التعنيف الجسدي والفقر يخلف المزيد من حالات الانتحار في إدلب
ارتفعت معدلات انتحار النساء في مدينة إدلب، وسط غياب الثقافة والوعي الاجتماعي لأسباب تنامي هذه الظاهرة التي تكون ضحيتها النساء اللواتي تتعرضن لمختلف الضغوطات النفسية والجسدية والاجتماعية على حد سواء.
هديل العمر
إدلب ـ تجد نساء ومعيلات في مدينة إدلب، أنفسهن مجبرات على اتخاذ قرار الانتحار نتيجة الظروف المحيطة بهن من تعنيف جسدي وفقر مدقع تجعلهن أمام خيارات صعبة وقاسية تدفعهن للتفكير بإنهاء حياتهن.
لم تنجح محاولات سعاد الرمضان (25) عاماً وهي نازحة مقيمة في مخيمات بلدة كلي شمال إدلب، في إنهاء حياتها على الرغم من إلقاء نفسها من شرفة منزلها في الطابق الرابع، نتيجة المعاملة السيئة التي تتلقاها من عائلتها وإخوتها على خلفية طلاقها من زوجها الذي كان يعنفها بشكل مستمر.
بعينين دامعتين وصوت تخنقه العبرات تقول سعاد الرمضان "حياتي لم تختلف كثيراً بعد طلاقي"، في إشارة إلى التعنيف والضرب والمعاملة السيئة التي تتلقاها من والدها وإخوتها بسبب اتخاذها قرار الطلاق والانفصال عن زوجها الذي سبب لها أذى نفسي وجسدي كبيرين، خاصة وأنها تعاني من ألم وصداع مزمن بسبب ضربه لها على رأسها.
وأضافت أن الضرب المبرح الذي كانت تتلقاه من زوجها تسبب في إجهاضها مرتين متتاليتين، ما جعلها تتخذ قرار الطلاق الذي لم يكن سهلاً عليها، نتيجة النظرة المجتمعية النمطية والسيئة التي ينظرها المجتمع للمرأة المطلقة، بالإضافة لخضوعها لنمط حياة معين يلزمها البقاء في معتقل العادات والتقاليد دون حياة اجتماعية أو حتى الخروج من المنزل.
وأشارت إلى أنها المرة الثانية التي تحاول بها الانتحار بعد محاولتها الأولى التي كانت عبر شربها لكمية كبيرة من الحبوب، إذ أنها حاولت الانتحار مجدداً نتيجة التعنيف الجسدي واللفظي والمعاملة السيئة التي تتلقاها من عائلتها التي حملت "وصمة العار" بطلاقها من زوجها الذي أجبرت على الزواج منه.
وبحسب احصائيات محلية، فإن مدينة إدلب شهدت 18 حالة انتحار منذ مطلع العام الحالي، كما سُجلت 28 محاولة فاشلة أخرى، معظمهم من النساء والفتيات، في حين شهدت المنطقة العام الفائت 88 حالة انتحار، من بينها 33 محاولة فاشلة.
وعلى مقربة من مخيمات مشهد روحين شمال إدلب، أقدمت روعة الحسين (18) عاماً وهي نازحة من مدينة خان شيخون جنوب إدلب، على إنهاء حياتها عبر تناولها لحبوب الغاز القاتلة "الفوسفيد" نتيجة تعرضها للضرب والتعنيف من زوجها وأهلها.
وقالت فاطمة الحسين شقيقة روعة الحسين إن شقيقتها كانت تحاول الحصول على الطلاق نتيجة ما تتعرض له من ضرب وإهانات في منزل زوجها إلا أنها كانت تصطدم برفض أهلها وذويها للفكرة، ما دفعها للإقدام على الانتحار وقتل نفسها للخلاص من مشقة حياتها وصعوبتها.
وأضافت أنها لاحظت آثار الكدمات على جسدها الناتجة عن التعنيف على جسدها بعد وفاتها، وهو ما جعلها تفكر بالانتحار، خاصة بعد وقوف والدها وأخواتها أمامها ومنعها من الطلاق والانفصال حيث وجدت في الانتحار الوسيلة الوحيدة للخلاص.
وأشارت إلى أن المرأة أو الفتاة في إدلب لا تمتلك خيارات متاحة أمامها سوى الخضوع للضغوط التي تتعرض لها، أو الموت للخلاص من معاناتها وآلامها، نتيجة غياب أدنى مستويات الثقافة في المجتمع المحلي الذي يخضع لموروثات العادات والتقاليد البالية والمتخلفة.
وفي الثامن من آب/أغسطس الماضي، أقدمت نازحة على الانتحار باستخدام "حبة الغاز"، في حين انتحرت امرأة ثانية بإطلاق النار على نفسها من بندقية حربية.
ليس التعنيف الجسدي والنفسي فقط ما يدفع النساء للانتحار، إنما شكل الفقر وسوء الأوضاع المعيشية والاقتصادية أحد أبرز أسباب انتحار النساء في إدلب، وهو ما حصل مع رائدة العدل (35) عاماً حين أقدمت على محاولة قتل نفسها باستخدام حبوب الفوسفيد قبل أن تبوء محاولتها بالفشل.
"الموت أرحم لي من مشاهدة أطفالي جوعى أمام عيني" تقول رائدة العدل والألم يعتصر قلبها نتيجة الظروف المعيشية والاقتصادية المزرية التي تعيشها مع أطفالها الثلاثة الذين لم يبقى لهم معيل أو سند بعد وفاة والدهم جراء القصف المدفعي أواخر العام 2021.
وأوضحت أنها حاولت الانتحار بعد حالة اليأس التي وصلت إليها للهرب من الديون المتراكمة عليها والتي تجاوزت 1200 دولار أمريكي استدانتها ثمن الطعام لها ولأطفالها دون قدرة منها على سدادها نتيجة غياب فرص العمل وقلة الأجور.
وأشارت إلى أن تفكيرها بأطفالها وخوفها عليهم دفعها للتراجع عن قرارها بعد تناولها الحبوب، ما أجبرها على الذهاب للمشفى وإجراء عملية "تنظيف معدة" بسبب عدم وجود أي أقارب لأولادها لرعايتهم والاهتمام بهم.
من جهتها تحذر المرشدة النفسية والاجتماعية نور الخطيب (25) عاماً من خطورة هذه الظاهرة التي تمثل خطراً حقيقياً نتيجة غياب عملية جرد للأسباب الرئيسية والبحث عن سبل علاجها، على الرغم من تفاقمها يوماً بعد يوم.
وأوضحت أنه من الضروري توعية المجتمع المحلي للأخذ بعين الاعتبار المشاكل النفسية والاجتماعية التي تعاني منها النساء والتي قد تدفعهن لمحاولة الانتحار، خاصة وأن قرار الانتحار يأتي بعد تفكير عميق ينتج عن الضغوط المجتمعية والعائلية وعدم تقبل الأهل أو الزوج للحلول التي من شأنها الحد من معاناة الضحية أو الناجية.
ونوهت إلى أن الدعم النفسي والاجتماعي يلعب دوراً مهماً في تلاشي هذه الظاهرة التي وصلت إلى مستويات قياسية وخطرة على المجتمع، وذلك من خلال تسليط الضوء على المراحل والأعراض النفسية التي تسبق عملية الانتحار والتي قد تدفع صاحبتها للانتحار.
وقالت منظمة الصحة العالمية أن الدول الفقيرة ومتوسطة الدخل سجلت أعلى نسبة في محاولات الانتحار بلغت 75% من نسبة الانتحار في العالم.