"الزواج ستر وعفة"... أوهام كثيرة يزرعها المجتمع في أذهان القاصرات

تزويج القاصرات واحدة من الأزمات الكبرى ذات الطابع الخاص في القرى الريفية لكونها ترتبط بظروف اجتماعية لأسرهن، بالإضافة لنظرة المجتمع والوصم الذي سيلحقها في حال تأخرت بالزواج.

أسماء فتحي

القاهرة ـ تزويج القاصرات ظاهرة منتشرة بشكل كبير في المدن المصرية خاصة الريفية منها، حيث يسود اعتقاد أن الفتاة عند بلوغها سن معين يجب أن تتزوج وإلا ستتعرض مع عائلتها للنبذ وستلحق "العار" بباقي فتيات العائلة.

"تزوجت في عمر الـ 14 ولم يكن لي الحق في اختيار زوجي، عائلتينا قررتا تزويجنا لكوننا أقارب، والآن لديّ أربعة أطفال وأشعر أن حياتي تدمرت"، بهذه الكلمات عبرت إحدى الفتيات عن التهميش والمعاناة التي تعرضت لها على إثر تزويجها وهي في مرحلة الطفولة، معتبرةً أن هناك مرحلة تصل لها المرأة في سن مبكرة تفقدها الرغبة في مواصلة الحياة.

ولتسليط الضوء على ظاهرة تزويج القاصرات في القرى الريفية بمصر، وواقع حياة النساء والفتيات في هذه القرى والتعقيدات المترتبة على هذا النوع من الزواج وأسباب الاستمرار فيه، قامت وكالتنا بإجراء استطلاع رأي شاركت فيه عدد من النساء اللواتي أكدن على أن الفتاة ليست صاحبة قرار في هذه الصفقة وأن عائلتها هي من تقرر مصيرها، بحجة أن عمرها لا يمنحها الحق في ذلك وكذلك لبعض الاعتبارات منها الظروف الاجتماعية والاقتصادية المتعلقة بالزوج.

ولفتن إلى أن الفتيات بحسب ما زرع المجتمع في أذهانهن سيفوتهن قطار الزواج الأمر الذي سيتسبب بنبذهن وأسرهن، كما سيؤثر على باقي فتيات العائلة وستتعرضن أيضاً للطعن في عفتها وشرفها.

وخلال الاستطلاع سلطت وكالتنا الضوء على نماذج لفتيات خرجن من قبضة تلك الممارسات وأبدين رأيهن في الزواج المبكر ورؤيتهن لأسبابه، وبالتالي ستكون هناك صورة متكاملة عن تلك الممارسة التي تنال من الحقوق الإنسانية للنساء والفتيات.

 

البعض يراه عفة وستر للفتاة حتى الآن

قالت نوال علي البالغة من العمر 32 عاماً، أنها ابنة عائلة ميسورة الحال، قرر ذويها تزويجها عندما كانت طفلة وأقنعوها "أن الزواج ستر للفتاة" لتترك دراستها وهي في المرحلة الإعدادية، لتعاني وعلى مدار عدة لسنوات من أزمات صحية متتالية بسبب الحمل والإنجاب في سن مبكرة، وتشعر أن عمرها انتهى بعد أن كبر أطفالها ولم يعد لديها ما تقوم به من واجبات كونها مبرمجة على تحقيق ما أمرتها بها عائلتها.

وأضافت "عندما أرى زميلات الدراسة أشعر بالحزن تجاه ما أنا عليه، على الرغم من أن الحالة المادية جيدة ولدي أبناء وبنات إلا أن هناك شيء ينقصني، وفي الكثير من المرات أقول لو كنت قد أكملت تعليمي لكنت في مكان أفضل، كل ما أعانيه اليوم بسبب رغبة عائلتي في الحافظ على ممتلكاتها".

من جانبها قالت الأخصائية في علم النفس ندى صلاح إن تزويج القاصرات ظاهرة منتشر بشكل كبير في المدن المصرية، بسبب الاعتقاد السائد أن الفتيات عند بلوغهن سن معين يجب أن تتزوجن باعتباره أمر طبيعي بالنسبة لذويهن والخروج عنه سيخالف الأعراف وربما يعود بنظرة سيئة للفتاة وأسرتها في بعض القرى.

ولفتت أن الكثير من الأسر ترى في الزواج المبكر "ستر وعفة"، مؤكدةً أن الأمر لا يجب أن يسير على هذا النحو كونه يحرم الفتيات من حقهن في الاختيار والتفكير بمستقبلهن وحقهن في التعليم "الفتاة المتعلمة تكون قادرة على بناء مستقبل أفضل لها وتستطيع في السن المناسب أن تكون أسرة مترابطة وتربي أبناءها على خدمة المجتمع بدلاً من تزويجها في مرحلة الطفولة وتحميلها مسؤولية أسرة وأطفال وهي لا تعي حجم هذه المسؤولية".

واعتبرت أن أغلب الزيجات دون السن المنصوص عليه في الدستور تكون غير موثقة وأغلبها تتم بشكل عرفي دون مستندات تحفظ حق الزوجة والأطفال، وذلك يعرض الفتاة في المستقبل لأزمات كبيرة تتعلق بإثبات النسب وغيره من الأمور.

 

"زواج القاصرات المبكر يؤذيها صحياً واجتماعياً"

كما قالت نوال عادل ذات الأربعين خريفاً، إنها تزوجت عندما كانت طفلة وهذا ما قامت به مع طفلتها اعتقاداً منها أن الزواج من "سنة الحياة"، ولكن ما حدث أثناء ولادة حفيدها الأول كان قاسياً للغاية كاد ذلك ينهي حياة ابنتها.

وأضافت "أخبروني في المستشفى أن ابنتي لا تزال صغيرة على الإنجاب وأن حالتها خطيرة وبقي جنينها في الحاضنة لفترة من الزمن لدرجة فقدنا الأمل في نجاته ومنذ تلك اللحظة وأنا أنصح النساء ألا تجبرن بناتهن على الزواج خاصة في سن مبكرة".

وأكدت ندى صلاح أن الفتيات حال تزويجهن مبكراً ستعانين من الكثير من الأزمات الصحية ويمكن وصف حالتهن بالمتدهورة لأنهن جسدياً لسن مؤهلات للزواج والحمل والإنجاب وتبعات ذلك في تلك المرحلة المبكرة من عمرهن، مضيفةً أن الطفلة لا تمتلك القدرة على رعاية نفسها ومتابعة حالتها الصحية كما تهمل أهمية استشارة الطبيب لأنها لا تملك هذا القدر الكافي من الوعي حتى لرعاية أطفالها، وتقول "كيف لطفلة أن تربي أطفال وتوفر احتياجاتهم وتتابعهم صحياً ومعرفياً وهي ذاتها غير مكتملة النمو ولم تعمل على تطوير ذاتها معرفياً".

 

قصص لفتيات تزوجن في سن مبكرة

من خلال التطرق لقصص عدد من الفتيات اللواتي أجبرن على الزواج في سن مبكرة أكدت الأخصائية ندى صلاح أن مسار حياتهن تغير كلياً، فبدلاً من إكمال تعليمهن أصبحت حياتهن محصورة بتأدية أعمال المنزل وتأمين متطلبات قاطنيه، فضلاً عن تحملها أعباء الحمل والإنجاب وغيرها من المسؤوليات التي ليس عليها تحملها في هذا السن المبكر.

وقالت "زميلات الدراسة الآن لديهن أطفال، الخطوبة كانت تحدث ونحن في مرحلة الثانوية العامة ثم تلاها زواج، وهو أمر لم يقتصر على فتاة واحدة بل هناك الكثيرات اللواتي مررن بنفس المسار"، مؤكدةً أنه أمر صعب للغاية فهناك الكثير من المحطات التي حرمت منها الفتاة.

وأكدت أن الطفلة التي تحمل مسؤولية منزل وزوج وأطفال، مسألة منحها للعطاء والحب لأسرتها لن تجعلها سعيدة لاحقاً لأنها حرمت فرصة الاختيار واتخاذ القرار لنفسها ولأسرتها، قطعاً تعرضت للظلم بتزويجها مبكراً ومن ثم ستترجم ذلك في ظلم كل من حولها لأنها لا تدرك سبل التعامل وآليات الحياة الجديدة التي تتحمل مسؤوليتها.

وأضافت أن للوعي دور كبير في التعامل مع تلك الأزمة المتجذرة ثقافياً في القرى الريفية، ولا توجد أسرة تقف بوعي ضد ظاهرة الزواج المبكر لذلك التوعية ضرورية، مضيفةً أن زواج القاصرات واحد من الملفات التي تحتاج لتراكم في العمل من المؤسسات العاملة على تعزيز حقوق المرأة لأن وضع حد لها يحتاج لعمل ووقت طويل للحصول على نتائج فعلية على أرض الواقع.

وأكدت أن التغيير في الوعي يحتاج لوقت خاصة إن كانت تلك الممارسة متوارثة عبر الأجيال كما أن الأهالي في حاجة لرؤية نماذج واعدة وناجحة للفتيات المتعلمات واللائي استطعن الزواج لاحقاً وبناء أسرة أكثر نضجاً كون التجربة تخلق التحفيز على الممارسة.

من جانبها قالت سلمى عمر واحدة من الفتيات الرافضات لظاهرة الزواج المبكر وكل من يساهم في نشره، معتبرةً أنه مقبرة للطفلات، مضيفةً "كنت فرحة بمرحلة الخطوبة التي تمت في المرحلة الإعدادية، وكنت أتباهى بذلك أمام زميلاتي حيث كنت اعتقد أنني الأفضل حظاً، وتزوجت ولم أكمل تعليمي، والآن أنظر لمن أكملن تعليمهن وأشعر بحسرة شديدة، فأنا ارتدي العباءة وأبدو أكبر من سني الحقيقي بعشرين عاماً، ولدي ثلاثة أبناء أحمل همهم وافني حياتي لأجلهم، بينما زميلاتي تذهبن إلى لقاهرة للعمل وترتدين ملابس تليق بأعمارهن ولا تحملن ذات الهموم التي أحملها، وألوم أمي وأبي وكل من زرع في ذهني فكرة أن الزواج في سن مبكر أفضل".