انتهاكات بالجملة... العمل الصحفي في السودان أشبه بالمخاطرة

تتفاقم معاناة الصحفيين/ات السودانيين مع استمرار الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع والتي أكملت عامها الأول، فالعاملين بالمجال يدفعون حياتهم ثمناً في سبيل البحث عن المعلومة وتوثيق الحقيقة.

سلمى الرشيد

السودان ـ يرزح الصحفيون/ات السودانيون، مثل غيرهم من المدنيين، تحت نيران طرفي النزاع، محاصرين باتهامات التخوين والعمالة والموالاة لهذا الطرف أو ذاك، مهددين بالاحتجاز والاعتقال التعسفي أو الإخفاء القسري أو الموت، كما تواجه الصحفيات بصورة خاصة مخاطر أكبر بسبب العنف القائم على النوع، حيث تتعرض النساء والفتيات في السودان، بما في ذلك الصحفيات إلى كافة أشكال التمييز والعنف الجنسي، ومخاطر الاستغلال والاستعباد الجنسي.

تُعدّ أزمة النزوح في السودان هي الأكبر في العالم، حيث بلغ عدد النازحين داخلياً حتى الآن نحو 9 مليون شخص، بينما اضطر نحو 1.8 مليون سوداني وسودانية للفرار خارج حدود البلاد، كما أجبرت الحرب مئات الصحفيين/ات على مغادرة مناطق النزاع المسلح، بحثاً عن الأمان.

وقد رصدت نقابة الصحفيين السودانيين خلال عام من النزاع الدائر بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني (377)  حالة انتهاك مباشر ارتكبت بحق الصحفيين/ات، من بينهن (130) صحفية تعرضن لكافة أشكال الانتهاكات، حيث قتل (6) صحفيين بينهم صحفيتين، وهما الصحفية حليمة إدريس التي قتلت دهساً بعربة قتالية تابعة لأحد أطراف النزاع في الخرطوم أثناء تأديتها واجبها الصحفي، كما اغتيلت الصحفية سماهر عبد الشافع بمقذوفة داخل أحد مراكز الإيواء التي لجأت إليها برفقه عائلتها، وتعرضت (3) صحفيات للاعتداء الجنسي من بين (8) صحفيين تعرضوا للاعتداء المباشر  بالضرب.

كما رصدت النقابة (39) حالة ما بين الاعتقال والاختفاء القسري وتعرضت 5 صحفيات للاعتقال والتهديدات المباشرة بالقتل، وتعرضت (13) صحفية لمخاطر إطلاق النار، كما دمرت منازل عشر صحفيات وتعرضت ممتلكاتهن للنهب والسرقة، كما تعرض عدد من الصحفيين للاحتجاز في أماكن العمل.

وحول ذلك قالت سكرتيرة الحريات بنقابة الصحفيين السودانيين إيمان فضل السيد إن الصحفيين/ات تعرضوا لكافة أشكال العنف الممنهج منذ اندلاع النزاع في الخامس عشر من نيسان/أبريل عام 2023، مشيرةً إلى أنهن واجهن تحديات كبيرة بناءً على نوعهن الاجتماعي.

وبينت أن هناك العديد من الصحفيات اللواتي لجأن إلى دول الجوار ما بين مصر وتشاد في ظل ظروف صعبة وبالغة التعقيد طلباً للحماية وبحثاً عن الأمان، لافتة إلى أن هناك صحفية وضعت طفلها أثناء رحلة اللجوء إلى تشاد من الجنينة غرب دارفور.

 

 

ومن جانبها أوضحت الأستاذة مديحة عبد الله أن الصحفيين/ات السودانيين معرضون لمخاطر عديدة منذ اندلاع حرب الخامس عشر من نيسان وكانت آخرها وليس أخيرها مقتل الصحفية حليمة إدريس دهساً بعربة قتالية على يد قوات الدعم السريع بعد سبعه أشهر من بدء الحرب "الصحفيات دفعن الثمن غالي جراء الحرب وتحملن أعباء ومشقات كبيرة".

وأكدت أن الصحفيين/ات بولايات دافور هم الأكثر تأثراً بالحرب وعرضه للانتهاكات, ويعملون في ظروف صعبة حيث لا تتوفر خدمات الاتصالات والإنترنت لتمكنهم من الحصول على المعلومات والتحقق منها ونشرها، كما تعرضت العديد من المؤسسات الإعلامية للمداهمات واتلاف الممتلكات وتحولت المباني لساحة معارك "الصحفيات واجهن ظروف بالغة التعقيد وعملن في غياب تام للحماية والخصوصية حيث أدت حرب نيسان لفرض واقع أكثر تعقيداً على النساء في جميع مجالات الحياة".

واضطرت العديد من الصحفيات إلى ترك مجال عملهن نتيجة رحلة النزوح والبحث عن الحماية والأمان كما بينت "الصحفيات السودانيات هن الأكثر تأثراً بالحرب من الصحفيين بسبب طبيعة المجتمع الذكوري الذي يتيح  للرجال فرص حرية تنقل وحركة أكبر من الصحفيات، حيث أفرز هذا الواقع قيوداً على الصحفيات وحرية التعبير".

وبدورها أكدت الصحفية المستقلة حواء رحمة على أن حرب نيسان تسببت بإغلاق معظم الصحف السودانية والمواقع الإلكترونية "كصحفية سودانية واجهت العديد من التحديات في ظل غياب الحماية والأمان وعدم التزام أصحاب المؤسسات الإعلامية تجاه الصحفيات بدفع مستحقاتهن المالية بعد الحرب التي أكملت عامها الأول"، مطالبةً طرفي النزاع بضرورة فتح المسارات الآمنة للممارسة عملهم.

وأوضحت أن النزاع كان له دور في عدم نقل الأحداث بمهنية وموضوعية، حيث فقد العديد من المعايير الصحفية الحرة، وغيبت الإحصائيات الدقيقة عن الجرحى والقتلى والمفقودين، بالإضافة إلى صعوبة الحصول على المعلومات.

 

 

الصحفية المستقلة صافية عثمان قالت إن التحدي الأول الذي واجهته الصحفيات السودانيات منذ اندلاع حرب نيسان هو الإغلاق غير المعلن للصحف المستقلة ووسائل الإعلام غير المدرجة تحت بنود الخدمة المدنية حيث لا تتوفر مستحقات مالية لما بعد نهاية الخدمة، فالحرب لم تمكنهم من الوصول إليها والمطالبة بحقوقهن.

وأشارت إلى أن الأوضاع تسببت بنزوح العديد من الصحفيين نتيجة الظروف الصعبة إلى أماكن نائية لا تتوفر فيها خدمات الإنترنت والاتصال مما زاد من معاناتهن "العديد من الصحفيين ظلوا تحت خط النار وتعرضوا لمشاكل متعلقة بالسلامة الجسدية والنفسية، كما تعرضوا لمضايقات كثيرة أبرزها كانت على نقاط التفتيش".

وأكدت أن المخاطر المبنية على النوع الاجتماعي بكونها صحفية تتمثل في عدم توفر منصات إعلامية تعبر عنها بالشكل المطلوب "المنصات التي قدمت دعم للصحفيات السودانيات كانت شبكات الاتصال والانترنت تقف عائق دون الوصول إليها والاستفادة منها، بالتالي تحصل عليها الصحفيات المقيمات بالولايات أو خارج السودان".

وأوضحت الصحفية السودانية مروة الأمين أن العمل الصحفي واجه العديد من التحديات وأولها العمل اليومي لدى الصحفيين/ات سواء كانوا يعملون بشكل مستقل أو يتبعون لمؤسسات صحفية "هذا الواقع فرض ظروف اقتصادية صعبة على الصحفيات السودانيات حيث فقدن مصادر عملهن، كما يواجه من يعمل صعوبات في الحصول على المعلومات نظراً للاستهداف المستمر".

وأشارت إلى أن الصحفيات العاملات في المجال الصحفي الحر تفتقدن للحماية فالمؤسسات لا توفر لهن الحماية، وبالرغم من تلك الظروف تنجزن أعمالهن الصحفية اليومية وتتعرضن للاستدعاءات الأمنية والاعتقال.

 

 

ومن جانبها قالت الصحفية رفقه عبد الله إنه بعد مرور عام على حرب الخرطوم بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع لا تزال الصحف المحلية السودانية مغلقة، فيما تقع الإذاعات وعدداً من المواقع الإلكترونية وبعض القنوات تحت سيطرة قوات الدعم السريع "الحرب أثرت على الصحفيات وأصبحن خارج سوق العمل وبتن نازحات ولاجئات في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة".

 

 

وأوضحت الصحفية مشاعر يونس أنه منذ اندلاع الحرب وهي تقوم بعملها برصد الانتهاكات التي تقع على النساء إلى جانب اهتمامها بملف المفقودين والتأثيرات الصحية والإنسانية على المواطنين داخل البلاد، بالإضافة على أوضاع السودانيين اللاجئين في دول أوغندا، ومصر، وجنوب السودان، وتشاد.