الزواج... طريق الهروب للنازحات في إدلب
تهرب الفتيات في إدلب من حياة المخيمات الصعبة التي أجبرتهن الحرب على عيشها لتقعن ضحية زواج يسيء لهن.
هديل العمر
إدلب ـ مع تدني الأوضاع الاقتصادية للكثير من الأسر في إدلب وتدهور القطاع التعليمي وصعوبة تأمين المتطلبات المعيشة وسط الفقر والغلاء والنزوح، انتشرت في إدلب زيجات غير مناسبة وقعت ضحيتها الكثير من الفتيات والقاصرات.
لم تتوقع سارة العليوي (18 عاماً) أن تتزوج من رجل متزوج ويكبرها بخمسة عشر عاماً بعد أن رسمت أحلام كبيرة اصطدمت جميعها بواقع مؤلم حين انتهت بهذا الزواج الفجائي.
تقول إنها توقفت عن دراستها بعد نزوح عائلتها من مدينة خان شيخون أواخر عام 2019، واستقر بهم الحال في مخيمات قاح الحدودية حيث ضعف التعليم وضنك العيش.
وأضافت أنها سرعان ما وجدت نفسها أمام مشروع زواج لم تخطط له حين اختار لها أهلها عريس غني، وراحوا يرسموا لها حياة سعيدة وخلاص من حياة المخيمات والتمتع برغد العيش في كنف زوج يهتم بها، وينفق عليها ويسكنها في منزل لائق.
ورغم تحقق نبوءة الأهل بالاستقرار المعيشي غير أن سارة العليوي ليست سعيدة بهذا الزواج خاصةً أن زوجها كثير الخروج من المنزل ولا يأتي إليها إلا ما ندر بينما راحت زوجته الأولى تسبب لها الكثير من المضايقات والمشاكل اليومية.
لم يكن حال صفاء العنداني (15 عاماً) أفضل، والتي أدركت بعد فوات الأوان أن زواجها بأحد الشبان النازحين في هذه السن أوقعها بمشاكل عديدة أولها مسؤولية تحمل أعباء الزوج والمنزل وآخرها تحمل أعباء الإنجاب وتربية الأطفال وهي ما تزال طفلة.
تقول إن الزواج بالنسبة لها كان أحلاماً وردية، وخروجاً من واقع الفقر والعزلة في مخيمات النزوح والفقر المدقع، غير أنها باتت تحت وطأة أمور عدة كانت تجهلها وهي تحمل مسؤوليات جمة لا تعلم كيف تتدبر أمورها بها وهو ما خلق مشاكل زوجية متعددة لا تكاد تنتهي، على حد تعبيرها.
وغير هذا وذاك تشكو صفاء العنداني طباع زوجها العصبية وتعنيفه المستمر لها، إضافةً لعدم قدرته على تأمين مستلزمات المنزل نتيجة فقر حاله وصعوبة إيجاده لعمل ما، لتكتشف أن حياتها مع أهلها في مخيمات النزوح كانت أفضل فالأمر بعد الزواج ازداد سوءاً وفق ما رأته واستنتجته رغم صغر سنها.
وللتعليق على انتشار أشكال للزواج الغير مناسبة وزواج القاصرات بغية التخلص من الإنفاق عليهن وسط الظروف المعيشية الصعبة التي يواجهها السواد الأعظم من المدنيين في إدلب، تقول المرشدة الاجتماعية أمل زعتور أن المرأة في إدلب تواجه مشكلات متعددة تبدأ بانعدام الأمن الغذائي وصعوبة الحصول على الخدمات الصحية الكافية، مروراً بزواج القاصرات الذي ازداد بشكل مثير للقلق مؤخراً، والذي يعد شكلاً من أشكال العنف القائم على الجنس وانتهاكاً لحقوق الإنسان وصولاً لحرمانهن من حقوقهن في التعليم.
وأشارت إلى أن مسألة الزواج التي باتت عشوائية وغير مدروسة ولا سيما في ظل النزاعات والأوضاع الإنسانية الناتجة عن ظروف مستجدة ومنها انعدام الاستقرار والتشريد والفقر المدقع، راحت تتسبب بالعديد من المشاكل الزوجية وزيادة في معدلات الطلاق.
وأوضحت أن عشوائية الزواج هو المنتج السام للفقر وعدم المساواة بين الجنسين، إذ تعتقد العديد من العائلات أن الزواج سيضمن مستقبل بناتهن، ولكن في الواقع، فإنه في كثير من الأحيان يعرقل فرصهن، ويخرجهن من المدرسة ويصبحن أمهات دون السن القانونية مما يحطم أحلامهن.
ويقول صندوق الأمم المتحدة للسكان إن زواج القاصرات يترك الفتيات ضعيفات للغاية، وغالباً ما يتزوجن من أزواج أكبر سناً، وبالتالي يصبحن أقل قدرة على الدفاع عن احتياجاتهن وحقوقهن وقد يواجهن حتى العنف، مشيراً إلى أن دعم وتمكين الفتيات يمكنهن من تجنب هذه الظروف الصعبة.