اليوم العالمي للعلوم من أجل السلام والتنمية شعلة أنارت ظلمات البشرية
عانى العالم ولا زال يعاني من التحديات والعقبات التي تواجهه على جميع الأصعدة، لكن لم يبرح العلم والعلماء من تقديم كافة أشكال المساعدة سواءً في تسليط الضوء على المشكلة وفهمها أو حتى حلها بداعي إحلال السلام ودفع عجلة التنمية نحو الأمام
مركز الأخبار ـ .
لضمان مستقبل مشرق وحافل بالعلوم والتطورات، ولكي لا تبقى البشرية بعيداً عن هذه التطورات ولضمان اطلاعها على العلم وإنجازاته، أعلنت منظمة اليونيسكو عام 2001 أن العاشر من تشرين الثاني/نوفمبر من كل عام هو اليوم العالمي للعلوم من أجل السلام والتنمية.
وكان إعلانها هذا بمثابة بطاقة دعوة للجمهور حتى يشارك في المناقشات والمواضيع المتعلقة بالقضايا العلمية بهدف تعزيز وتوثيق روابطه مع العلم، وللإشادة والتأكيد على دوره البارز في إحلال السلام والأمن وفي جعل المجتمعات أكثر استدامة.
والعلم مصطلح مشتق من الكلمة اللاتينية "Scientia" والتي تعني المعرفة والملاحظة المنظمة للأبحاث والظروف الطبيعية، من أجل اكتشاف الحقائق عنها لصياغة القوانين والمبادئ التي تعتمد على هذه الحقائق.
الأسبوع الدولي للعلم والسلام... سبعة أيام للإشادة بدور العلم
بدأ الاحتفال باليوم العالمي للعلوم من أجل السلام والتنمية في جميع أنحاء العالم في العاشر من تشرين الثاني/أكتوبر عام 2002، تحت رعاية منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو"، بمشاركة لجانها الوطنية بالإضافة للمنظمات الحكومية وغير الحكومية وكذلك المؤسسات العلمية والبحثية والجمعيات المهنية ومدارس العلوم ووسائل الإعلام.
وخصصت اليونيسكو أسبوعاً كاملاً لتسلط الضوء على الدور الهام للعلم والعلماء في تطور المجتمعات المستدامة والحاجة الملحة لتثقيف المواطنين وإشراكهم في المناقشات العلمية، وكذلك لإتاحة الفرصة للتعاون بين مجالات العلم العديد لتعزيز الوعي العام بدور العلوم.
وتستمر الفعاليات لمدة سبعة أيام متتالية ضمن احتفالية الأسبوع الدولي للعلم والسلام والتي تبدأ في السادس من تشرين الثاني/نوفمبر، وانطلقت الاحتفالية لأول مرة عام 1986 وجاء هذا الأسبوع جزءاً من الاحتفال بالسنة الدولية للسلام.
وتم تنظيم فعاليات الأسبوع الدولي للعلم والسلام بوصفها مبادرة غير حكومية، لكن القائمين على هذه الفعاليات عملوا للحصول على أكبر قدر من المشاركات الدولية، حيث دعت الجمعية العامة خلال الأسبوع الدولي للعلم والسلام الدول الأعضاء والمنظمات سواءً الحكومية الدولية أو غير الحكومية لتشجيع الجامعات والأكاديميات والمعاهد العلمية وأفراد المجتمع العلمي، لتنظيم مناقشات ومحاضرات وحلقات دراسية، حول دراسة وفهم الصلة الوثيقة بين التطور المنجز في مجالات العلم والتكنولوجيا والحفاظ على السلم والأمن.
كما حثت على التعاون الدولي بين جميع علماء الدول الأعضاء فيها، وذلك من خلال تسهيل تبادل الخبرات والمعلومات، وأشادت بمساهمة الأسبوع الدولي للعلم والسلام في تعزيز السلام، فهو يشجع على تبادل أكاديمي وبالتالي زيادة الوعي وفهم العلاقة بين العلم والسلام وبالتالي زيادة انتفاع شرائح المجتمع المختلفة.
ويتمحور اليوم الدولي للعلم من أجل السلام والتنمية حول تعزيز التضامن الوطني والدولي لتبادل العلوم بين البلدان، ودور الوعي العام تجاه العلوم في بناء مجتمعات مستدامة يعمها السلام، بالإضافة لتجديد الالتزامات الوطنية والدولية في إطار تسخير العلوم لخدمة المجتمعات وغيرها، وكذلك تسليط الضوء على التحديات التي تواجه العلم والعلماء وتقديم الدعم في إطار البحث العلمي.
العلم والتنمية المستدامة
تشاركت الوكالة الدولية للطاقة الذرية خلال عقود من الزمن مع منظمة الغذاء والزراعة التابعة للأمم المتحدة، من أجل تقديم العون للبلدان النامية للاستفادة من التقنية النووية والتقنيات ذات الصلة بهدف تحسين الأمن الغذائي العالمي وتطوير الزراعة، وقد ساهمت التقنيات النووية في خفض انجراف التربة في أجزاء من الصين والهند وباكستان.
كما استخدمت التقنية النووية في تطوير أصناف من الشعير ذات إنتاجية عالية وهي تشكل الآن أكثر من 90% من إنتاجيته في هذه البلدان، واستخدمت التقنية أيضاً في مراقبة مياه الساحل بهدف البحث عن السموم البحرية التي تشكل التهديد الأول للصناعات السمكية.
وفي عام 2019 تمكن باحثون في جامعة كونزلاند بأستراليا بهدف القضاء على الجوع الذي يلف العالم، من تطوير بروتوكولات لتقنيات من شأنها تسريع نمو كثير من الأنواع النباتية، من خلال زيادة عدد الساعات التي يتعرض فيها النبات للضوء والسيطرة على درجات الحرارة، معتمدة على تجربة استخدمتها وكالة "ناسا" الأمريكية لزراعة بعض المحاصيل في الفضاء، وساعدت هذه التقنية على زيادة بعض المحاصيل الأساسية كالقمح والشعير إلى الضعف.
وفي مجال البيئة ساهم العلم في خفض التأثير السلبي للصناعة على البيئة، في الانتقال إلى العالم الرقمي المتمثل بالهواتف الذكية وتطبيقاتها ساهم في خفض وتقليل الحاجة للأعمال الورقية التي تعتمد بشكل كبير على قطع الأشجار وتدمير الغطاء الأخضر.
كما استطاع العلماء تقليل الانبعاثات الناتجة عن السيارات التي تعمل بالوقود الأحفوري، وذلك من خلال اختراع وتطوير السيارات الكهربائية وإحداث تغيراً كبيراً من الناحية البيئية، وكذلك تطوير الزجاج الشمسي الذي يعد من الحلول المبتكرة لمراعاة وحماية البيئة، حيث تجمع هذه التقنية بين التقنية الكهروضوئية وألواح الزجاج العادية الموجودة في النوافذ، وبالتالي استغلال المساحات الكبيرة التي تحتلها النوافذ في المنازل والشركات لتوليد الكهرباء ذاتياً فيها.
وفي سياق الحفاظ على البيئة أيضاً قام العلماء بإنتاج البلاستيك النباتي الذي يتصف بقابليته للتحلل البيولوجي كما أنه أكثر استدامة من البلاستيك التقليدي، وتهدف هذه التقنية لخفض الطلب المتزايد على البلاستيك المصنع من النفط ومشتقاته في جميع أنحاء العالم.
كما ساعد العلماء على تطوير الأدوات الطبية واستطاعوا إنقاذ ملايين الأرواح وتوفير حياة صحية بعيدة عن الألم والمرض، من خلال الاكتشافات والإسهامات العلمية في مجال الصحة كإيجاد علاج للأمراض المزمنة واختراع أجهزة الأشعة السينية والتصوير المقطعي وأجهزة تنظيم ضربات القلب بالإضافة للأدوات الجراحية وغيرها الكثير من الأجهزة، وكذلك العلاج عن بعد باستخدام شبكات الإنترنت وتطبيقات الهواتف الذكية في المجالات الصحية.
العلم درع التصدي لفيروس كورونا
على الرغم من الارتباك الذي حل على المؤسسات العلمية والبحثية المعنية بالصحة العامة مع بدء أزمة تفشي فيروس كورونا في نهاية عام 2019، إلا أن هذا الارتباك لم يستمر طويلاً فقد استعاد العلم والعلماء زمام الأمور بعد أن قاموا بدراسة الفيروس وتشخيص تكوينه الجيني، وأصبحا في الخط الأمامي لجبهة التصدي للفيروس، حيث تمكن العلماء الصينيون من فك شفرة التسلسل الجيني لفيروس كورونا في مدة أقل من شهر، وهو الأمر الذي اعتمدت عليه الكثير من الاكتشافات التي تلته في السياق ذاته.
ويعود الفضل في ذلك لسرعة تبادل المعلومات بين العلماء في مختلف دول العالم، وكذلك تطور الاختبارات التشخيصية للكشف عن الفيروس، بالإضافة لتطوير إنتاج مختبر على رقاقة يسمح بفحص ثلاثة أنواع من الفيروس، التاجي وتم ذلك خلال ساعتين فقط في سنغافورة.
ونظراً لتزايد حالات الإصابة في صفوف الأطباء فقد لجأ العلماء للتحول نحو العلاج التشخيصي عن بعد، حيث يعتمد هذا النوع من العلاجات على معدات وشبكات اتصال من الجيل الخامس تسمح للأطباء في تشخيص فيروس كورونا عن بعد وكذلك وصف العلاج المناسب.
كما نجحت خلية التصدي لأزمة كورونا في جامعة البصرة جنوب العراق عام 2020، في إنتاج إمدادات مختبرية تسرع من عمليات فحص حالات الإصابة المشتبه بها بفيروس كوفيد ـ 19، وخفف هذا الإنتاج من الطلب العالمي على الإمدادات والمعدات المطلوبة لاحتواء وخفض انتشار الفيروس.
وقد حملت احتفاليات العام الماضي شعار "العلم مع المجتمع ولمنفعته في التعامل مع كوفيد ـ 19"، وتم التذكير فيها بأن العلم لا يجب أن يقتصر على تمكين الذات فقط بل يجب أن يساعد على لم شمل البشرية ومساعدة كل من تخلف عن الركب من اللحاق به، وكذلك تمويل ودعم البحث العلمي والتعاون في المجالات العلمية.