التصعيد العسكري الأخير في إدلب يجبر مئات النساء على النزوح
أجبرت العديد من النساء اللواتي تقطن ضمن البلدات والقرى الواقعة على خطوط التماس بين القوات الحكومية وفصائل المعارضة على النزوح مؤخراً، نتيجة التصعيد العسكري الأخير وكثافة القصف المتبادل بين الطرفين.
هديل العمر
إدلب ـ تعيش النازحات ظروف معيشة صعبة بين الجبال والأراضي الزراعية، بعد رحلة نزوحهن الشاقة، نتيجة العمليات العسكرية الأخيرة في مناطق خفض التصعيد الواقعة في منطقة جبل الزاوية جنوب إدلب.
منذ عشرة أيام، تعيش سمر سلات (35عاماً) وهي نازحة اتخذت من الأراضي الزراعية مأوى لها ولأطفالها، أوضاع اقتصادية ومعيشية مزرية نتيجة افتقارها لمكان آمن يضمن لها الاستقرار بعد نزوحها من بلدة البارة القريبة من محاور الاشتباكات إلى المناطق الشمالية التي تعد أكثر أمناً.
وقالت "اتخذت من عوازل النايلون مسكناً لي ولأطفالي نتيجة عدم وجود خيارات متاحة أمامي، فزوجي فقد حياته متأثراً بإصابته بقذيفة مدفعية سقطت بالقرب من مكان عمله أواخر عام 2021".
وأضافت أن قلة حيلتها وضيق أحوالها الاقتصادية والمعيشية منعتها من استئجار منزل يأويها مع أطفالها الأربعة، إذ أن آجار المنزل يفوق قدرتها المادية بأضعاف، ما اضطرها للعيش ضمن أجواء بيئية ومناخية صعبة وقاسية بين الأراضي الزراعية.
وأشارت إلى أنها لم تتلقى أي مساعدات منذ فترة نزوحها، باستثناء إعانات فردية من سكان وأهالي المخيمات المجاورة، وهو ما زاد من حدة معاناتها المتمثلة بنقص الغذاء واللباس والمسكن وأدنى مقومات الحياة الرئيسية.
وأوضحت أنها ليست المرة الأولى التي تنزح بها عن بلدتها ومنزلها، نتيجة التصعيد المكثف والمستمر الذي يحصل بين الفترة والأخرى، إلا أنها المرة الأولى التي لم تتم فيها مساعدتها من أي جهة كانت في تأمين سكن بديل ومؤقت يضمن لها عيش كريم حتى استقرار الأوضاع الأمنية.
لم تكن رولا الصبيح (33عاماً) وهي نازحة من بلدة بليون جنوب إدلب، أفضل حالاً من سابقتها حين اتخذت هي الأخرى من الأحراش الجبلية مسكناً لها ولبناتها الثلاثة، بعد أن أجبرتها القذائف الصاروخية والمدفعية على النزوح من منزلها وقريتها.
تقول إن جميع محاولاتها بالحصول على خيمة قماشية باءت بالفشل، ما أجبرها على السكن بين الأحراش الجبلية التي لا تصلح للعيش، ولكنها وجدت نفسها مجبرة في ظل غياب الحلول أمامها.
"خرجنا بثيابنا فقط" في إشارة للأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي تعاني منها في ظل غياب أدنى مستلزمات المعيشة وعلى رأسها المأوى والماء والغذاء، إذ أن كثافة القصف لم تمكنهم من اصطحاب أي شيء من أثاث منزلهم الذي كان سيخفف عنهم شيئاً من أعباء النزوح.
وأضافت أنها نزحت إلى مكان لا يخلوا من الخطورة نتيجة انتشار الكلاب الضالة ضمن الجبال، بالإضافة لكثرة الأفاعي والعقارب، وهو ما يضاعف خوفها من إصابة بناتها بأي خطر يمكن أن يوجههن.
وأشارت إلى أنها ستضطر للعودة إلى بلدتها في حال بقي الحال على ما هو عليه، خاصة وأنها تفتقر السند والمعيل نتيجة وفاة زوجها بفيروس كورونا بداية العام الماضي "أفضل العيش تحت القذائف والصواريخ على السكن ضمن هذه الظروف التي لا تصلح لعيش الحيوانات حتى تصلح للبشر".
ووفقاً لإحصائيات محلية، فإن أكثر من 100 عائلة معظمهم من النساء والأطفال اضطروا للنزوح من مناطق خفض التصعيد باتجاه المخيمات الشمالية، التي تشهد ظروف معيشية مأساوية أصلاً وهو ما سيعرض النازحين لصعوبات كبيرة في تأمين السكن والمواد الغذائية الأساسية.
من جهتها شددت رانيا عبد العزيز (28عاماً) وهي إحدى العاملات في المجال الإنساني على ضرورة مساعدة النساء والأطفال كونهم الفئة الأكثر ضعفاً، بتقديم مراكز إيواء مزودة بالغذاء والدواء، نتيجة الأوضاع المأساوية التي تعيشها هؤلاء النساء في ظل عدم توفر مستلزمات الحياة لهن.
وأضافت أن العديد من النساء تفترشن الأرض بعد نزوحهن بشكل مفاجئ، إذ أن معظم النازحات لم تتمكن من اصطحاب أي من أثاث منازلهن أو ملابسهن، مما سيعرضهن لمشاكل صحية كثيرة إذا ما بقيت الأوضاع على ما هي عليه.
وأشارت إلى أن الظروف المناخية الحارة صباحاً والباردة ليلاً شكلت معاناة مضاعفة لهؤلاء النساء نتيجة انعدام وسائل التبريد والتدفئة، لافتةً إلى ضرورة تقديم الخدمات لهن من قبل المنظمات الإنسانية والفرق التطوعية والجهات التي يفترض أن تكون معنية.