آمنة البخاري... تونسية نجحت في كسر النظرة الدونية للمرأة الرحالة
مولعة وشغوفة بالسفر والترحال، تحلم بزيارة كل بلدان العالم والتعرف على معالم كل بلد وعاداتها وتقاليدها، فالسفر بالنسبة لها متنفس للحياة
زهور المشرقي
تونس ـ .
تقول الرحالة التونسية آمنة البخاري البالغة من العمر 29 عاماً، أن الظروف الاجتماعية التي عاشتها في صغرها لم تسمح لها بمواصلة دراستها، لكنّها صمّمت على تحقيق حلمها الذي يراودها منذ نعومة أظافرها بأن تكون "رحّالة" ومن أولى الرحّالات التونسيات، متحدية النظرة الدونية للمرأة التي تسافر بمفردها وتجول أبعد بلدان العالم.
سافرت آمنة البخاري في أول رحلة لها خارج حدود تونس عام 2009، رحلة كانت ستؤجل في الدقيقة الأخيرة بسبب جواز سفر والدتها التي كانت سترافقها إلى تركيا، دون الانتباه إلى انتهاء صلاحيته، ولكن بتمرّد شبابي اختارت آمنة أن تسافر لوحدها لخوض أول تجربة وهي ابنة الثامنة عشر عاماً.
لم يكن سهلاً عليها أن تطأ قدماها بلداً كان بالنسبة لها بلد الأحلام وكانت تشاهد شوارعه وتتلمسها عبر شاشة التلفاز والكمبيوتر، وبرغم عدم إتقانها اللغة التركية ولا حتى الإنجليزية في تلك الفترة، إلا أنها أكملت رحلتها في إسطنبول وزارت العديد من الأماكن التاريخية والسياحية التي وثقتها بكاميرا بسيطة نقلت عبرها تفاصيل ما أسمتها برحلة العمر وبداية الخوض في عالم الترحال.
وبالرغم من أن والدتها رفضت في البداية أن تكون ابنتها "رحالة" كما أوضحت، إلا أن آمنة البخاري سعت جاهدة لكسر الصورة النمطية التي تربّت عليها والدتها والتي تتجلّى في كون المرأة كائناً ضعيفاً وجب إعالته وعدم تركه بمفرده، وتؤكد أنها لم تيأس بل تحدّت كل الظروف الاجتماعية بعد طلاق والديها وباتت المعيل الأول لعائلتها حيث اضطرت للعمل في ثلاثة أماكن في اليوم الواحد لتوفر قوت إخوتها ووالدتها، ولم تنسى ادخار المال للسفر كأولوية قبل توفير أساسياتها كشابة، فغرامها قد تجاوز تلك البديهيات، على حد قولها.
وتوضح أن سفرتها الثانية كانت أيضاً لتركيا وقرّرت حينها الاستقرار مؤقتاً هناك، لتبدأ تجربتها مع إحدى وكالات الأسفار المعروفة، وقامت بجمع مصاريف رحلة إلى العاصمة الفرنسية باريس ثم أطول رحلة إلى الصين التي وصفتها بالشاقة والمختلفة من حيث عدد ساعات الرحلة وعادات وتقاليد البلاد وعدم إتقانها اللغة، ولكن ذلك لم يقف حاجزاً أمامها لزيارة معالم سياحية في هون كونغ، واكتشاف عالم آخر مغاير شكلاً ومضموناً.
وعن عدد الدول التي زارتها تقول "زرت حوالي 12 دولة في فترة زمنية قصيرة باستثناء الرحلات الشهرية لتركيا، حيث لا يمر شهر دون أن تتم طباعة جواز سفري، وبتّ وجهاً معهوداً في مطار تونس قرطاج الدولي من قبل جمارك الحدود"، وترى أن لكل بلد عادات وتقاليد مختلفة تماماً في طريقة الأكل والحفلات والعيش، وكل منطقة زارتها تركت أثراً إيجابياً في ذاتها.
وحول كيفية ادخار المال لتأمين تكاليف سفرها وهي التي لا يمكن أن تلتزم بعمل يومي يتجاوز السبع ساعات بسبب رحلاتها، أوضحت أنها تعمل من خلال شبكات الانترنت مع شركة سياحة تونسية وتعمل في حجز التذاكر والفنادق للمسافرين وتقوم بالتسويق لذلك من خلال صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي انستغرام، إضافةً إلى أنها وكيلة مؤسسة أجنبية، "لا أفكر في ادّخار مالي لشراء منزل أو سيارة، بل كل ما أفكر به هو أن أحمل حقيبتي وأتجه نحو المطار لمغامرة جديدة مشوّقة تشعرني بذاتي كامرأة، فبالسفر فقط أسترجع ذاتي وأشعر أنني امرأة على قيد الحياة".
قاومت آمنة البخاري قيود أسرتها والمجتمع لتمضي نحو حلمها الذي يمثل جزءاً أساسياً في حياتها، من أجل الاكتشاف والمغامرة، "واجهت معارضة شديدة من قبل أمي التي لا تزال تعتبرني ابنتها الصغرى رغم أنني أكبر إخوتي ويصعب عليها مفارقتي حتى برحلة".
ونوهت إلى أنها "تجاوزت كافة العراقيل وكسرت الحاجز الذي يضعه المجتمع والذي ينظر بدونية للمرأة التي تسافر كثيراً وتزور بلداناً مختلفة بمفردها، تلك العقلية الذكورية التي تسعى دائماً إلى تقزيم المرأة ووضعها في صورة الزوجة البارة والأم فقط، لا يهمني ما مررت به، فقد وضعتها في صندوق الذكريات، أنا فخورة بما وصلت إليه رغم كل العقبات التي وضعت في طريقي"، وأضافت "لا ألتفت إلى ما يقال أو للصعوبات ما دمت واثقة بنفسي ومحبة لما أقوم به، فأنا أقوم بمغامرات هي المتنفس الوحيد بالنسبة لي".
إلى جانب المتعة لم تخلوا رحلات آمنة البخاري من التشويق والإثارة وبعض المخاوف منها صعوبات التنقل أحياناً واضطرارها أحياناً إلى مشاركة السكن مع فتيات من جنسيات أخرى، "لقد تعرضت للعديد من المواقف العنصرية المقيتة، غير أن ذلك لم يحبط من عزيمتي ولم يقلل من رغبتي في مواصلة اكتشاف عوالم جديدة".
وبالنسبة لآمنة البخاري للسفر مذاق خاص حين تحمل المرأة حقيبتها بمفردها وتقرر زيارة دولة ما للاطلاع على عالم جديد، وتنصح النساء والفتيات الاعتماد على ذاتهن "لا تنتظري من أحد شيئاً، لا بد من العمل والسعي لتحقيق ذاتك وطموحاتك"، داعيةً المرأةَ التونسية للنهوض والدفاع عن حقها في العمل والتمتع بأجر مساوٍ للرجل.
وأوضحت في ختام حديثها أنها "تأثرت بالرحالة الليبي المعروف بـ "رحاليستا" الذي سعى جاهداً لتحقيق حلمه وأن يكون رحالة عالمياً رغم الظروف القاهرة التي عاشها من خصاصة وفقر، أنا أقدّر الشخص الذي يسعى للنجاح وأرى فيه جزءاً من شخصيتي، فأنا أيضاً واجهت وعشت ظروفاً صعبة".