي عفرين، توضح "في إحدى المرات وأنا أتجول في مدينتي عفرين قام المرتزقة بضرب امرأة كبيرة في السن ورميها أرضاً، وفي أحد الأيام كنت أقف بالقرب من السرايا وفجأة وقعت قذيفة أطلقها الاحتلال التركي، في ذلك الوقت كانت هناك امرأة تمسك بيد طفلها، لقد أصبح الطفل أشلاءً صغيرة، فلم يتبقى سوى يده في يد والدته".

ولم تستطع زينب محمد تحمل كل ما يحصل في المدينة، لذا قررت الانتقال إلى القرى لعلها تسلم من شر المرتزقة وتحمي عائلتها من القصف المتواصل في كافة أنحاء المدينة "في طريقنا للمكوث بإحدى قرى عفرين، لم نرى على قارعة طريق ناحية راجو سوى الجثث المتناثرة، كانت الدماء تسيل على الأرض كالنهر، فالقصف على الناحية كان متواصلاً، لذا عدنا أدراجنا إلى المدينة ومكثنا في قبو لنحمي أنفسنا من القصف الهمجي، كان القبو يمتلئ بالمدنيين الفارين"، لافتةً إلى أن المرتزقة أجبرتهم على الخروج والتوجه إلى منازلهم إلا أنهم كانوا يدركون أن من سيخرج من القبو سيذهب ضحية القصف الهمجي.

 

اعتقال واغتصاب... انتهاكات بحق نساء عفرين

وعن اعتقالها من قبل المرتزقة، تقول "كنت في منزلي عندما سمعت فجأة صوت الجرس توجهت إلى الباب وإذ بشخص يخبرني بأن أذهب معه لمنحي بعض المساعدات المقدمة من قبل المنظمات، أدركت في تلك اللحظة أن هناك شيء ما سيحصل، لذا رفضت الذهاب معه، وإذ به يصوب السلاح نحوي فحاولت الهرب إلا أن سيارة بها مرتزقة وقفوا أمامي ووضعوا الأصفاد في يدي واعتقلوني".

لم تكن زينب محمد التي اعتقلت آنذاك كما أوضحت "بعد وضعي في السيارة بدأوا بالتجول في المدينة واعتقلوا امرأتين فقط لأننا قاومنا ولم نخرج من منزلنا وأخذونا إلى المحكمة التي أنشأوها، ومن ثم توجهوا بنا إلى مكان بالقرب من مدينة كِلّس، كان معنا أيضاً حوالي 37 رجلاً معتقلاً".

وأضافت "مع شروق الشمس أخرجونا من السيارات ووضعونا في غرفة صغيرة وبدأوا بضربنا دون رحمة، من شدة الضرب بات معظم الرجال المعتقلين جثثاً بعظام متكسرة، في ذلك الوقت تساءلت في نفسي، لماذا نتعرض لكل هذه الانتهاكات أيعقل لأننا كرد؟"، مشيرةً إلى أن المرتزقة أخذها مع الامرأتين المعتقلتين إلى غرفة تكمن تحت الأرض "عندما أزالوا العصبة عن عيني رأيت أن هناك مالا يقل عن 150 امرأة كردية من كافة قرى عفرين معتقلات في تلك الغرفة".

وخلال الشهر الذي بقيت فيه في معتقلة شهدت على العديد من القصص لنساء لاقين الويلات على يد مرتزقة الاحتلال التركي "خلال مكوثي في تلك الغرفة كانت إحدى المعتقلات تئن، فتقدمنا إليها وإذ بها طاعنة نفسها بالسكين، كانت آثار الجروح تملأ بطنها، وعندما سألناها عن السبب الذي دفعها لفعل ذلك، قالت إن المرتزقة عندما احتلوا المدينة اقتحموا منزلها واغتصبوا ابنتها وزوجة ابنها جماعياً، وها أنا معتقلة لديهم، لذا أحاول إنهاء حياتي قبل أن يفعلوا بي شيء، فالموت أرحم بالنسبة لي من أن أشاهد ما يقومون به".

ولفتت إلى أنه حتى الأطفال لم يسلموا من مرتزقة الاحتلال التركي "لا زلت أتذكر جيداً كانت هناك طفلة تبلغ من العمر 10 سنوات معتقلة مع والدتها بتهم باطلة، كان المرتزقة يقومون بضرب والدتها كل مساء بالكرباج، حتى كاد صوت يهدم الجدران، وفي إحدى الأيام ولأن الطفلة لم تعد تتحمل رؤية والدتها وهم يعذبونها وصوتها يخترق أذنيها، حاولت قتل نفسها".

 

سجون المرتزقة تكتظ بالنساء المعتقلات

وذكرت زينب محمد قصة شابة كانت هي الأخرى معتقلة لدى مرتزقة الاحتلال التركي وتقول "كانت هناك شابة من قرية كفر صفر معتقلة من قبل المرتزقة بتهمة "الدعارة"، وبالرغم مما تعرضت لها من ضرب، ظلت ترفض الاتهامات التي وجهت لها، فلم يخلو جسدها يوماً من آثار الضرب الذي كانت تتعرض له، لقد انتهكوا كافة حقوقها فقد أتوا بطبيب لفحص عذريتها، وقد أكد الأخير على براءتها، إلا إنهم لم يطلقوا سراحها وظلوا يعذبونها بسكب الماء البارد على جسدها وضربها بالكرباج والصاعق الكهربائي للإدلاء باعترافات قسرية"، مؤكدةً على أن سجون المرتزقة تكتظ بالنساء المعتقلات، وأن التهم كانت تُجهز قبل الاعتقال.

وعن إحدى القصص التي شهدت عليها كذلك خلال مكوثها في معتقلات المرتزقة تقول "كانت هنالك فتاة وشقيقها من قرية خللكا معتقلين من قبل المرتزقة، لم يكن شقيقها يستطيع الوقوف على قدميه لشدة تعرضه للتعذيب، لقد كان المرتزقة يسيرون على جسده حتى فقد حياته في نهاية المطاف وقاموا بدفنه في ساعات الليل، وبعد أيام علمت الفتاة نبأ وفاة شقيقها تحت التعذيب، والآن حتى الفتاة لم يعد أحد يعلم أين هي وما الذي حصل لها".

 

"جميع المعتقلات كن تقاسين الظلم ذاته"

وأوضحت أنها مقارنة مع غيرها من النساء المعتقلات لم تتعرض للعنف "عندما كانت تتعرض إحدانا للعنف والتعذيب، جميعنا كنا نشعر بما تقاسيه، ذلك الألم كان يعتصر قلوبنا، كانت هنالك امرأة من قرية كفر روما مورس بحقها كافة أشكال العنف حتى باتت جميع عظامها مكسرة".

وأشارت إلى أنه بعد إطلاق سراحها كادت أن تعتقل مرة أخرى لذا أجبرت على الخروج من عفرين تاركة منزلها ومدينتها خلفها وتوجهت إلى مدينة حلب، ولكن لم تكن رحلة خروجها عفرين فقد دفعت مبلغاً مالياً كبيراً للمرتزقة نفسهم، ليكون بإمكانها تجاوز حدود المدينة.

وناشدت زينب محمد المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان والطفل للخروج عن صمتهم حيال ما يتعرض له أهالي عفرين المحتلة من انتهاكات.

 

 

 

"أرادوا النيل من إرادة النساء"

وعن استهداف الإيزيديين، تقول الإدارية في منظمة سارا لمناضة العنف ضد المرأة في مدينة حلب رانيا جعفر "في عام 2014 شاهدنا كيف قام مرتزقة داعش بالهجوم على شنكال واستهدف النساء بشكل خاص، أرادوا كسر إرادة المرأة بذلك، ففي قرية كوجو التابعة لشنكال تم اعتقال العديد من الإيزيديات وسبيهن وتزويجهن واغتصابهن وبيعهن في أسواق النخاسة".

وحول المقاومة التي أبدتها النساء في شنكال بإقليم كردستان بمواجهة مرتزقة داعش توضح "إن النساء اللواتي قاومن المرتزقة في شنكال تم وضعهن في أقفاص من حديد وحرقهن مع أطفالهن، فيما تم بيع الأخريات في أسواق النخاسة، ولكن بالرغم من ذلك عادت النساء ونظمن صفوفهن وحاربن داعش وشكلن قوات خاصة بهن لحماية أنفسهن، وأصبحن مثالاً للمقاومة".

وعن تكرار سيناريو شنكال في عفرين بشمال وشرق سوريا، أشارت إلى أنه "مع هجوم تركيا ومرتزقتها على عفرين عام 2018، تكرر سيناريو استهداف الإيزيديين ولكن بوجه آخر، فيومياً تنتهك حقوق أهالي عفرين خاصة النساء منهم، فهناك العشرات من النساء اللواتي تقبعن في سجون المرتزقة، بالإضافة إلى ارتفاع حالات الاغتصاب التي تشهدها المدينة وكذلك التزويج القسري من المرتزقة، حتى أن الأطفال لم يسلموا، حيث تعرضت طفلتان لم تتجاوزا الخامسة عشرة من عمرهما، في الآونة الأخيرة للاغتصاب من قبل المرتزقة، في ظل عدم وجود قوانين رادعة".

وحول إجبار الإيزيديين على اعتناق الإسلام ومخاوفهم من التعرض للإبادة، تقول "إضافة إلى كافة الانتهاكات التي يتعرض لها الإيزيديين، يتم مؤخراً إجبارهم على اعتناق الإسلام تحت التهديد، في سعي منهم لكسر إرادة الشعب الكردي والنساء خاصة في عفرين".

 

ثورة روج آفا بوابة منحت كافة المكونات حقوقهم

وعن واقع النساء الإيزديات ما قبل الأزمة السورية وبعدها، أوضحت رانيا جعفر أنه "سابقاً لم نستطع ممارسة طقوسنا بشكل علني، كنا نتعرض للعنف عندما نقول أننا كرد، وإذا قلنا أننا إيزيديين وصفونا بالكفار"، مشيرةً إلى أن "ثورة روج آفا غيرت الكثير من الواقع المؤلم الذي كنا نعيشهُ، حيث اعتمدت شمال وشرق سوريا مشروع الأمة الديمقراطية المنبثق من فكر وفلسفة القائد عبد الله أوجلان، ومنحت كافة المكونات والأديان والأطياف حقوقهم، فلكل منهم حق ممارسة شعائره وطقوسه وإحياء ثقافته، كما حصلت النساء على حقوقهن للمشاركة في كافة المجالات وأثبتن دورهن في المجتمع".

 

المقاومة والنضال سبيل للخلاص

وأكدت رانيا جعفر على ضرورة استمرار نساء عفرين في النضال والمقاومة "يجب على نساء عفرين أن تتخذن الإيزيديات في شنكال قدوة لهن ومثالاً على المقاومة والنضال وعدم التزام الصمت حيال ما تتعرضن له من انتهاكات، لا ننكر أن نساء عفرين لا تقاومن بالرغم من الظروف الراهنة التي تمر بها المنطقة، إلا أنه يجب أن ترفعن من وتيرة نضالهن، فالمقاومة هي السبيل للخلاص، فالقلم الذي يكتب به التاريخ سيدون نضال المرأة الكردية ورحلة المقاومة التي تبديها وستصبح قدوة لأجيال المستقبل لمحاربة الإرهاب، فعلى مر التاريخ تعرض الإيزديين للعديد من الفرمانات في سعي لإبادتهم وكسر عزيمتهم، إلا أن لم يصلوا لمآربهم، لأن المقاومة كانت ولا تزال السبيل الوحيد للخلاص".

وشددت على ضرورة الوقوف في وجه الانتهاكات التي ترتكب بحق النساء، وتساءلت عن الدور الذي تقدمه منظمات حقوق الإنسان والطفل في عفرين في الحد من الانتهاكات التي ترتكب بحق الإنسانية، مشيرةً إلى أن تلك المنظمات باتت مجرد شعارات وحبراً على الورق، فهم لا يزالون يلتزمون الصمت حيال ما يتعرض له أهالي عفرين.