التحرش بالأطفال جريمة تترك أثر عليهم يحتاج لوقت وجهد للتعافي
تشهد مصر جدلاً واسعاً واهتماماً كبيراً بقضايا الاعتداءات الجنسية على الأطفال، وذلك بعد عرض مسلسل (لام شمسية) والحملات التي أُطلقت لحماية الأطفال، جاء ذلك في ظل تزايد حوادث الاعتداء الجنسي على الأطفال التي أثارت اهتمام الرأي العام مؤخراً.

أسماء فتحي
القاهرة ـ التحرش بالأطفال أحد أبرز الأزمات المجتمعية التي يدفع الجميع ثمنها نتيجة حجم الأذى الذي يستحوذ على الصغار لسنوات ممتدة لا يمحوها الزمن إن لم يتم التعامل مع الأمر والتعافي الحقيقي منه حتى لا يصبح هناك جيل شوهته الاعتداءات.
الأزمة لم تبدأ أو تنتهى بواقعة اعتداء المدرس على الطفل التي حدثت مؤخراً بواحدة من المدارس المشهود لها بالكفاءة، ولكنها كانت صرخة خرجت بواقع واعي ينقل الناس من حيز الصمت والتجاوز إلى المطالبة بالحق والامتثال للقانون المحلي الحاسم في هذا الشكل من الانتهاكات.
وخلال السنوات الأخيرة تطور الأمر وتغير إلى حد كبير، فمعدل وعي الأسر بطبيعة وخطورة الاعتداءات الجنسية التي تحدث للأطفال بات مرتفعاً، كما نشطت عدد من المؤسسات الحقوقية في هذا الملف الذي وجد كذلك قبول برلماني وانحياز مما جعله هدف ينشده الجميع، وباتت قضايا الاعتداء على الأطفال تهم الرأي العام مما جعل تسليط الضوء عليها وتناولها أمر رئيسي ومحوري وهو ما يؤكد أننا على المسار الصحيح في التعامل مع هذا الشكل من الانتهاكات.
الاهتمام وتسليط الضوء على الظاهرة خلق حالة زخم حوله
أكدت إنجي سامي الصحفية المهتمة بالشأن النسوي، أن سبب ظهور قضايا التحرش بالأطفال خلال الفترة الأخيرة مرتبطة بحجم اهتمام الإعلام بهذا النوع من القضايا وتسليط الضوء عليها مؤخراً، لافتة إلى أن تلك الانتهاكات موجودة في المدارس والبيوت منذ سنوات طويلة وأن مسألة وجود فرد في الأسرة لديه انحراف سلوكي ينتج عنه اعتداء على الصغار أمر متكرر.
واعتبرت أن الرصد الإعلامي وتسليط الضوء وحالة الضغط الأسري جعل المجتمع يتعرف على الوقائع ويتفاعل معها بشكل أساسي، مشيرةً إلى أن أهم الأمور التي تأخذ في الاعتبار عند التعامل مع تلك الجرائم تتمثل في الاهتمام بتوعية الأطفال بحدود أجسادهم لمنع أية ممارسات قد تتخطى حدود مساحتهم الخاصة في جميع الأماكن مدرسة كانت أو نادي أو داخل الأسرة نفسها مع مراعاة أن يتناسب الخطاب مع مراحل الصغار العمرية لأن لكل منها طبيعة تختلف عن الأخرى في درجة الوعي وكذلك قبول المعلومة.
وأوضحت أن آليات الابلاغ كثيرة فهناك خط نجدة الطفل، إلا أن الأمر يحتاج توعية وتوجيه لأولياء الأمور للتعرف على آليات الإبلاغ المختلفة وأيضاً مؤسسات المجتمع المدني التي توفر الدعم النفسي للأطفال لذلك فالعمل على توعية الأسر أمر ضروري عند الحديث عن تلك الاعتداءات.
الآثار التي يتركها التحرش على الأطفال
وأشارت إنجي سامي إلى أن الأطفال الذين يتعرضون لاعتداءات جنسية عادة ما يعانون ويقبعون في قبضة الصمت والانطواء لفترات طويلة وهو الأمر الذي يتطلب وعي الأسر بما يحدث والتوجه لمعالج نفسي حتى لا يصبحون فريسة تلك المشاعر وتتطور بداخلهم لسلوكيات وممارسات مستقبلاً.
ولفتت إلى أن الأطفال الذين تعرضوا لتلك الانتهاكات عادة ما يمنعون أي تلامس حتى الطبيعي منه ويسيطر عليهم الخوف ويميلون للابتعاد عن التجمعات أو أنهم قد يعاودوا ممارسة نفس الانتهاك وإسقاط نفس الممارسات مع أطفال أصغر منهم سناً كنوع من التعويض مما يزيد من حجم دائرة العنف والمتضررين منها.
وأكدت أن آثار التحرش على الأطفال تمتد وتصل لحد تدهور مستواهم الدراسي، معتبرة أنه في حال تعرض الطفل لتحرش من شخص كبير في السن فذلك سيجعل تواصله مع كبار السن مرتبك والأمر نفسه في حال كان المعتدي أصغر سناً.
وعن تجربتها الشخصية مع أطفالها، فقد قالت إنجي سامي "أطفالي في الحضانة من سن صغير وهو الأمر الذي جعلني أتحدث إليهم من سن صغير حول أجسادهم والحديث عن الجسم بوضع تعريفات لأعضائهم التناسلية ووضع حدود متبادلة وكنت أتحدث إليهم أن التحرش قد يأتي من الأقرباء وليس قاصر على الغرباء وأنهم حال شعورهم بأي شيء غير مريح فعليهم فوراً التحدث معي".
حملة "بيدو" لتوعية الأسر بالتحرش والاعتداء الجنسي على الأطفال
كشفت الصحفية شيماء دهب مؤسسة حملة "بيدو" للتوعية بالتحرش الواقع على الأطفال، أن أسباب التحرش متنوعة وتأتي في مقدمتها عدم وعي الطفل بالتحرش فضغوط الحياة لم تجعل هناك فرصة لجلوس أولياء الأمور مع الأطفال لوقت كافي والحديث حول التحرش وسبل مواجهته.
وعن حملة "بيدو" للتوعية بما يمارس على الأطفال من تحرش، فقد أكدت أنها وجدت الأثر في مسلسل "لام شمسية" والذي عرض واقع التحرش بالأطفال وأدركت ضرورة استمرار العمل على التوعية بهذا الأمر ولكونها تدرك أن وسائل الإعلام لها دور تكميلي اتجهت لإطلاق حملة من خلال منصات متنوعة بعدد من الفيديوهات حملت اسم بسيط وهو "بيدو" المشتق من "البيدوفيليا" وهو اضطراب الميل الجنسي للأطفال حتى يكون لها صدى وتأثير.
وأكدت أنها خلال الحملة سعت لتوعية الأسر بالتحرش وكذلك الأطفال واستعانت بعدد كبير من الأطباء النفسيين والاستشاريين الأسريين للحصول على نقاط يمكن من خلالها التعامل مع الأطفال حال تعرضهم لتحرش وكذلك أدوات الوقاية والتعامل بعد الواقعة مع الأطفال الذين تعرضوا للاعتداء وغيرها من التساؤلات الرئيسة التي قد تساهم بدرجة كبيرة في التعامل مع تلك الأزمة.
وشددت شيماء دهب على ضرورة الاستماع للمعلومات من مصادرها الأساسية وأهل الثقة للتعامل مع الأطفال والحديث مع الصغار حول أجسادهم وأفكارهم، معتبرة أن للمجتمع المدني دور كبير في التعامل مع هذا النوع من القضايا الذي يحتاج لتوعية وعمل جماعي حتى يتم حماية الصغار في سن مبكر كي لا يتحولوا لفرائس بيد المعتدي.
واعتبرت أن المساحة التي تخلقها الأسرة مع الأطفال مهمة حتى يستطيعوا الحديث عما يجول بخاطرهم وما يحدث معهم دون خوف وهو الأمر الذي يساهم في تقليل المخاطر التي قد يتعرض لها الصغار، مبينةً أن وزارة التربية والتعليم لهم دور مهم في التوعية عبر المناهج الدراسية في مختلف المراحل التعليمية بلغة تتناسب مع جميع الأعمار.
وأوضحت أن وسائل الإعلام لها دور كبير للتوعية بالقوانين الرادعة التي قد تساهم انتشار المعلومات حولها في منع تلك الممارسات وتشجيع الأهالي على الإبلاغ للحصول على حق الأطفال، مضيفةً "بعد الحملة وجدت أمهات يرسلون إلي أنهن استفدن الكثير من المعلومات وجاءتني رسالة من امرأة لا أعرفها أنها رأت أعراض التحرش ومن هنا تمكنت من معرفة أن طفلتها تعرضت للتحرش ولم تكن قد تحدثت عن ذلك وهو ما ساعدها في التعامل مع الأمر للنجاة بصغيرتها".
وعن مستقبل الحملة، فقد لفتت إلى أنها تمكنت من الوصول بها للمجلس القومي للطفولة والأمومة، كما تبنى الفكرة عدد من نواب مجلس الشعب وجاري العمل من أجل تضمين أفكار توعوية عن التحرش بالأطفال في المناهج التعليمية.